ينطلق القضاء الدستوري في مراقبته للقوانين الانتخابية من قواعد عامة ترتبط بمدى موافقة هذه القوانين للدستور من الناحية الحرفية المباشرة ومن ناحية حفظ المبادئ الدستورية وتحقيق غايات الدستور. وبالنظر الى التراكم المحقق في تجربة القضاء الدستوري المغربي، ومساهمته في تحصين الدستور وتأويله بما ينسجم مع غايات المشرع الدستوري، وهو ما يحظى باهتمام فقهي متزايد، فمن المنطقي أن تشكل فرصة عرض القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات فرصة جديدة للمحكمة الدستورية لتكريس القواعد السابقة، والمزيد من تكريس أدوارها كحصانة للدستور وحسن سير المؤسسات وعدم انحرافها. وبالرجوع الى الدستور، يمكن الوقوف عند المبادئ الدستورية والغايات التي يسعى المشرع الدستوري إلى تحقيقها بواسطة العمليات الانتخابية، فتصدير الدستور يعتبر أن الدولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، وأن مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة. فالمشرع الدستوري رفع من مكانة المشاركة والتعددية والحكامة وجعلها مرتكزات دستورية لا بد من مراعاتها من طرف القانون. كما ينص الفصل الثاني من الدستور على السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، وعلى: تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم. والفصل 11 على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. وأن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم. ومن خلال هذين الفصلين يتأكد أن المؤسسات المنتخبة والمقصود هنا البرلمان، تمارس السيادة، ما يفرض التشدد في معايير المساهمة، وخاصة ما يتعلق بشرط الجنسية في مراحل الانتخاب والترشيح والتصويت، فلا يستقيم أن يسمح القانون لغير المغاربة بالمساهمة في أعمال السيادة، سواء باعتبارهم أعضاء في هيئة ناخبة أو باعتبارهم أعضاء في مؤسسات منتخبة. الدستور يؤسس كذلك لكون العملية الانتخابية هي عملية اختيار الأمة لممثليها، وأن هذا الاختيار يجب أن يتم بالاقتراع وفق ثلاثة شروط، وهي الحرية التي تشمل حرية أفراد الأمة في المشاركة في الاقتراع أو عدمه، وحرية أفراد الأمة في التصويت على من يشاؤون من المترشحين، وحريتهم في الترشيح، وشرط النزاهة التي تتعلق بأن تكون العمليات الانتخابية شفافة من جهة، وتتجاوز ذلك لتشمل النزاهة في تحويل الأصوات إلى مقاعد يشغلها ممثلو الأمة في المجالس المنتخبة. فالنزاهة لا تتعلق فقط بعمليات الاقتراع ولكنها تتعلق كذلك بمخرجات عمليات الاقتراع. أما شرط الانتظام الذي كرسه الفصل الثاني فيتعلق من جهة بالوتيرة الزمنية لتجدد المؤسسات، ومن جهة ثانية باستقرار المنظومة الانتخابية وعدم تغيير قواعد التنافس الانتخابي في كل استحقاق، وهذا المبدأ من بين أمور أخرى يفسر لجوء المشرع الدستوري الى تنظيم هذا التنافس بقوانين تنظيمية لما لهذه الأخيرة من ضمانات الاستقرار والثبات والحياد المطلوب من السلطات. وبالنظر إلى الفصل 17 الذي ينص على: يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات؛ ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي، كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة. والفصل 30 الذي ينص على أن لكل مواطنة ومواطن الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.. وعلى أن التصويت حق شخصي وواجب وطني. يمكن استخلاص المبادئ الأساسية التي تروم حماية حق السيادة الذي تتمتع به الأمة، عن طريق التنصيص على حفظ حق أفراد الأمة القاطنين