لا كلام هذه الأيام إلا على قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بانسحاب معلق من الحكومة في انتظار بث الملك، والأزمة التي وضع فيها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران. والمتتبع للسياق الذي انتخب فيه حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال يدرك جيدا أنه انتخب لتنزيل أجندة معينة، بتعاقدات ومدد زمنية محددة. فبعد انتخابه مباشرة لوح بالتعديل الحكومي كما لو أنه تم انتخابه لهذا الغرض، وبعد عدم تجاوب بن كيران لهذا الطلب الذي حاول شباط أن يستعمل شتى أساليب الضغط من أجل الوصول إليه، بما في ذلك النزول إلى الشارع في فاتح ماي، وإصراره على الجمع بين الصفة النقابية ككاتب عام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب والصفة الحزبية كأمين عام لحزب الاستقلال حتى يجمع أكبر قدر من الحشود والتأييد، فقد عمل شباط في الآونة الأخيرة على تهييج أعضاء حزبه وإعدادهم لاتخاذ القرار، كما عمل على محاولة تشويه بعض أعضاء الحكومة وتبخيس أعمالهم رغم تواجد وزراء حزبه بها. الغريب أن حزب الاستقلال تميز بالتخصص في هذا النوع من الابتزاز السياسي الرخيص، فهو الحزب الوحيد الذي يستطيع معارضة التحالف من الداخل في محاولة لكسب المزيد من الامتيازات والتموقع الجيد، والدافع هنا بلا ريب، هو أن شباط هو الأمين العام الوحيد من بين أمناء التحالف الغير المستوزر، كما أن شباط حاول مرارا تفجير لقاءات التحالف وإظهار عدم انسجام أعضائه الذي على ما يبدو أنه فقد هذا الانسجام بمجرد دخوله إليه. كل هذه الضغوطات لم تؤت أكلها مما اضطر شباط إلى الزيادة في وثيرة الضغط باستصدار قرار المجلس الوطني الذي كان قد عبأ له سلفا، هذا القرار الذي يظهر في ثناياه بشكل واضح غياب الجرأة الكافية عندما جعل شرطا لانسحابه "موافقة الملك"، من أجل استعمال ورقة الملك كورقة ضغط على بن كيران الذي لم ينصع لتعليمات دهاليز الدولة العميقة التي مارست ضغوطها بشتى الوسائل. وهنا يطرح السؤال، لم ضغط الملك على بن كيران بدعوى استقرار البلاد، فعن أي استقرار نبحث؟؟؟ استقرار على حساب إصلاح الوطن واستئصال مصلحيه من أمثال "رباح" و"الوردي" الذين أبانا عن حس عال من المسؤولية والصلاح؟ أم أننا نبحث عن استقرار "متملقي شباط" الذين روجوا لتنصيبه كأمين عام للحزب ويروجون اليوم لقرار الانسحاب. هذا إعلان صريح بتكريس الفساد والاستبداد، و قبول بن كيران بتعديل من هذا النوع هو إعلان صريح عن فشله في محاربة الفساد. وأمام كل هذه الضغوطات والمتغيرات تبقى كل الخيارات متاحة لحزب العدالة والتنمية باستثناء النزول لرغبة شباط، حتى وإن كان هذا الخيار هو خيار المعارضة، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.