لم تعد الطفولة مقدسة في موطني ،و لم يعد الوجه البريء و الضحكة الصادقة و الإحساس الطاهر يستطيع المثول أمام أشباه الرجال من الذئاب، لم تعد أزقة الحي و لا استراحة بساحة المدرسة مكان آمن تنثر به البرائة معلنة عن حب الحياة و رغبة الحفاظ على مرحلة الطفولة ملفوفة بصدق المشاعر، وطهر الوجدان دون تكلف أو حقد، لم يعد كل هذا مباحا في أروع مراحل الحياة بل أصبح حق التمتع به إ رسالا لأحضان المفترسين من أبناء الوطن. فقد تعب بقايا الرجال من الركود وراء اللواتي يسدلن شعرهن، يلقين بأنوثة ملوثة على كل مترصد من أنصاف الذكور لإعداد المواعيد على ضوء شموع الندم الحارق و الأحلام المرشوشة ببندق انتهت صلاحيته و أصبح يغري لا أقل ولا أكثر، قد تعبوا من علاقات ليست سوى سطوة للمال لأجل ليالي حمراء تنتهي بإنتهاء الليل المغري، و إن استمرت لأيام لن تكون سوى سموم تمزق الأعماق وتدنس بذلك مجتمعا كاملا، ليديروا عندها بوصلتهم في إتجاه إنتهاك البراءة دون مال و لا إغراء، فقطعة حلوى تكفي لقضاء غرض ملوث إن كان الطفل إبن الحي أو المنطقة أو أحد المارة ، أما إ ن كان الضحية من المحارم فالمسألة لا تحتاج سوى طبطبة على كتف أو حلقة من سلسلة المحقق كونان على الشاشة الصغيرة في غياب الباقي من الأسرة. أصبح اليوم الإغتصاب و للأسف ظاهرة مفجعة لا يجب السكوت عنها، لأنها جريمة في حق الإنسانية و غض الطرف عنها جريمة أكبر، فقديما كان الطفل المشرد مشروع اغتصاب نتاجا للفقر و الجهل المتفشيان في موطننا أما اليوم فالكل مهدد، لكونها أضحت حصادا لإنتشار الفساد و الإذاعات الإبحاية وغياب الوازع الأخلاقي ليفرغ الشواذ بذلك هوسهم في الأطفال لصمتهم خوفا او جهلا لما يحدث لهم ، أما إن أدرك الطفل ما يمارس عليه من القذارة فسنخسر عندها ضحكة صادقة تتحول لمرض نفسي، ففشل في الحياة ثم رغبة في الانتقام، لنحصل عندها على ذئب جديد في المجتمع خريج من كلية القهر و الانتهاك بامتياز. أما ما يزعزع الوجدان و يبث الاشمئزاز في النفوس ،وجود الديوثيين و أصحاب الضمائر الميتة الذين اتخذوا من أبنائهم ومحارمهم دمية لإفراغ المكبوتات، فكيف يعز على الأب اغتصاب ابنته، و على العم اغتصاب ابنة أخيه، و على الأخ اغتصاب أخته ،و على الخال اغتصاب ابنة أخته، و على الجار انتهاك سنين الجورة ووو،،، القائمة طويلة وكبيرة و الجرح عميق ، فكيف لهاته البنات العيش إن كان السند بالحياة قد قتل معنى الحياة، كيف لهن مواجهة مجتمع لا يرحم و لا يشفع ،يخاف الناس أكثر من رب الناس، فنحن مجتمع الشعارات و الأقاويل و المظاهرات و إنتاج الاقتراحات بالبرامج التلفزية بإمتياز، ففكرة الزواج من إحداهن لا مكان لها في أدمغة شبابنا، لأنهم وضعوها في اللائحة السوداء ،غير أبهين بما وقع و أنه لم يكن اختيارا بل إقتناصا من ذئب على جحر أرنب. يحزنني حقا وضع وطني فمنذ الطفولة إنقلبت الدائرة الهندسية و أصبح الفرح كتلة تأتي لاحقا خوفا من سكتة قلبية او جلطة دماغية، أصبحت الحياة تنهيدة مرهقة من معتقل السكوت، ففي صغري لا أنسى يوم خبر اغتصاب وقتل لبنى إبنة الحي المجاور، الطفلة الوديعة ذات الضحكة البريئة، فانهمرت دموعي عندها و أصبح الخوف الإحساس الوحيد المباح به، لم أكن أعرف وقتها شيئا لكنني صرخت بأعلى صوتي و رددت بكل قوة :"و إذا لبنى سئلت بأي ذنب قتلت"، أتذكر الحدث و كأنه وقع اليوم، لم يمحى من ذاكرتي لكنه أصبح يعاد كل مرة كعادة يومية ألفناها، عادة لكن مع إختلاف الابطال والزمان و المكان. و ما يزرع الأ سف و الأسى هو قانون تزويج القاصر من مغتصبها، إصلاح جريمة بجريمة أكبر، لتطبيق قانون التكتم في العائلات،دون إن ندرك أننا بهذا القانون نكرم الجاني ونحكم على المجني عليها باغتصاب نفسي أكبر من جسدي، فكيف يمكن توقيع عهد ينص على الحب و التضحية و الحياة الآمنة على ذكر لا يراها سوى فريسة إنتهى منها لتبقى بقاياها أمامه جاهلا بما يفعله بها بعد الشبع، قانون لا يزيد الوضع سوى خرابا ،فقد كان الأحرى بهم تطبيق حكم الاعدام، أو الرجم حتى الموت، لكي لا يطمع الباقي في الآتي، و لكي لا تكون الضحية أمام حل وحيد هو الانتحار. رغم هذا يبقى السؤال المطروح الى يومنا هذا من المسؤول؟؟