بناء على الرسالة المسجلة في الأمانة العامة للمجلس الدستوري بتاريخ 17 ديسمبر 2012، التي يطلب فيها السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، التصريح بتجريد السيد أحمد حاجي – المنتخب في نطاق الهيئة الناخبة المكونة من أعضاء غرف التجارة والصناعة والخدمات لجهة "فاس- بولمان"ّ في الاقتراع الذي أجري في 6 أكتوبر 2003 – من صفته عضوا بمجلس المستشارين بحكم القانون، بناء على المادة 12 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين. واستنادا إلى تفسير فريد في نوعه، وتأويل فيه الكثير من التمحل على الفصل 176 من الدستور الحالي لسنة 2011، قضى أعضاء المجلس الدستوري بتجريد السيد أحمد حاجي من عضويته في مجلس المستشارين، دون إجراء انتخابات جديدة لشغل هذا المقعد الشاغر. وتحليلنا لما قضى به أعضاء المجلس الدستوري في قرارهم رقم 911-12 المتعلق بتجريد من لم يعد متمتعا بالصفة البرلمانية، لزوالها جراء انتهاء أمدها، سيكون عبر تفكيك بنائه المهترئ، وخلخلة أجزائه غير المتماسكة، بغاية معالجة ما احتواه من حيثيات سقيمة، وتسليط الأضواء على منطوق الحكم لبيان خطله لمجانبته للصواب، وارتكازه على حجج وأدلة وبراهين هي إلى العدم أقرب؛ وكل ذلك سيكون وفق البسط التالي : أولا : الإحالة إلى المجلس الدستوري من طرف الوكيل العام للملك بمقتضى المادة 12 من القانون التنظيمي رقم 28-11 المتعلق بمجلس المستشارين، يحق للوكيل العام للملك (النيابة العامة) لدى المحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة بعد الانتخاب، أن يطلب من المجلس الدستوري تجريد كل شخص يوجد خلال مدة انتدابه في إحدى حالات عدم الأهلية للانتخاب. والغميزة في هذا المضمار، هو أن السيد الوكيل العام للملك استند في ممارسة حقه في الإحالة على المادة 12 من القانون التنظيمي رقم 28-11 الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2011؛ والحال أن السيد أحمد حاجي انتخب في اقتراع 6 أكتوبر 2003؛ فهل يجوز أن يسري القانون التنظيمي رقم 28-11 بأثر رجعي؟ بالإضافة وهذا هو الأهم والأساسي، كيف يجوز من الناحية القانونية طلب تجريد من لم يعد ممثلا للأمة؟ ذلك أن المستشار المدان كان متمتعا بالصفة البرلمانية وفقدها لاستيفاء أمد انتدابه، بل وزاد عليه ما يقارب الحول من الزمن، مما يجعل الإحالة في مثل هذه الوضعية ضربا من العبث في المجال القانوني والدستوري. كما يلاحظ على تدخل السيد الوكيل العام للملك، أنه تأخر في أمر الإحالة. لأنه كان من المتعين عليه إحالة الأمر إلى المجلس الدستوري بتاريخ 14 أبريل 2010 وقت أن صار الحكم الأول بالإدانة نهائيا، بدل إرجاء أمر الإحالة إلى تاريخ 17 ديسمبر 2012. فلو أحال الوكيل العام للملك أمر إدانة السيد أحمد حاجي عقب صدور الحكم النهائي الأول بالإدانة، لقضى المجلس الدستوري بالتجريد من العضوية ولأمر في ذات الوقت بإجراء انتخابات جزئية في إطار الفقرة الثالثة من المادة 53 من القانون التنظيمي رقم 32-97 كما وقع تغييره وتتميمه. أما وقت تمت الإحالة في 17 ديسمبر 2012 بعد أن زالت الصفة البرلمانية عن السيد أحمد حاجي لانتهاء أمد انتدابه، فإن أعضاء المجلس الدستوري وجدوا أنفسهم بين خيارين : إما القضاء بعدم قبول طلب السيد الوكيل العام للملك، وهذا المسلك يتولد عنه سحب الشرعية عن مجلس المستشارين والقدح في استمرار مزاولته