في كل حلقة من حلقات الصراع الدائر بين (الإسلاميين) والعلمانيين؛ نلاحظ أن الفصيل الاستئصالي العلماني ينهج طريقة في إدارته للصراع لا يحيد عنها؛ فبموازاة هجومه اللامتناهي على ثوابت الأمة ودينها وأعلامها ورموزها؛ وسعيه إلى تدنيس المقدس؛ ورفع القدسية عن الوحي؛ وإبعاد الدين عن كافة مناحي الحياة؛ وفي حالة الاعتراض على هذه الهجمات والطعون من بعض العلماء أو الجمعيات أو الفعاليات أو المنابر الإعلامية؛ يلجأ الفصيل الاستئصالي كعادته إلى تحريف النقاش عن مساره؛ وتزيف الحق؛ وجرِّ الرأي العام الوطني إلى نقاش جانبي ووهمي؛ يصير فيه المجرم هو الضحية؛ والضحية هو الجاني. وذلك بحصر الصراع أولا مع السلفيين؛ باعتبارهم متشددين يعمدون إلى قراءة متطرفة للنص الديني؛ كما يسوق في الإعلام الدولي والوطني؛ لا أنهم أصحاب دعوة وسطية تلتزم بالقرآن السنة بفهم سلف الأمة، فكل معترض على طعونات العلمانيين؛ ومقاوم لهجماتهم الموجهة إلى أصول الشريعة، فهو سلفي بما فيهم المجلس العلمي الأعلى (حكم الردة) والأزهر وهيئة كبار العلماء وغيرها من المؤسسات الشرعية الدينية الرسمية. ثم يعمد الفصيل الاستئصالي بعد هذه الخطوة إلى استغلال بعض العبارات أو الألفاظ التي قد تصدر من أي طرف؛ فيحملونها ما لا تحتمل؛ ويركبون عليها للتسويق لموجة واسعة لنبذ دعاوى التكفير؛ والتحريض على العنف والكراهية؛ فيتواروا بذلك خلف غبار هذه الحملة المضللة دون أي تبعات تلحقهم. وليس هذا أمرا سهلا؛ بل هو عمل يتطلب تركيز الجهود وتضافرها؛ بين المؤسسات الإعلامية والجمعيات الحقوقية والأحزاب التي تتبنى التوجه العلماني نفسه. ولنتبين هذا المخطط يكفي أن نسترجع شريط الهجوم الشرس على الشيخ عبد الله نهاري الذي انتقد رئيس تحرير يومية الأحداث المختار لغزيوي بسبب جهره بقبول أن تمارس أمه وأخته وابنته حريتهن -الجنسية- كما يبدو ذلك لهن مناسبا؛ فاتهم الشيخ نهاري بالتحريض على القتل؛ وانهالت عليه الآلة الإعلامية العلمانية بالزور والبهتان والكذب؛ وتبعها على ذلك الجمعيات الحقوقية والأحزاب اليسارية؛ مما شكل ضغطا هائلا على وزارة العدل والحريات دفعها إلى تحريك مسطرة المتابعة في حق الشيخ النهاري فصار نهاري هو المجرم، والمختار لغزيوي هو الضحية المسكين الذي يخشى عليه من قوى الظلام والتطرف! والأمر نفسه وقع مع العديد من العلماء والشخصيات البارزة. واليوم نحن نعيش المسلسل نفسه؛ فبعد أن طعن العلماني المتطرف "أحمد عصيد" صراحة في رسائل النبي صلى الله عليه وسلم ووصفها ب"الإرهابية"؛ وقال بعد ذلك متهكما: "انظروا إلى النبي كيف تعامل مع ملوك ذلك الزمان وكذا؛ هذا شيء غير مشرف وهو موجود في منظومتنا التربوية"، يسعى الفصيل الاستئصالي إلى البحث عن صاحب غيرة من صفوف المسلمين؛ قد يتفوه بكلمة يمكنهم إدانته بها؛ وتحريف النقاش من جديد عن مساره. فلم يجدوا من صرَّح بتكفير عصيد أو حرض ضده؛ غير عبارة للشيخ حسن الكتاني وصف فيها عصيد بالحقير وعدو الله؛ فدقُّوا لها طبول الحرب؛ وجعلوها عبارة كافية لإدانته وتبرئة عصيد "المفكر الكبير"! و"الحقوقي المناضل"! الذي أصبح يخشى على سلامته الجسدية من