خارج الوطن في المشاركة الفعلية انطلاقا من بلدان إقامتهم بالترشح والتصويت في الانتخابات، بشرط أن يتم ذلك داخل المستويات الترابية للمملكة المغربية، وهي الدائرة المحلية أو الجهوية أو الوطنية، دون إحداث دوائر خارج الوطن، لأن السيادة الموكولة للأمة لا يمكن ممارستها على تراب أجنبي. ولكن لا يمكن حرمان أفراد الأمة من المشاركة انطلاقا من مقار تابعة للسيادة المغربية داخل بلدان إقامتهم، باختيار ممثلي الأمة في المؤسسات المنتخبة. وهو ما يعضده السماح للأجانب بالتصويت في الانتخابات الجماعية باعتبار أن الجماعات الترابية لا تمارس أعمال السيادة باسم الأمة، لأن السيادة تتنافى مع التجزيء. وبالنظر إلى استقرار الفقه والقضاء على اعتبار الدستور متكاملا في مبادئه وأهدافه وأن نصوصه لا تقرأ مفصولة عن بعضها البعض، وأن تأويله يستحضر مقاصد وغايات المشرع الدستوري السامية، وأن دستور المملكة تضمن المبادئ الأساسية المؤطرة في مجال ممارسة المواطنين والمواطنات حقوقهم السياسية، بداية بما تضمن التصدير من اعتبار المشاركة والتعددية من مرتكزات الدولة الحديثة التي يسعى إلى توطيد وتقوية مؤسساتها؛ كما أقر عددا من الأهداف الدستورية التي يدعو إلى بلوغها، والمتمثلة بصفة خاصة في ما ورد في الفصل 6 في تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومشاركتهم في الحياة السياسية، وبالفصل التاسع عشر: السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، والفصل الثلاثون: تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية، والفصل الثالث والثلاثون: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد. فالمشرع في القوانين التنظيمية الانتخابية ملزم دستوريا بتوفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لأهداف الدستور، فالسلطة التقديرية للمشرع تظل مقيدة باحترام الدستور وتحقيق غايات المشرع الدستوري والالتزام بالمبادئ الدستورية. الانتظام والثبات مبادئ ناظمة للتشريع الانتخابي وأول المبادئ الدستورية التي لم يتهاون المشرع في احترامها مبدأ الانتظام والثبات، فحين أقر الفصل 86 من دستور 2011 على عرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور، فقد سعى من جهة إلى تسريع استكمال النصوص اللازمة لتفعيل كافة مقتضيات الدستور، خاصة أن القوانين التنظيمية هي مكملة ومفسرة للدستور، وهو ما يفرض أنها أكثر استقرارا من القوانين العادية وأقرب من الثبات الذي يتمتع به الدستور، وهو ما يفسر من جهة أخرى عدم إشارة الدستور إلى مقتضيات تتعلق بالتعديلات التي يمكن أن تمس هذه القوانين التنظيمية، فهي جزء من الكتلة الدستورية التي يتعين تمتيعيها بأقصى درجات الثبات التشريعي الممكنة، وعدم الافراط في تغييرها لما يشكله ذلك من مخاطر إخضاع نصوص مفسرة ومتممة للدستور، للتوازنات السياسية المتقلبة قبيل كل استحقاق انتخابي..وحصيلة المشرع في هذا المجال غير مطمئنة، إذ صار تغيير القوانين التنظيمية ممارسة سابقة لكل استحقاق انتخابي. فالأسلم أن يسري ثبات الدستور على النصوص المفسرة والمتممة له، بما يضمن الاستقرار والأمن القانوني، وهو ما دأبت عليه جل الأنظمة الديمقراطية العريقة حيث لا تتغير القوانين المؤسسة والقوانين الانتخابية بمناسبة كل اقتراع. فالتغيير المستمر للقوانين الانتخابية قبيل كل اقتراع يجعلها أقرب إلى عملية توافق على توزيع مسبق للمناصب الانتخابية بين الفاعلين السياسيين منها إلى عملية تشريع مجردة وعمومية. فالتشريع