لصلاحياته بعد انقضاء المرحلة الانتقالية؛ وإما قبول طلب الوكيل العام للملك الرامي إلى تجريد المستشار البرلماني من عضويته بمجلس المستشارين، وبذلك يكون موقف المجلس الدستوري متعارضا مع الفهم السليم للفصل 176 من الدستور المنظم للمرحلة الانتقالية. وبسبب ميل أعضاء المجلس إلى الأخذ بالخيار الثاني، فإن مسلكهم هذا، والذي لاشك أنه غير قويم، يلقي بظلال قاتمة حول التكييف القانوني السليم للمجلس الدستوري، من ناحية اعتباره هيئة قضائية أم أنه هيئة سياسية. وللحؤول دون إصدار قرارات كارثية على غرار القرار رقم 911-12، فإنه يتعين التنصيص في القانونين التنظيميين لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، وكذلك الأمر بالنسبة للقانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية؛ على وجوب قيام الوكيل العام للملك بإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، عقب رفض محكمة النقض لطلب النقض. كما أن البرلماني المتهم بارتكاب جناية أو جنحة، يتحتم البت فيما نسب إليه في أمد زمني معقول، مع ضمان حقه في محاكمة عادلة، حتى يبقى تمثيله أو نيابته عن الأمة بمنأى عن كل ما من شأنه أن يشين أو ينتقص من هيبة التمثيل البرلماني. والقرار رقم 768-09 المتعلق بالسيد "عبد القادر النميلي" ليس ببعيد عن الأذهان؛ كما أن القرار 813-11 المتعلق بالمستشار البرلماني السيد "حميد كوسكوس" ينضوي في السياق الذي نحن بصدده. ثانيا : الحيثيات القانونية المتعلقة بالقرار الحيثيات القانونية التي استند إليها أعضاء المجلس الدستوري بخصوص قرارهم رقم 911-12 انبنت على المرتكزات القانونية التالية : • دستور 29 يوليو 2011 (الفصل 176 و177 والفقرة الأولى من الفصل 132). • القانون التنظيمي رقم 29-93 المتعلق بالمجلس الدستوري كما وقع تغييره وتتميمه. • القانون التنظيمي رقم 28-11 المتعلق بمجلس المستشارين (المادة 7 والفقرة الثانية من المادة 12). • القانون رقم 57-11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية. والذي يلاحظ على المرتكزات التي اعتمد عليها أعضاء المجلس الدستوري، هو أنه إذا كان ضروريا وحتميا الامتثال لما تقرره الفقرة الرابعة من المادة 16 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري التي تنص على التالي : "ويجب أن تتضمن (أي القرارات) بيان النصوص التي تستند إليها وأن تكون مسببة وموقعة من قبل الأعضاء الحاضرين بالجلسة التي صدرت خلالها"، فإن التساؤل الذي يطرح في هذا المضمار يخص معرفة الرابط بين القانون التنظيمي رقم 28-11 المتعلق بمجلس المستشارين الذي لم يشرع بعد في وضعه موضع التطبيق؛ وبين مستشار برلماني انتخب في ظل القانون التنظيمي رقم 32-97 المتعلق بمجلس المستشارين والصادر وفق مقتضيات دستور 1996؛ وخاصة أن البرلماني المدان لم تعد له علاقة بمقتضيات القانونين التنظيميين معا، مما يجعل الاستناد إلى القانون التنظيمي الجديد (28-11) غير جائز، وكذلك الوضع بالنسبة للقانون التنظيمي القديم (32-97) لصيرورته عديم الوجود من الناحية القانونية. وذات الملاحظة تنطبق على القانو ن رقم 57-11 الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 2011؛ باعتبار أن السيد أحمد حاجي المنتخب في 6 أكتوبر 2003، صدرت ضده أحكام نهائية قبل أن يدخل القانون 57-11 حيز النفاذ والتطبيق. بالإضافة إلى أن هذا القانون لا يجوز