صديقي القادم من بلاد أوربية متقدمة جدا على صعيد التنمية البشرية كما تقول بذلك تقارير الأممالمتحدة، لم يجد يوما من أجل زيارتي بالرباط، سوى فاتح ماي لهذه السنة، ونظرا لضرورة تغطيتي كصحافي لمظاهرات الشغيلة المغربية في عيدها السنوي، فقد كان لزاما علي أن أصطحب صديقي إلى مركز الرباط، هناك حيث يتظاهر شباط والعثماني والمعطلون والنقابيون والعمال وآخرون ! مسيرة للاتحاد الوطني للشغل، أغلب الوجوه التي تتقدم المسيرة معروفة للمغاربة: سعد الدين العثماني وزير الخارجية والأمين العام السابق لحزب المصباح، بالقرب منه، عبد العالي حامي الدين، رئيس المجلس الوطني للحزب ذاته، يصرخون مع رفاقهم:" رابع مطلب يا مسؤول..سيادة حقيقية"، سألني صديقي من هم هؤلاء الذين تحرص كاميرات الصحافة على التقاط صورهم، أخبرته بمهامهم، استغرب كثيرا ليتساءل: "ألا ينتمون إلى نفس الحكومة وزعيم حزبهم هو رئيسها، والمعروف أن من يترأس الحكومة هو المسؤول، فمن هو المسؤول الذي يتوجهون إليه بالكلام؟"، بعد لحظات بدأ شعار آخر، "الشعب يريد إسقاط الفساد" ليستغرب مرة أخرى: "أليست للحكومة في بلدكم القدرة على إسقاط الفساد عوض المطالبة بذلك وترديد ما يُفترض بالشعب أن يردده؟"، لم أعرف كيف أجيبه غير إيماءة بتغيير الاتجاه نحو مسيرة أخرى. بعض المعطلين يصرون على اقتحام مسيرة الاتحاد الوطني للشغل، يرمون الحكومة بشعارات الفشل والعجز، سألني من هؤلاء، فأجبته أنهم يعانون من البطالة ويحتجون على الحكومة لأنها لم تضمن لهم وظائف رسمية في القطاع العمومي، سألني مرة أخرى: "هل يتقدمون إلى المباريات التي تُخول لهم هذا الحق؟ وهل يشترطون العمل كذلك في القطاع الخاص؟"، رددت عليه بالنفي، ليتساءل:" حتى في بلادي، لا يوجد هناك شيء اسمه التوظيف المباشر، وجميع وظائف الدولة تمر عبر الانتقاء والاختبار، كما أن هناك طبقة كبيرة من أبناء شعبنا اختاروا التوجه نحو القطاع الخاص" أردت إفهامه أن التعليم المغربي فاشل ولا يقدم المهارات اللازمة للاشتغال بهذا القطاع أو فتح مشاريع معينة، لكنني تذكرت كيف أن الكثير من النماذج التي أعرفها والتي حققت نجاحا باهرا في مقاولات خاصة رغم تضررها من التعليم ذاته، فصمتت، لننتقل إلى مسيرة أخرى. مسيرة حاشدة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، شباط يخطب في الجموع المتخشعة في رهبة وسكينة، ينتقد قرارات بنكيران ويصفها بغير الشعبية، ويردد أن الشيء الوحيد الذي يجمع الأحزاب المغربية فيما بينها هو التوحد على كلمة " لا إله إلا الله محمد رسول الله"، صديقي يتساءل من هو هذا الزعيم المُرعِب الذي تنهال عليه التصفيقات من كل حدب وصوب، أجبته بأنه الأمين العام لحزب الاستقلال، أي الحزب الذي يتواجد مع العدالة والتنمية في التحالف الحكومي، استغرب كثيرا للأمر، "كيف يُعقل أن ينتقد زعيم زعيما آخر أمام الملأ وهما متحالفان في حكومة واحدة، أليس هذا هو دور المعارضة بينما يتم النقاش بين خلافات التحالف في السر وليس في العلن؟، وكيف يُعقل أن تكون شهادة تُوحد بين المسلمين هي من تُوحد بين الأحزاب؟ أليست الأحزاب تنظيما سياسيا وظيفته تقديم البرامج وليس الشهادة بالله ورسوله"؟ انتقلنا إلى مسيرة أخرى لنقابة أخرى، لم أعرف متى تشكلت ولا من هو زعيمها، بين أولئك المطالبين بالكرامة للعمال، كان هناك رجل أعرفه حق المعرفة، واحد من أكبر رجال الإقطاع الذين انتهكوا حقوق شغيلتهم واستغلوا فقرهم لإذلالهم من أجل دريهمات معدودة، هو الآخر كان في مقدمة المسيرة يُهَمْهِم ويردد شعارات يطلقها بوق من وراءه، أخبرت صديقي بقصة هذا الرجل مع عماله، غير أنه لم يستغرب هذه المرة، بل ترك ابتسامة تلتهم نصف وجهه وهو يتمتم: "الآن فقط..عرفت لماذا تَعتبرون بلدكم استثناءً حقيقيا بين جميع البلدان! " [email protected] http://www.facebook.com/ismailoazzam