من هنا يبدأ الإنصاف والمصالحة: تفعيل الغرفة الثالثة في السياسة تدخل العالم الآخر من الحياة، و في عمقها تترنح الأشياء مستعصية عن الوصف، مانعة عنك استكناه دلالاتها، فتنقلك إلى فن السّفالة الأنيق،ولغة الخداع التي ترسو على شاطئ أتون أفكار الانتماء والإيديولوجيات التي تخرجت من بقاع شتى. "" يحولك الاغتراب والتشيؤ إلى البحث في أبجديات السنديان، وتعلم لهجة السّلاقة، وآخرون يعتنقون داء السّْكات والصمت. وحيث الكذب يكون جسرا مهما لنجاة بائسة. إذ لا مفر من سبر أغواره. في لحظة أ تكلم لغة الصراحة، لا أعثر عن تأويل لها إلا في قاموس المناطقة. وتضيع الحقيقة عندما أطرق باب قضاة العولمة. سأدخل إليكم من حيث عتبات النص تسمح بانسياب عطر النعناع وزهو الخزامى ورائحة البنفسج المحرمة على ساكنة" الغرفة الثالثة". أنا لا أ تحدث عن هدير الرياح الهوجاء، ولا عن هزيم الرعد، ولا أنشر اليأس ، ولا أقطن فيلات الرياض، ولا عمارات أكدال الفخمة، ورصيدي في البنك مجهول الرقم،ولم أقف قط عند شباك سحب النقود. ولا يستهويني، أن أتقاضى راتبا كبيرا، ولا أن أركب سيارات آخر موديل. تلك أمانيهم ومبتغياتهم ، أما أنا فافترشت، الأرض وعشبها سكنا، وسكنت مؤقتا في أرقى شوارع العاصمة ازدحاما. زادي دفاتر أفكاري، وجموح خيالي واستعاراتي. وطقوسي صوفية فقراء الوطن، التي نرفعها كلما ضاقت بنا سعة شارع البرلمان ، وبلغت أزمتنا حد اليأس، أو كلما نقل أحدنا إلى قسم المستعجلات بابن سينا. ويغمرنا البكاء و يشتد الحزن، وتتكاثر الآهات، فتسيل الدماء ، وتكثر الهموم والأشجان، ولا نجد غير رقصة الفوز" هز كْدم وحط كْدم الشوارع عامرة بالهم، هما يْكولو هزمونا وحنا نكولو انتصرنا". تتطاير الكلمات من أفواهنا معلنة رفضها لأصوات السياسة البالية التي زاغت عن سكة الحقيقة ، واغترفت من خطب الحجاج وزعماء الخوارج. وأرقام لست أدري أي كوكب يمكن أن يحتضنها، ربما يفكرون كالغربيين، في غزو الفضاء، لا بل الإقامة فيه. صحيح هم زاروا المريخ وغيره، لكن سياسيينا ومنتخبينا يعيشون في فضاء معزول عنا، همّهم الوحيد هو آخر الشهر للحصول على راتب الثلاثة ملايين وزيادة. وعلمنا أنهم رفعوا "ملتمسا لرئيس البرلمان للمطالبة بتخفيض وجبة الغذاء التي يتناولونها في الغرفتين الأولى والثانية، نظرا للارتفاع المهول للأسعار." فقد صدقت نبوءة أحد الساسة لجريد وطنية منذ سنوات عندما نظّر قائلا بأن"دور مجلس المستشارين في عمقه جد مصيري، ومن شأن وجوده أن يساهم في ضمان التوازنات السياسية والحيلولة دون الوقوع في شباك تطرف حزب أو تيار سياسي معين، أو سيطرة جهة معينة علي تسيير الشأن العام في المغرب". وغفل أن يشير كيف يمكن لهذا المجلس الموقر، أن يساهم في ضمان التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. ونسي كذلك، أن من الميزانية التي يتقاضاها أعضاؤه 270، تساوي الملايين، والكثير من أعضاء الغرفتين، لا يحضرون لتأدية واجبهم ولا يكلفون أنفسهم عناء السفر للرباط. " ما عندهم ما يعيطو باغيين غير ياخدو". ولست أدري لماذا يكلف ا لسادة الأساتذة في المؤسسات التعليمية، أنفسهم عناء تسجيل الحضور والغياب يوميا،و يطالبون التلاميذ بإحضار ورقة تبرير الغياب،ما دام ممثلو الأمة، لا يؤدونها. نسيت بأنه لا يوجد حارسا عاما للداخلية. غرفتان متجاورتان ، لا يحضر جلساتها إلا القليل، وبجانبهم اجتمع العشرات من الأطر العليا المعطلة، يحضرون يوميا، وبانتظام، لهم قانونهم التنظيمي وجموعهم العامة، وهم على أتم الاستعداد، ليعوضوا أعضاء غرف كسولة وفي العديد من المجالات، لا تقوم بواجبها، وتتنصل من مسؤولياتها. جمعهم - رغم اختلاف توجهاتهم- حب الوطن والرغبة في ا لعيش الكريم تحت سمائه. ولهم من ا لكفاءة والقدرة المعرفية، مايمكّنهم من المساهمة في التنمية، وخدمة الوطن بكل مسؤولية،وبدون استهتار ولا تنصل من المسؤولية. غرفة ثالثة ، تنتظر تفعيلها، بدل أعضاء غرف يكلفون ميزانية الدولة الملايين، ولا يقومون بواجبهم وتعويضات سخية، ومعطلون مقصيون مهمشون. يستمر التناقض،تستمر المفارقات العجيبة، لكن يبقى السؤل مشروعا، في انتظار إجابة حقيقية: متى يرفع الحيف عن مناضلي الغرفة الثالثة يا ساسة؟. [email protected]