تطبيقه بأثر رجعي، لأن تفعيله واجب وقت الشروع في انتخاب الهيئة الناخبة التي لها الحق في اختيار من سيكون أعضاء في مجلس المستشارين المحدد عددهم في 120 عضوا على الوجه المنصوص عليه في القانون التنظيمي رقم 28-11. وهذه المنزلة التي تموقع فيها السيد أحمد حاجي من غير إرادته، وكذلك بقية أعضاء المجلس؛ لا تقع بين المنزلتين (القانون التنظيمي رقم 28-11 والقانون التنظيمي رقم 32-97 كما وقع تغييره وتتميمه)، وإنما هي خارجة عنهما؛ وتشكل في ذات الوقت دلالة قاطعة على عدم دستورية مجلس المستشارين الذي يمارس جميع أعضائه مختلف الصلاحيات الدستورية، في غياب تام للنظام الداخلي الخاص بمجلسهم الذي أفل نجمه من الناحية الدستورية. ثالثا : هل يشترط صدور أكثر من حكم لتجريد البرلماني من عضويته عطفا على ما ذكرناه في البند الثاني، ودون الخروج عن نطاق ذات الحيثيات التي ارتكز عليها القرار، نجد الفقرة التي يقرر فيها أعضاء المجلس الدستوري ما يلي : "وحيث إن الأحكام الآنفة الذكر الصادرة بإدانة السيد أحمد حاجي صارت نهائية، الأمر الذي يفقده أهلية الانتخاب ويتعين معه بالتالي تجريده بحكم القانون من صفة مستشار بمجلس المستشارين، عملا بمقتضيات المادة 12 (الفقرة الثانية) من القانون التنظيمي المتعلق بهذا المجلس". ولتبين وجه الغميزة فيما قرره أعضاء المجلس الدستوري، فإن ذلك يتطلب بسط الجرائم التي اقترفها السيد أحمد حاجي، وهي كما وردت في القرار مرتبة على النحو التالي : • جريمة إصدار شيك بدون مؤونة التي أدين بشأنها السيد أحمد حاجي ابتدائيا بتاريخ 9 يناير 2007 وصار الحكم نهائيا برفض المجلس الأعلى (محكمة النقض) لطلب النقض بتاريخ 14 أبريل 2010. • جريمة إصدار شيك بدون مؤونة، الذي أصدرت بشأنه المحكمة الابتدائية حكما بالإدانة بتاريخ 13 يونيو 2006 وأصبح نهائيا بتاريخ 12 أكتوبر 2011 جراء رفض المجلس الأعلى (محكمة النقض) لطلب النقض. • جريمة إصدار شيك بدون رصيد الذي قضت فيه محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف بتاريخ 12 مايو 2011، والذي صار نهائيا بتاريخ 26 يناير 2011 نتيجة رفض المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) لطلب النقض. وهذه الجرائم الثلاث لا يشترط فيها، من أجل تجريد العضو البرلماني من عضويته في مجلس المستشارين، انتظار صيرورة جميع الأحكام الصادرة بشأنها نهائية، لأنه يكفي صدور حكم واحد بالإدانة وعلى الوجه المحدد في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، حتى يتسنى للوكيل العام للملك إحالة الموضوع إلى المجلس الدستوري من أجل تجريد المدان من عضويته بمجلس المستشارين. ومرد هذه الملاحظة هو أن أعضاء المجلس الدستوري أوردوا في قرارهم العبارة التالية : "وحيث إن الأحكام آنفة الذكر الصادرة بإدانة السيد أحمد حاجي صارت نهائية"؛ مما قد يترتب عن هذه الصياغة الاعتقاد بأن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تندرج في إطار جرائم الاعتياد التي يشترط لتحقق ركنها المادي وجوب العودة إلى اقتراف ذات النشاط الإجرامي أكثر من مرة. وصفوة القول هو أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد هي "جريمة بسيطة" يعاقب فاعلها بمجرد ارتكاب النشاط الآثم لمرة واحدة. وبصيرورة الحكم نهائيا، فإنه يترتب بالنسبة للعضو البرلماني المدان تجريده من العضوية، بعد إحالة من طرف الوكيل