الانتخابي غير المستقر تشريع لا يحقق الغايات الدستورية، ويمس بخاصية الانتظام المفروضة في الاقتراع الديمقراطي المنصوص عليها في الفصل الثاني من الدستور، حيث تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم. فالانتظام هنا لا يمكن قصره على الوتيرة الزمنية، ولكنه مدلول ينصرف إلى الدلالة على الزمن والقواعد الضامنة للنزاهة والحرية، ويمس بما يفرضه الفصل 11 من التزام السلطات العمومية بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم. فالتغيير المستمر للقواعد القانونية المنظمة للانتخابات فيه مساس بمبدأ عدم التمييز بين المترشحين، فهو في نهاية المطاف تمكين للمشرعين الحاليين من وضع قواعد النزال الانتخابي الذي سيخوضونه بعد بضعة أسابيع. انتخابات المنظمات المهنية على ضوء السيادة والتعددية وفي ما يتعلق بمشروع القانون التنظيمي لمجلس المستشارين فهذا الأخير يثير إشكالية جوهرية تتعلق بمدى احترامه لمبدأ السيادة، فالأصل أن المؤسسات المنتخبة تمثل الأمة التي تتمتع وحدها بحق ممارسة التعبير عن السيادة، وأن المشاركة في اختيار ممثلي الأمة لا يستقيم أن تترك فراغات يمكن لغير المغاربة الدخول منها للمساهمة تصويتا أو تسجيلا أو ترشيحا أو تزكية، في كل العمليات المؤدية إلى انتخاب المؤسسات الممثلة للأمة في وحدتها. وحيث إن القانون التنظيمي لمجلس المستشارين لم يتضمن أي ضمانات لعدم مشاركة الأجانب المنتمين الى المنظمات المهنية في اختيار الهيئة الناخبة أو عضويتها، إذ ترك المشرع ذلك لصالح الأنظمة الأساسية للمنظمات المهنية (المادة الأولى من القانون التنظيمي لمجلس المستشارين)، والتي تخضع للظهير الشريف 1.58.376 الذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات حسب ما وقع تغيره وتتميمه، الذي يسمح للأجانب بممارسة حقوق العمل الجمعوي داخل البلاد. كما يطرح التمثيل البرلماني لما يسميها الدستور المنظمات المهنية الأكثر تمثيلية إشكالات دستورية جوهرية، فالفصل 63 من الدستور نص على: خمسان من الأعضاء تنتخبهم، في كل جهة، هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية، وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، وأعضاء تنتخبهم على الصعيد الوطني هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين. فالتعبير الدستوري دقيق ويشير إلى هيئات ناخبة (ورودها بالجمع لأنها بعدد الجهات) في كل جهة وليس مجموعة جهات. هذه الهيئات تتألف في كل جهة من منتخبين في الغرف المهنية وفي الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية. والواضح هنا أن (في الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية) معطوفة على (في الغرف المهنية)، فالفهم السليم للدستور يقتضي أن تتشكل داخل كل جهة هيئة ناخبة من منتخبين في الغرف ومنتخبين في الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية على الصعيد الجهوي، وليس تخصيص مقاعد للهيئات المهنية الأكثر تمثيلية. وفي مستو ثان تثير هذه التخريجة التي جاء بها القانون التنظيمي ضرورة تدقيق مفهوم الهيئة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، فالدستور استعمل هذا المصطلح في الفصل 8 منه بالموازاة مع المنظمات النقابية للأجراء، فصفة الأكثر تمثيلية لا يمكن أن يترك تحديدها لهيئات غير مؤسسة بقانون، فالتمثيلية في مجال المنظمات النقابية للأجراء تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية، وتمثيلية الغرف تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية، فكيف يستقيم ترك تمثيلية المنظمات المهنية للمشغلين لمجال التنظيم الذاتي، خاصة أن هذه المنظمات تؤسس فقط على أساس الظهير الشريف 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات حسب ما وقع تغيره وتتميمه؟ وهو ما أثبته التجربة السابقة، حيث استند في تنظيم هذه الانتخابات المتعلقة بتمثيلية هذه الهيئات إلى أنظمتها الأساسية بموجب المادة الرابعة من مرسوم 2.15.579، فهل يستقيم أن نترك قاعدة تؤسس لتمثيلية الأمة لنظام أساسي لجمعية مهما كان وضعها الاعتباري؟ ثم إن الثابت من التجربة وما جاءت به المذكرة التقديمية لمشروع القانون التنظيمي من حفظ فريق برلماني لهذه المنظمات المهنية الأكثر تمثيلية ينبئ بتجاوز خطير لمبدأ التعددية الذي اختاره المغرب، علما أن تحديد الفريق البرلماني من مشمولات الأنظمة الداخلية للبرلمان. إن التقيد بمقتضيات الدستور والانسجام مع نصه يقتضي مراجعة طريقة توزيع الخمس المخصص للفاعلين الاقتصاديين بموجب الفصل 63 بالتنصيص على انتخاب مقاعد من طرف هيئات ناخبة على صعيد كل جهة، تكون مشتركة بين منتخبي الغرف المهنية ومنتخبين عن الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، وليس على صعيد هيئات ناخبة مشتركة بين مجموعة جهات أو بهيئات منفصلة تخدم مصلحة جمعية يفترض فيها أن تساهم في السياسات العمومية من باب الديمقراطية التشاركية وليس من باب التمثيل السياسي والسعي إلى ممارسة السلطة. كما أن تفصيل الدوائر الانتخابية على أساس صنف الغرف لا يستقيم مع اختيار الدستور لمبدأ وحدة الهيئة الناخبة الممثلة للغرف على مستوى جهة ترابية. كما يثير تمكين المنظمات المهنية من طلب تجريد عضو مجلس المستشارين إشكالات مرتبطة بمدى توافق هذا المقتضى مع تنصيص الدستور على ربط التجريد بالتخلي عن الانتماء السياسي، لأن الانتماء السياسي يفترض وفق القانون التنظيمي للأحزاب الوفاء لخط سياسي واحد، ويمنع الانتماء إلى حزبين في نفس الوقت، ويتم التعاقد مع الناخبين على أساس برنامج سياسي محدد. أما الانتماء إلى المنظمات المهنية فمؤطر بظهير الحق في تأسيس الجمعيات، الذي ينص على إمكانية الانتماء إلى أكثر من جمعية وحق الاستقالة من الجمعيات.. فهذه المنظمات المهنية لا تعد هيئات سياسية ولا يمكن الحديث عن الانتماء السياسي في غياب برنامج سياسي يتم التعاقد عليه مع الناخبين. القانون التنظيمي لمجلس النواب وجنوح المشرع وبخصوص القانون التنظيمي لمجلس النواب، الذي يتضمن عدة هنات دستورية، لعل أبرزها تجاوزه لنطاق القانون التنظيمي نفسه، حيث ترامى المشرع هنا على المجال التنظيمي عند توزيع المقاعد المخصصة للجهات، فالدستور كان واضحا في تحديد حيز القانون التنظيمي لمجلس النواب وتخصصه بمبادئ التقسيم الانتخابي، ولا يستقيم أن يحدد القانون التنظيمي عدد المقاعد المخصصة لكل جهة دون بيان المبادئ التي استند إليها هذا التقسيم. والأخطر من ذلك أن تحديد أسماء الجهات وما تضمه من أقاليم وعمالات إنما ينتمي إلى حيز التنظيم، ويمكن في أي وقت أن يتم تغيير أسماء هذه الجهات والأقاليم والعمالات المنتمية لها بموجب مرسوم، وهو ما يجعل قاعدة في قانون تنظيمي بلا معنى. لقد كان من الأجدر أن يقتصر المشروع على بيان مبادئ توزيع المقاعد على الجهات على غرار ما ورد في المادة 2 من القانون التنظيمي لمجلس النواب بخصوص مبادئ ومعايير توزيع المقاعد على الدوائر المحلية، ويترك للسلطة التنظيمية توزيع هذه المقاعد بمرسوم