خصصت معظم الجرائدالأوربية صفحاتها الأولى لعملية إلقاء القبض على زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كاراديتش. "" هذا الزعيم الذي بدا في هيئة راهب بلحية بيضاء تخفي نصف وجهه في نموذج من صورة صدام حسين بعد القبض عليه. اعتقال رادوفان كاراديتش حوّل قصة إلقاء القبض إلى أسطورة ، بعد 13سنة من الاختفاء جاء خبر اعتقاله بدون عناء وبسلاسة ، كما قال أحد الضباط الذين ساهمو ا في عملية الاعتقال. تاريخ الاعتقال يطرح أكثر من علامة استفهام ، إذ قال محامي كاراديتش ، سفيتا فوياتسيك ، إن الاعتقال وقع في وقت سابق وان موكله كان في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أيام قبل الإعلان عنه، قبل أن يضيف"أنا متأكد 100 ٪ من ان "كاراديتش" القي القبض عليه في 18 يوليوز الماضي على الساعة التاسعة و النصف مساءا" . سلاسة الاعتقال , تاريخ الاعتقال وتضارب الأحداث كلها نسخة متكررة يتم إدراجها دائما مع سبق إصرار خلال إلقاء القبض على كبار الشخصيات . استهدف تنحية صدام حسين تأمين المصالح الأمريكية وحليفتها إسرائيل في الشرق الأوسط مع إخراس وأمركة الأنظمة العربية بالإعلان عن لائحة محور الشر. اعتقال رادوفان كاراديتش لا يختلف كثيرا عن تثبيت المصالح الإمبريالية من أجل تعميق مفهوم العولمة التي لم يجد روادها أي تردد في الاحتفال من داخل خريطتهم الإمبريالية ، حيث رحب المبعوث الأميركي في الأممالمتحدة زلماي خليل زاد أن الولاياتالمتحدة مجّدت اعتقال رادوفان كاراديتش ، كما أكدت فرنسا أن الاتحاد الأوروبي يتوقع أيضا من السلطات الصربية المزيد من الاعتقالات ، وطلبت من المحكمة بتسلم كاراديتش ومحاكمته بتهم الإبادة الجماعية وارتكابه جرائم ضد الإنسانية. إن اعتقال كاراديتش لم يكن اعتباطيا ، بل ذو حمولة سياسية شبيهة بنظيرتها العراقية ، أو بالأحرى الشرق الأوسطية ما دام الحديث عن عولمة محور الشر ، من وجهة نظر رأسمالية، لكون خطوة الاعتقال جاءت بعد أسابيع فقط من تسلم حكومة صربية جديدة إدارة البلاد، وهذه الحكومة تتميز بتوجهها السياسي نحو انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي. خطوة الاعتقال ما هي إلا ضمانات وهدية للاتحاد الأوربي، وهذا يبدو جد واضح في حديث وزير الخارجية الصربي لبي بي سي, حيث قال ان "أهم اولويات الحكومة الصربية هي التأكد من التقدم نحو عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي وهناك عقدة واحدة باقية وهي التعامل التام مع المحكمة الدولية الخاصة ويجري العمل على تذليل العقبات التي تقف أمام تعاون تام". محاكمة جرائم الحرب تأخذ دائما طابعا سياسيا, حيث تكون الكلمة للمحكمة الدولية ذات الأداء العولمي. محاكمة صدام كان من قبل قضاة عراقيين في محكمة خاصة أنشئت كجزء من بنية المحكمة العراقية ، فكرة محكمة عراقية لقيت قبولا من طرف وطنيين لتفادي تدخل محكمة العدل الدولية في سيادة العراق من خلال فرض هيكل ذو سياسة كولونيالية, رغم إبداء صدامالرغبة في محاكمته بلاهاي كخطوة يمكن أخدها كاستعداد للحوار مع ا مؤسسات التي كان يدعوها بالرجعية ، وتبقى محاكمة رادوفان كاراديتش بالتأكيد في إحدى قاعات محكمة العدل بلاهاي لتوثيق استيعاب سياسة الإتحاد الأوروبي ومنها نعد صربيا عضوا رسميا فيه. إذا كانت تنحية صدام رسالة قد استوعبها الرئيس الليبي معمر القذافي الذي سارع للتفاوض مع الغرب ، فرسالة رادوفان كاراديتش هي إنذار لعمر حسن البشير وتورطه في جرائم الحرب في دارفور.