العام للملك لدى المحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة. رابعا : الحكم بالتجريد من العضوية دون إجراء انتخابات جديدة المعضلة فيما يخص الحالة المتعلقة بالسيد أحمد حاجي، هو أن السيد الوكيل العام للملك طلب من المجلس الدستوري تجريد المعني بالأمر من عضويته بتاريخ 17 ديسمبر 2012، والحال أن السيد أحمد حاجي كان فاقدا لصفته البرلمانية وذلك من الناحية القانونية، بسبب انتهاء المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 176 من الدستور. وهذه الوضعية التي أضحى عليها السيد أحمد حاجي، جعلت النيابة العامة والمجلس الدستوري يعملان ويتصرفان خارج الإطار القانوني والدستوري. علاوة على أن أقصى ما يملكه المجلس الدستوري هو إصدار حكم بالتجريد، والبرلماني المدان لا يتمتع أصلا بالصفة البرلمانية، مما يجعل قرار المجلس الدستوري غير منتج لأثره، ومن ثم يغدو الحكم بالتجريد دون طائل ويتحول الأمر إلى لغو وعبث وذلك من الناحية القانونية والدستورية. كما أنه إذا أثير التساؤل حول الإطار القانوني والدستوري لاستمرار ثلث أعضاء مجلس المستشارين – الذين انتخبوا في اقتراع 6 أكتوبر 2003 – مزاولين لمهامهم التمثيلية، فإن الواقع الفعلي يجيب بأن بقاءهم راجع إلى التأويل السقيم للفصل 176 من الدستور. ورغم وضوح النص الدستوري في المجال الذي نحن بصدده، فإن أعضاء المجلس الدستوري أصروا على أن البرلماني المدان كان متمتعا بالصفة البرلمانية وقت صدور الحكم بتجريده من عضويته بمجلس المستشارين، وأن مانعا دستوريا هو الذي استوجب الحكم بالتجريد من غير إجراء انتخابات جديدة. ودليلهم فيما ذهبوا إليه، صاغوه في الحيثية الأخيرة من القرار التي تضمنت التالي : "وحيث إنه، لئن كانت مقتضيات المادة 92 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين توجب تنظيم انتخابات جزئية إذا قررت المحكمة الدستورية تجريد عضو بهذا المجلس من عضويته بسبب فقدانه الأهلية الانتخابية، فإنه يستفاد مما قرره الدستور في فصله 180، مع مراعاة أحكامه الانتقالية، من نسخ الدستور الصادر في 7 أكتوبر 1996، وهو النسخ الذي يفقد هذا الدستور أي وجود قانوني لا يجوز معه إحياء بعض أحكامه والعمل بها أو الاستناد إليها، ومما ينص عليه في فصله 176 من استمرار مجلس المستشارين، القائم في تاريخ دخول الدستور حيز التنفيذ والمنتخب وفق أحكام الدستور السابق، في ممارسة صلاحياته إلى حين انتخاب المجلس الذي سيخلفه، أن استمرار أعضاء مجلس المستشارين بصرف النظر عن تاريخ انتخابهم في ممارسة مهامهم بهذه الصفة إلى حين انتخاب المجلس الجديد، يقتصر على الأعضاء الذين كان يتشكل منهم هذا المجلس بتاريخ 29 يوليو 2011، تاريخ دخول الدستور حيز التنفيذ، ولا يمتد إلى غيرهم، الأمر الذي يحول دون إمكان تطبيق ما تقتضيه المادة 92 آنفة الذكر من تنظيم انتخابات جزئية لشغل المقعد الذي سيصبح شاغرا في أعقاب تجريد السيد أحمد حاجي من عضويته بمجلس المستشارين". والذي يستخلص مما ساقه أعضاء المجلس الدستوري لتدعيم وتقوية ادعائهم هو أن الأساس الذي بُني عليه منطوق القرار يستند ويعتمد على الفصل 180 و176 من دستور 29 يوليو 2011. • فبالنسبة للفصل 180 فقد استدلوا به لتقرير أمرين : 1 – التصريح بأن دستور 1996 أصبح منسوخا، ومن ثم لا يصح العمل بأحكامه ومقتضياته، بل ولا يجوز الاستناد إليها، مادامت الوثيقة الدستورية قد فقدت وجودها القانوني. 