المتزمتين! وصار (ذنب عصيد -الوحيد- هو الدفاع عن حرية المعتقد والعمل من أجل إغناء النقاش العمومي حول موضوع حقوق الإنسان ودولة المؤسسات). وطالب الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان -كما كان متوقعا- السلطات الحكومية بالتدخل لوضع حد لكل فتاوى التكفير والتحريض على القتل والكراهية مهما كانت الجهات التي أصدرتها؛ وقالت خديجة الرياضي منسقة الائتلاف إن ما عبر عنه عصيد خلال الندوة الفكرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في 19 أبريل الجاري من تخوفه أن تنسحب المناهج التعليمية من نشر العنف والكراهية داخل المجتمع تحقق على أرض الواقع؛ بعد تكفيره وتهديده في سلامته البدنية من التيارات المتزمتة؛ التي تستغل تدني الوعي والأمية لنشر الكراهية والتحريض على القتل؛ حسب ادعائها. الصباح ع:4054؛ 27-28/04/2013. وأعربت حركة (اليقظة النائمة)، عن قلقها حيالَ ما اعتبرتهَا هجمات تحريضية عمياء ضد الباحث أحمد عصيد، العضو فِي الحركة، مدينةً مَا قالت إنها حملات تكفيرية يقودها بعض شيوخ السلفية؛ ودعت اليقظة المواطنة كلا من الأصوات المكفرة لعصيد وأجهزة الدولة إلى تحمل مسؤوليتهما كاملة. واتهم الشيخ الفزازي كحال الشيخ حسن الكتاني بتكفير عصيد؛ لمجرد أن اعتبر كلامه كلاما خطيرا؛ علما أن الشيخ الفزازي قد قَطعَ دابر كل احتمال وصرح بكل وضوح: (نحن لن نقبل إلا بالاحتكام إلى القضاء)؛ وطالب بنبذ العنف والتوجه مباشرة إلى القضاء؛ ورفع دعاوى قضائية ضد من يطعنون في الدين الإسلامي للمغرب ليل نهار؛ وأكد على (ضرورة فتح الحوار مع العلمانيين بالإقناع والدليل والحجة؛ وبوسائل الترغيب والتشويق؛ بعيدا عن التشدد والقوة؛ رغم أن هذه الفئة لم يعد لها من خيار بعدما ثبت فشل فكرها؛ سوى اعتبار أهل الإسلام بأنهم وحوش وقتلة ومصاصو دماء). المساء 25/04/2013. إلا أن كل ذلك لم يشفع له ولا للشيخ حسن الكتاني الذي دعا هو الآخر إلى الالتجاء إلى القضاء وسلوك كل السبل القانونية لإدانة عصيد، فقد استمرت الترسانة العلمانية في لعبتها القذرة؛ لأنها وبكل تأكيد لا تملك غيرها. وبعيدا عن كل تشويش أو تضليل؛ يضل موضوع النقاش الدائر اليوم حول كلام عصيد بخصوص رسائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم -الذي يستنكف في كل مناسبة عصيد من الصلاة عليه ويدعوه بكل جفاء النبي محمد أو محمد- واضحا وطعنه بيِّن لا يحتاج في فهمه إلى تعسف أو تأويل؛ كما فعل غير واحد من المتدخلين. ويبقى هؤلاء العلمانيين المساكين يعيشون في عالم افتراضي خاص بهم؛ يتخيلون أنهم يقومون بالدور الذي قام به رواد الحداثة ضد الكنيسة؛ ويعملون جاهدين في تصوير العلماء على أنهم رهبان؛ والعلمانيون حداثيون متنورون..؛ فهم في حقيقة الأمر يعيشون خارج السياق والواقع والتاريخ؛ فالإسلام ليس هو النصرانية أو أي دين آخر؛ فمنذ أن نزل الوحي على نبينا محمد صلى الها عليه وسلم والداخلون في هذا الدين يزيدون ولا ينقصون؛ وها نحن نعيش عصر التسلط العلماني؛ والغربيون الذين رضعوا ألبان العلمانية والحداثة يدخلون في الإسلام أفواجا. فأفيقوا هداكم الله.. [email protected]