اثنتا عشرة دولة إمبريالية كانت حاضرة في مؤتمر الجزيرة الخضراء خلال سنة 1906م، بكل ثقلها من أجل التداول والتفاوض حول تقسيم المغرب، في ما بينها أو الضغط بملف المغرب من أجل حيازة أراض أخرى من الأراضي المستهدفة في العالم آنذاك، والحديث هنا عن دول كانت تعتبر هي الأقوى في زمن الانتقال من عصر الميركنتيلية إلى عصر الثورة الصناعية، حيث كان الهاجس الأكبر عندها جميعا هو توسيع مجال استغلالها للموارد الطبيعية والبشرية المخزونة في البلدان المتخلفة عن ركبها الاقتصادي والسياسي. هكذا كان ينظر الألمان والانجليز والفرنسيون والاسبان والبلاجكة والهولنديون والإيطاليون والبرتغاليون والنمساويون والروس بالإضافة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي قدمت نفسها كملاحظ في المؤتمر، بينما كان المغرب ممثلا برجل معمّر أو كبير في السن لكنه كان معروفا بحكمته وحنكته في تدبير شؤون البلاد بصفته نائبا للسلطان في الشؤون الخارجية إنه المرحوم محمد بن العربي الطريس... كان هذا يقع في عهد السلطان "مولاي عبد العزيز" عندما كان المغرب يعاني من التدهور الاقتصادي وبعض مشارف الفتنة الاجتماعية والسياسية ناهيك عن الاختراقات العسكرية الفرنسية والإسبانية من كل الأطراف وما ترتب عن ذلك من مخلفات اقتصادية.... كل تلك الظروف مهدت لاتفاق الدول على تقسيم المغرب إلى أجزاء متفرقة موزّعة بين فرنسا في وسط المغرب وقلبه وإسبانيا في شماله وبعض الأطراف من جنوبه ومدينة طنجة بينهما وبين الإنجليز، في حين استفادت ألمانيا من تخليها عن كعكة المغرب من خلال دعم الآخرين لها في احتلال المجر وبعض الدول الشرق الأوروبية... هكذا انتهت مخرجات مؤتمر الجزيرة الخضراء وأعدت كل الدول تصريحاتها واتفاقاتها في صياغة البيان الختامي، ثم راحوا يبحثون عن ممثل المغرب لكي يصادق معهم على تلك الورقة غير أنهم لم يجدوا له أثرا في المؤتمر أو لعلهم غفلوا عن لحظة انسحابه، بينما كانوا هم مشغولين باتفاقاتهم ومفاوضاتهم لتوزيع أرض المغرب وخيراته والسيطرة على نوافذه البرية البحرية.. خلاصة القول هي أن اتفاق مؤتمر الجزيرة الخضراء لم يحمل توقيع دولة المغرب، لأن ممثل السلطان المرحوم محمد بن العربي الطريس رفض ذلك تماشيا مع قناعته وإيمانه بالحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد، فالرجل -بغض النظر عن منصبه وامتيازاته- كان وطنيا مثله مثل كل المغاربة الأحرار من قبله وبعده، وخصوصا منهم حفيده الزعيم الاستاذ عبد الخالق الطريس الذي سيلعب دورا أساسيا خلال فترة الاستقلال في الحفاظ على وحدة المغرب ولحمته، رحمهم الله جميعا.