توافقا مع الدستور. ومن المبادئ الدستورية التي لم يراعيها المشرع مبدأ المساواة، حيث فرض على المرشحين في الدوائر الجهوية شرط التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح، في المقابل لم يربط الترشيح في الدوائر المحلية بشرط التسجيل في هذه الدائرة، وهذا الشرط من جهة لا ينسجم مع كون عضو المجلس ممثلا للأمة وليس لجهة ترابية، ومن جهة أخرى يخل بالمساواة بين المترشحين للدوائر المحلية التي يسمح فيها بالترشح بغض النظر عن مكان التسجيل؛ والأخطر من ذلك أنه يمس بحرية ممارسة النشاط السياسي داخل الوطن، فلماذا نمنع مواطنا مفروض عليه أن يسجل ضمن الجماعة التي يقطن فيها من ممارسة النشاط السياسي في الجهة التي ولد فيها مثلا أو الجهة التي يمارس فيها نشاطه الاقتصادي مثلا؟ ثم إن تبعات هذا الشرط تنصرف إلى فقدان الأهلية بعد الانتخاب في حال قام عضو المجلس المنتخب برسم هذه الدائرة بتغيير مقر سكنه، ما يفرض عليه نقل تسجيله في اللوائح الانتخابية تبعا لذلك. يطرح النص كذلك إشكالات متعلقة بالتوازن بين السلط، وخاصة التوازن واستقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. ويتعلق الأمر مثلا بالمادة 85 المتعلقة بتأليف لجنة الإحصاء الجهوية، حيث يتم تعيين ثلاثة من أعضاءها من طرف الوالي، ما لا ينسجم مع المبادئ الدستورية المتعلقة بالتوازن بين السلطات، فمن الأسلم أن يتم تعيين العضوين بها من طرف رئيس محكمة الاستئناف. ترتطم القوانين التنظيمية الجديدة كذلك بمبدأ المحاكمة العادلة، الذي أسس له الدستور من خلال العديد من فصوله، فالمادة 95 من القانون التنظيمي لمجلس المستشارين كما تم تعديلها ومثيلتها في القانون التنظيمي لمجلس النواب (96)، وخاصة الفقرة الأخيرة المتعلقة بعدم أهلية أي مترشح تخلف عن إيداع حساب حملته الانتخابية حسب الآجال والكيفيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي للانتخابات التشريعية العامة والجزئية، والانتخابات الجزئية والعامة للجماعات الترابية والغرف المهنية طيلة مدتين انتدابيتين متتاليتين ابتداء من تاريخ صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، (فهذه المادة) تمس في الجوهر بضمانات المحاكمة العادلة، وباستقلال السلطة القضائية. فترتيب جزاء الحرمان من الحقوق السياسية لا يجوز أن يبنى على مجرد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، دون مسطرة قضائية تتوفر فيها كافة شروط المحاكمة العادلة. لقد كان من الأسلم التنصيص أولا على إحالة الملف إما على المحكمة الدستورية لتجريد العضو المنتخب، أو على القضاء الإداري لإصدار حكم ضد المترشح غير المنتخب. وبخصوص القانون التنظيمي لمجلس النواب 04.21 فقد تضمن ثلاث مواد، الأولى والثانية تتعلقان بتتميم وتغيير القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب الذي سبق للمحكمة الدستورية أن راقبت دستوريته، ولكن المادة الثالثة هي مادة منشأة لقانون تنظيمي جديد مستقل عن القانون التنظيمي المشار إليه في الفصل 63 من الدستور، حيث سنكون هنا بصدد قانونين تنظيميين لتفعيل مقتضى دستوري وارد في فصل واحد من الدستور. ومن جهة أخرى فمضمون هذه المادة الثالثة يتعلق بمنع ترشح المنتخبين السابقين برسم دائرة انتخابية وطنية في القانون المنسوخ برسم دوائر الترشيح الجهوية، وهو المنع المخالف لمبدأ عدم رجعية القانون، فالأشخاص الذين سبق انتخابهم في تلك الدائرة الوطنية لم يكن في علمهم عند ترشيحهم أن القانون سيحدث دائرة