لم يفلح لحد الآن شباط في دفع ابن كيران للكلام عنه في وسائل الإعلام لا بالخير ولا بالشر، حيث أنه بمجرد أن أصبح أمينا عاما لحزب الاستقلال، قرر الانقلاب على كل ما تم الاتفاق عليه بين مكونات الأغلبية، وخاصة إعادة تقسيم الحقائب الوزارية، والعجيب في الأمر أنه لم يذهب إلى اجتماعات الأغلبية ليعبر عن هذا المطلب، ويتم النظر والحسم فيه بين المتحالفين، بشكل توافقي، وإنما اختار الدخول في حرب كلامية ضد التحالف والحكومة ورئيسها، وحتى الوزراء الاستقلاليين لم يسلموا من لسانه، منذ البداية، فاختار بذلك منطق الضغط ولي الأذرع. بنكيران لم يجب شباط عن هذا المطلب في الصحافة، لا بالسلب ولا بالإيجاب، وكان يقول بأنه رسميا لم يتوصل بأي طلب بخصوص التعديل الحكومي، وأن مكانه الطبيعي هو اجتماعات الأغلبية وليس الساحة الإعلامية، إلا أن شباط ظل يقاطع اجتماعات الأغلبية ويطلق التصريحات، لكن دون جدوى، ابن كيران يتكلم عن كل شي إلا عن شباط. تكلم حتى عن الطبالة والغياطة، لكن اسم شباط لم يحظ بأي كلمة من رئيس الحكومة. في الأخير لم يجد أمامه إلا أن يضع حدا لمشاغباته، ويدخل بيت الطاعة، ويذهب للجلوس مع غريمه في اجتماع الأغلبية، ليعبر له عن مطلبه ورغبته في التعديل الحكومي، فطلب منه ابن كيران كتابة مطالبه في ورقة. شباط اعتكف مدة على إعداد مذكرة لخص فيها مطالبه، لكنه إلى جانب المطالب وضع ما سماه تقييما لأداء الحكومة، فلم يترك نقيصة ولا سلبية إلا وألصقها بها وبرئيسها، ثم ما أن سلمها لرئيس التحالف، حتى ذهب مباشرة لمقر حزبه وعقد ندوة صحافية كال فيها جميع أنواع التهم والنقد اللاذع لبن كيران وحكومته، لقد عاد إلى سيرته الأولى، وأعلن عن إطلاق جولة جديدة من حرب التشهير والتشويش وإطلاق التصريحات المستفزة. ابن كيران الذي جوابه دائما على لسانه ولا ينتقده أحد إلا ويرد له الصاع صاعيين، لا يرد على استفزازات شباط، إلا بالصمت، ولسان حاله يقول "مامسوقش لهاد السوق"، لأنه لا يريد أن ينصرف عن المعركة الأصلية، وينشغل بمعركة مع أحد الحلفاء، ويعرف أن هناك من ينتظر ذلك ليصوره في صورة من يثير العيب مع الجميع ويهاجم الحلفاء قبل الخصوم، لذلك فهو يختار من يرد عليه ومن لايرد عليه، أما شباط ما دام أمينا عاما لحزب حليف داخل الحكومة فيعزف له على إيقاع الأغنية الشعبية "أمالو العيب جا منو". شباط لا تعجبه هذه الأغنية ولا إيقاعاتها، وإنما تعجبه إيقاعات البارود والطلقات والدخان في كل اتجاه مع نغمات الطبالة والغياطة، لذلك فقد صوابه، فانتفض وجمع ما استطاع من الناس في فاتح ماي أمام باب الرواح بالرباط، وقام فيهم خطيبا، فأزبد وأرغى، وبلغت درجة الغليان عنده حد تصاعد "الكشاكش والرغاوي"، فقال في حكومة ابن كيران ما لم يقله مالك في الخمر، بل اتهم نصف وزرائها بالسكر، فلم يترك شيئا تذكره إلا قاله لعله يخرج ابن كيران عن صمته، لكن دون جدوى. في اجتماع الأغلبية ذهب شباط منتفخ الأوداج متباهيا بما قاله وفعله في مسيرته "المليونية"، فلم يجد من حلفائه جميعا إلا النقد والتقريع على أسلوبه وطريقته الفجة في التعاطي مع الحلفاء، وطلبوا منه الاعتذار، وأنهم لن يناقشوا معه أي شيء حتى يعتذر، وفي نفس الوقت امتنعوا عن أي تصريح ضده. شباط جن جنونه وطار عقله، فبدل أن يعتذر لحلفائه زاد في التصعيد وتحداهم بأن يذهبوا إلى القضاء، لا يريد أن يوقف حربه الكلامية، ويجلس إلى طاولة الحوار والمفاوضات، يريد أن يحصل على مطالبه تحت الضغط والقصف والتهديد والوعيد، فذهب يخرج ما تبقى من أوراقه بأن جمع مجلسه الوطني ليهدد بالانسحاب من الحكومة، وبأنه سينسف المعبد على من فيه كما يتصور، ورغم ذلك لم ينجح في إخراج ابن كيران من صمته، ولسان حاله يقول والله لو خرجت من جلد ما أجبتك. وقد ذكرني هذا شخصيا بتلك الحكاية التي رواها الجاحظ، عن ذلك الرجل الذي بادر من ظن أنه صديقه القديم فانكب عليه يحتضنه ويقبله على نهج الصديق المشتاق، فلم يبد صاحبه أي إشارة تشير إلى أنه قد عرفه، فخلع عمامته، لكن دون جدوى، ثم قلنسوته، ثم ملحفته، فلما لم يتبقى سوى الجلباب قال له لا تتعب نفسك، والله لو خرجت من جلدك ما عرفتك. العجيب في الأمر أنه ليس فقط شباط من كان يعاني من صمت ابن كيران، وإنما تبين أن بنشماس الذي لا يتأخر ابن كيران أبدا في الرد عليه، وإسماعه "من المنقي خيارو"، كان ينتظر على أحر من الجمر أي رد فعل من ابن كيران تجاه شباط، ليستمتع بالفرجة وتشجيع الأطراف، لكن صمت ابن كيران أفقده أعصابه فخرج يحتج عليه ويطالبه بأن يقول شيئا لشباط، لكن دون جدوى. فذهب إلى حزبه الأصالة والمعاصرة وجمعهم على عجل فأصدروا بيانا رسميا يطالبون ابن كيران بأن يقول شيئا. ابن كيران لم يتأخر في الرد عليهم جميعا في بلاغ مقتضب جدا، يقول فيه بكل وضوح: "النخال".