عندما يستعمل المغاربة لفظة "شروط الخزيرات" فإنهم يقصدون الشروط التعجيزية التي يضعها كل متعاقد أمام الآخر، لكن أصل المصطلح قادم من أشهر مؤتمر قرر في مصير المغرب الحديث "مؤتمر الجزيرة الخضراء" 1906، بداية للحملة الكولونيالية الممنهجة التي قادت المغرب إلى الحماية أو الاستعمار. سنة 1894 توفي الحسن الأول السلطان المهيب الجانب، الذي روت الكثير من المصادر أن عرشه كان فوق صهوة فرسه، وأتم الحاجب الشهير أبو أحمد ما بدأه السلطان ذو الشخصية القوية، والذي تمكن من إخفاء بعض من متاعب المملكة الشريفة، وكان المنتظم الدولي المتمثل خصوصا في الدول العظمى ذات الأطماع الكبرى في المغرب، يحاول فرض إصلاحات شاملة بالبلاد، وهو ما كان المغرب التقليدي يرفضه بشكل شديد.. وكان أيضا لهذا الوضع بعد دبلوماسي، إذ انقسم الأوربيون إلى محور ألمانيا ومحور فرنساإنجلترا، فأصبح المغرب قضية يمكن من خلالها جس النبض السياسي والاستراتيجي للدول المتنافسة، فجاء مؤتمر الجزيرة الخضراء، كإجابة على هذا الوضع الذي أصبح يعيشه المغرب المتنازع عليه. إرهاصات المؤتمر سباق المصالح كان العالم يشبه كعكة تتنازعها دولتان عظيمتان متجسدتان في ألمانياوفرنسا، وفي الآن نفسه ألمانيا التي بدأت أيضا مسيرتها في التوسع، فكان أن اتفقت إنجلتراوفرنسا على قطع الطريق على ألمانيا من خلال اتفاق 1904، وحصلت إنجلترا على الحق في دخول مصر والتصرف فيها، وأخذت كل من إسبانياوإنجلترا نصيبهما من المستعمرات، فكان المغرب وألمانيا هما المتضرران من هذا الاتفاق المغرض، وفي القوت نفسه كان لابد من إصلاحات في المملكة، فتم الاتفاق على عقد مؤتمر تحدد فيه الأولويات، وتحدد فيه كل دولة المصير المشترك الذي يجمع بينها وبين باقي الدول في هذه المنطقة المغرية التي تسمى المغرب، وكانت ألمانيا تدعي أنها تتبنى الدفاع عن السلطان وتحاول حفظ حقوق المغاربة. المؤرخ والمفكر عبد الله العروي يلخص السياق السابق لانعقاد المؤتمر كالتالي "..لقد عانت الدول أزمة 1905 قبل أن يعتبر الأوربيون أن مؤتمرا دوليا متحتما على الجميع لتجنب اشتعال الحرب بينهم، وقد أثارت فرنسا هذه الأزمة، إذ كانت تتعجل الاستفادة من الاتفاقيات التي أمضتها مع الأطراف الأخرى، وحرضت (لجنة المغرب) وهي لفيف من الاستعماريين ذوي نفوذ في البرلمان وفي الصحافة الحكومة الفرنسية على العمل، فعزمت هذه الحكومة على وضع المخزن أمام الأمر الواقع.."، لكن ماهو الأمر الواقع، لقد استعمرت فرنسا منطقتي بركان وفكيك سنة 1904، ثم تلزازة والصفصاف سنة 1905، ثم توجتها ببعثة سان روني الشهيرة التي حملت إلى السلطان عبد العزيز رسالة إصلاحات طويلة، فقامت ألمانيا بتكذيب هذه اللجنة أمام السلطان وادعت أنها مفبركة، ولم يكن من السلطان عبد العزيز إلا أن جمع مجلسا للأعيان ولمستشاريه لينظر في أمر الإصلاحات، والتي كانت تضمنت قواعد مالية كإنشاء بنك مركزي وبعض البنيات التحتية، وبعد الكثير من الأخذ والرد مع المجلس والمبعوث الفرنسي، رد المغرب رسميا في ماي 1905 قائلا إن على الدول الممثلة في مؤتمر مدريد أن تجتمع لتخط مسودة الإصلاحات، بل وتشارك في تنفيذها. بعد كل هذه الإرهاصات تمت دعوة ثلاث عشرة دولة من بينها المغرب، وافتتح المؤتمر في يناير ولم تنته أشغاله إلا في أبريل من سنة 1906.. وقد وصف الديبلوماسي والمؤرخ الإنجليزي "هارولد نيكولسون"، ممثل المغرب في مؤتمر الجزيرة الخضراء، الحاج محمد الطريس بأنه رجل يبلغ من العمر ثمانين عاما، ناقما كثيرا وحالته مثيرة للشفقة. ودخل الجميع إلى الجزيرة الخضراء بنوايا متعددة، وكان المغرب الحلقة الأضعف في هذا المؤتمر، واختير وسيطا بين الأطراف الرئيس الأميركي تيودور روزفلت . وكان هذا يعد أول تدخل للولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية على الصعيد العالمي، مؤتمر الجزيرة الخضراء وفي بدايته تم الاعتراف لألمانيا بحق التدخل في الشؤون الخارجية المغربية. ولفرنساوإسبانيا الحصول على امتيازات خاصة في الأعمال التجارية المغربية، لكن خطأ يبلوماسيا وقع من الجانب الألماني جعل الذئب الإنجليزي نيكولسون يقنع الولاياتالمتحدة التي كانت تدعم ألمانيا