جهوية، وأن ترشيحهم برسم الدوائر الوطنية سيحرمهم من الترشح داخل دوائر جهوية. القاسم الانتخابي أو التشريع على المقاس أما ما ذهب إليه المشرع في موضوع القاسم الانتخابي لمجلس النواب فبغض النظر عن مخالفته لمبدأ التمثيل النزيه للأمة عبر الانتخاب، وللمبادئ الدستورية المنظمة للانتخابات، وخاصة ما ورد في الفصل 11 من الدستور، الذي يعتبر أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. فالانتخابات هنا تتعلق بفعل الترشيح والتصويت ولا تتعلق بمجرد التسجيل في اللوائح، وتحصين القواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، التي يعاقب القانون على الاخلال بها، وتوجيه السلطات العمومية الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين في الانتخابات؛ كلها مبادئ تتعلق مركزية مفاهيم الاقتراع والانتخاب في عملية اختيار ممثلي الأمة. فالانتخابات لا تشمل فقط التصويت ولكنها تشمل كذلك أنظمة تحويل الأصوات إلى مقاعد يشغلها ممثلو الأمة، ونزاهة الانتخابات ترتبط بسلامة عمليات التصويت من جهة، حيث يعبر الناخبون عن إرادتهم الحرة، وتشمل نظام تحويل الأصوات إلى مقاعد بما لا يعاقب القوى السياسية الكبيرة التي تحظى بثقة الناخبين، ولا يحرم التشكيلات السياسية الضعيفة من المشاركة المتناسبة مع ما يمنحه لها الناخبون من أصوات. وحيث إن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية يخالف قاعدة أن نتائج الاقتراع ترتبط بتمثيل إرادة الناخبين، إذ سيؤدي القاسم الجديد الذي لا تعتمده أي دولة ديمقراطية في العالم إلى توزيع المقاعد بطريقة ينتفي فيها التناسب بين الأصوات التي عبر عنها الناخبون أثناء الاقتراع السري وعدد المقاعد المحصل عليها من طرف لوائح الترشيح، إذ إن الامتناع عن التصويت فعل لا يعاقب عليه القانون، كما أن وجود ملايين المسجلين خارج التراب الوطني يجعل تصويتهم مكلفا وغير مجاني، ولا يستقيم إجبارهم على التصويت بالوكالة. وبالنظر إلى التطور التاريخي لنسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية المغربية، حيث تتراوح بين الثلث والنصف، وحيث إن القاسم الانتخابي هو التعبير عن المقعد البرلماني المستحق فعلا، واللجوء إلى تقنيات أكبر بقية أو المعدل الأقوى وما شابهها إنما هي تقنيات وآليات لتوزيع المقاعد المتبقية حرصا على حماية التعبيرات السياسية الضعيفة، فاعتماد القاسم على هذه الصيغة الجديدة سيؤدي لا محالة في جميع الأحوال إلى عدم حصول أي لائحة ترشيحات على مقعد بالقاسم، وهو ما سيؤدي إلى توزيع كل المقاعد باعتبارها مقاعد متبقية، كما يمكن أن يؤدي إلى بقاء مقاعد لا يمكن توزيعها في الحالات التي تتقدم فيها لوائح ترشيح أقل من عدد المقاعد، وهو ما لا يستقيم أن يتركه المشرع باعتبار قواعد التصويت من قواعد النظام العام التي لا يجوز فيها الإغفال، وأن مراقبة دستورية قواعد التصويت تنصرف كذلك إلى مراقبة السلامة المنطقية والحسابية للنماذج الرياضية المختارة من طرف المشرع لاحتساب الأصوات ولتحويلها إلى مقاعد يشغلها ممثلو الأمة. القاسم الانتخابي على أساس المسجلين يتنافى مع المبادئ الدستورية المتعلقة بتمثيل نزيه للأمة، ويتنافى مع ما سبق للقضاء الدستوري نفسه أن قرره في تعريف القاسم الانتخابي بموجب قراره رقم 760.09، إذ جاء فيه أن القاسم الانتخابي يستخرج من قسمة مجموع عدد الأصوات المعبر عنها التي حصلت عليها اللوائح المرشحة الحائزة على نسبة 6 % أو أكثر من الأصوات دون سواها على عدد المقاعد المخصصة للدائرة. ويتنافى القاسم الانتخابي أيضا مع جاء في المادة الأولى من القانون التنظيمي لمجلس النواب، التي نصت على مبدأ الاقتراع العام ومبدأ الانتخاب بالتمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي. فتنصيص المادة على مبدأ الاقتراع والانتخاب وعلى مفهوم الاصوات يؤكد أن المشرع يروم ربط نتائج الانتخابات بالفعل الإيجابي المتمثل في الاقتراع والتصويت، وليس بالتسجيل الذي يمارسه الفرد مرة واحدة في حياته ويستمر مسجلا في اللوائح الانتخابية. كما أن نص القانون التنظيمي في مادته 79 على أنه لا تعتبر الأوراق الملغاة في نتائج الاقتراع، وهو ما يؤكد أن القانون التنظيمي يهدف إلى حماية التعبير عن الإرادة الحرة للناخبين وضمان جديتهم وعدم المساس بها من خلال احتساب أصوات مشوبة بعلة الإلغاء في نتائج الاقتراع، فهل يستقيم ألا تحتسب أصوات الناخبين الذين ارتكبوا أخطاء تؤدي إلى إلغائها، وتحتسب في المقابل أصوات من لم يحضر إلى مكتب التصويت في نتائج الاقتراع؟. إن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وبدون عتبة معقولة سيؤدي في جميع الأحوال إلى نتائج تتساوى فيها اللوائح التي يمنحها الناخبون ثقتهم بأعداد كبيرة من الأصوات واللوائح التي تحصل على عدد جد محدود من الأصوات، إذ لم يتضمن القانون أي حد أدنى معقول للسماح بالحصول على مقعد برلماني، فهذا النظام قد يفرز مقعدا برلمانيا بعدد أصوات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومقابله مقعد برلماني بالآلاف من الأصوات. إن التناسب بين ما تحصل عليه اللوائح من أصوات وما تناله من مقاعد مبدأ لا يمكن لأي انتخابات نزيهة أن تتجاوزه؛ وهو ما يفسر أن كل الأنظمة الانتخابية النسبية التي تعتمد القاسم الانتخابي في العالم تعتمده على أساس الأصوات الحقيقية. إن إقرار عتبات دنيا معقولة للمشاركة في توزيع المقاعد شرط أساسي لإفراز مؤسسات تمثيلية حقيقية، فنفس المشرع فرض في مقتضيات أخرى على اللائحة الفريدة والمرشح الفريد الحصول على نسبة خمس الأصوات المسجلة للحصول على المقعد أو المقاعد المخصصة للدائرة. إن اختيار المشرع لمبدأ التمثيل النسبي لا يتعلق بنسبة اللائحة الفائزة إلى باقي اللوائح المتنافسة، ولكنه يتعلق في مختلف أدبيات القضاء والفقه الدستوري بالتناسب بين ما تحصل عليه لوائح الترشيح من أصوات وما تناله هذه اللوائح من مقاعد لتمثيل الأمة. وبموجب الدستور فالانتخابات غايتها تمثيل الأمة بواسطة الإرادة الحرة المعبر عنها من طرف الناخبين، وليس ضمان تمثيلية الأحزاب السياسية في المؤسسات المنتخبة.. هذه التمثيلية التي جعلها المشرع الدستوري نتيجة لمساهمة الأحزاب في تأطير المواطنين وليس نتيجة لمجرد تأسيس الحزب السياسي ومشاركته في الانتخابات، وهو ما بناه الدستور في فصله السابع، فالفرق كبير بين ما أقره هذا الفصل من مساهمة الأحزاب السياسية في التعبير عن إرادة الناخبين، وما جاء به القانون التنظيمي من قاسم انتخابي يجعل صوت الناخبين معبرا عن إرادة الأحزاب السياسية. لقد أقر المشرع ثلاثة إجراءات في هذه القوانين التنظيمية تؤدي متفرقة ومجتمعة إلى عدم إمكان توزيع جميع المقاعد المتنافس حولها على مستوى دائرة انتخابية، ويتعلق الأمر بالقاسم الانتخابي على أساس المسجلين، وحذف عتبات المشاركة في توزيع المقاعد، والسماح بإعادة مشاركة لوائح لا تضم عددا من المترشحين مساويا لعدد المقاعد المتنافس حولها عن طريق سحب ترشيح أي مترشح غير مؤهل وإعادة ترتيب اللائحة تصاعديا.