بعدم جدوى المقترح الألماني، وتوفق في عزل ألمانيا التي كانت تريد فصل فرنسا عن إنجلترا، وتوالت الأحداث التي تصب في مصلحة فرنساوإنجلترا على حساب الألمان. التناحر حول القرارات كان الداهية الإنجليزي "هارولد نيكولسون" بالمرصاد لكل مقترحات الجانب الألماني، فحول مسار كل هذه الاستراتيجيات الإمبراطورية البروسية، في اتجاه فرنساوإنجلترا، ومن ذلك أن طلب جعل الأمن بيد السلطان المغربي كما تقدمت به ألمانيا كان في نظر نيكولسون مستحيلا من الناحية الواقعية، ما لم تقم به قوات وضباط فرنسيون بدعوى معرفتهم بشمال إفريقيا وشعوبها من خلال استعمارهم للجزائر، كما أن ما كان ظاهريا يبدو أنه سيحقق نموا للمغرب لم يكن سوى تمهيدا للاستعمار، حين أقرت الشروط الموقعة في المؤتمر، أن المغرب سيسمح لجميع الدول أن تمارس النشاط التجاري والاقتصادي دون استثناء أو تمييز، وألقى رئيس المؤتمر الدوق (المودوفار) خطابا بين فيه المبادئ التي يقوم عليها المؤتمر وهي ثلاثة: سيادة السلطان والوحدة الترابية لبلاده والتساوي في التعامل بين الدول من الناحية التجارية، والمعبر عنه بالباب المفتوح. وكان النائب السلطاني "الحاج محمد العربي الطريس"، قد لقي عدة صعوبات خلال المؤتمر، أهمها مشكلة الترجمة التي قال بشأنها الحاج محمد المقري أحد أعضاء الوفد: " إننا جالسون هنا شبه تماثيل، لا نستطيع أن نفهم شيئا مما يقال ". وبالرغم من أن بعض المترجمين كانوا مع الوفد المغربي، وأن ألمانيا جاءت بمترجم مغربي من معهد الدراسات الشرقية ببرلين حيث كان يعمل، إلا أنه لم تكن هناك ترجمة فورية، واضطر الوفد إلى استعمال ترجمان المفوضية الفرنسية، المدعو بن غبريط، الذي ينفذ أوامر الحكومة الفرنسية. الباحث بازغ عبد الصمد يقول "..ومن المشاكل الكبرى أيضا التي كانت تقض مضجع الوفد المغربي في المؤتمر صعوبة الاتصال بالسلطان الذي كان لابد من إطلاعه على كل كبيرة وصغيرة مما يجري في المؤتمر، ولا يمكن اتخاذ أي قرار بنفي أو إثبات، قبول أو اعتراض، إلا طبق تعليماته وما يأذن به. فممثلو الدول الأوربية والأمريكية كانوا يستطيعون الاتصال بعواصم بلدانهم لاستشارة حكوماتهم بسهولة، أما فاس عاصمة المملكة فلم يكن بها تلفون ولا تلغراف ولا تفضي إليها سكك حديدية ولا طرق سيارة معبدة، تمكن من إطلاع السلطان في قصره على مداولات المؤتمر." وفي نهاية المؤتمر كانت المقررات النهائية لمؤتمر الجزيرة الخضراء الموقعة في 7 أبريل 1906، تهم تنظيم شرطة وجمارك المغرب، ومجابهة تهريب السلاح، ومنح امتيازات للبنوك الأوربية من بنك المغرب الحكومي المُنشأ حديثاً، وفيه مديرون تعينهم البنوك الوطنية الضامنة للقروض في الإمبراطورية الألمانية والمملكة المتحدةوفرنساوإسبانيا. وأقر استمرار تداول العملات الإسبانية في المغرب. كما أسس حق الأوربيين في تملك الأراضي بالمغرب. وأقر فرض الضرائب لفائدة القنصليات الأجنبية، لتمويل المشاريع العامة. لكن المندوب المغربي "محمد الطريس" الذي كان محط استهزاء ممثلي الوفود الحاضرة كما وصف ذلك المفكر عبد الله العروي، فاجأ الجميع في اللحظة الأخيرة حين رفض التوقيع على كل هذه المقررات، لما وجد فيها من إهانة للإيالة الشريفة، ودفعت فرنساوإنجلترا بكل ثقلها، وضغطت على السلطان عبد العزيز ليضطر في يونيو من السنة نفسها إلى التوقيع على "شروط الخزيرات". حقيقة المؤتمر تنكشف بعد التوقيع عليه في 29 مارس 1907، أي بعد حوالي سنة من هذا المؤتمر، ستحتل فرنساوجدة، وفي 5 غشت 1907 ستغزو مدينة الدارالبيضاء. وكانت مبررات فرنسا أن اجتياح وجدة تم بسبب مقتل طبيب فرنسي في مراكش، وأن احتلال الدارالبيضاء جاء بعد احتجاج السكان على تمرير خط للسكك الحديدية، مما أدى إلى مقتل العشرات من السكان بفعل القصف المدفعي الفرنسي. وفي فبراير 1907 تحركت إسبانيا، التي كانت تطمع باستمرار في احتلال شمال المغرب، واستولت على المناطق المحيطة بمدينة مليلية، من بينها راس كبدانة، أو راس الما. بعد احتلال الدارالبيضاء بحوالي عشرة أيام أفتى علماء فاس بعزل السلطان مولاي عبد العزيز الموقع على شروط الخزيرات، وبويع مولاي عبد الحفيظ الموقع على اتفاقية الحماية.