2 – وجوب مراعاة الأحكام الانتقالية المنصوص عليها في دستور 2011، التي ينجر عنها استمرار بعض المؤسسات التي نشأت على ضوء أحكام دستور 1996 الذي فقد وجوده القانوني بسبب دخول دستور 2011 حيز النفاذ والتطبيق. وفي هذا السياق ينص الفصل 179 على التالي : "تظل النصوص المتعلقة بالمؤسسات والهيئات المذكورة في الباب الثاني عشر من هذا الدستور، وكذا تلك المتعلقة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي وبالمجلس الأعلى للتعليم، سارية المفعول، إلى حين تعويضها، طبقا لمقتضيات هذا الدستور". ويضاف إلى هذه المؤسسات ما تم التنصيص عليه في الفصل 177 و178 من الدستور الجديد لسنة 2011. • أما الفصل 176 المتعلق بالمرحلة الانتقالية الخاصة بالمؤسسة التشريعية، فيعتبر المرتكز الدستوري الأساسي الذي اعتقد أعضاء المجلس الدستوري أنه كفيل بإضفاء الشرعية على قرارهم وذلك من ناحية : 1 – تقديم السند الدستوري للحكم بتجريد السيد أحمد حاجي من عضويته دون إجراء انتخابات جديدة لشغل المقعد الشاغر. 2 – إضفاء الشرعية على استمرار مجلس المستشارين مزاولا لمهامه، بالرغم من فقدان ثلث أعضائه لشرعية وجودهم داخل المجلس، جراء استيفائهم لأمد انتدابهم. ولما كان المرتكز الذي يتأسس عليه القرار ينبني فقط على التأويل العقيم للفصل 176 من الدستور، فإن ثلب وثلم القرار يكمن في إبراز مضمون النص الدستوري، الذي لا يخفى فحواه حتى على من كان فدما في اللغة العربية. ولتقريب الصورة من أجل تلمس حقيقة مؤدى الفصل 176 آنف الذكر، المتعلق بالمرحلة الانتقالية الخاصة بمجلسي البرلمان، فإننا نحيل إلى مقالتنا المعنونة بالتالي : "النص الدستوري غير السليم وتأويل أعضاء المجلس الدستوري غير القويم" (جريدة المساء بتاريخ 26-28-29 مارس 2012)، وذلك من أجل معرفة متى تبدأ المرحلة الانتقالية وزمن أفولها وانتهائها. واللافت للنظر بخصوص القرار رقم 911-12 هو قول فقهاء القضاء الدستوري بأن : "استمرار مجلس المستشارين... يقتصر على الأعضاء الذين كان يتشكل منهم هذا المجلس بتاريخ 29 يوليو 2011... ولايمتد إلى غيرهم، الأمر الذي يحول دون إمكان تطبيق ما تقتضيه المادة 12 آنفة الذكر من تنظيم انتخابات جزئية..". وفي سياق القاعدة الأصولية التي تقرر بأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فإننا نقول إن استدلال أعضاء المجلس الدستوري في المجال الذي نحن بصدده، ساقط من تلقاء ذاته ولايحتاج إلى أدنى مجهود من أجل دحضه. ذلك أن البرلمان القديم بمجلسيه توارى عن الوجود نهائيا يوم أن اجتمع مجلس النواب الجديد بمفرده في 19 و28 دجنبر 2011؛ كما أن البرلمان الجديد الواجب إقامته على ضوء مقتضيات دستور 29 يوليو 2011، فإنه لم يستكمل وجوده بعد. أما عن الخلل والاضطراب الحاصل في المؤسسة التشريعية فمرجعه التأويل المغلف بالتلبيس الذي يعطيه خبراء القانون الدستوري للفصل 176 من الدستور؛ وفي هذا المجال يمكن التذكير بما ورد في القرار رقم 854-12 الصادر بتاريخ 3 يونيو 2012. ولم تتوقف رداءة الأحوال الفقهية في المجال الدستوري عند هذا الحد، بل زادت الأوضاع مساءة بعد أن انتهى أمد الانتداب المتعلق بثلث أعضاء مجلس المستشارين الذين انتخبوا في 6 أكتوبر 2003، وبالرغم من ذلك يصدر قرار بتجريد من لا يتمتع بالصفة البرلمانية من صفة لا يملكها من الناحية القانونية والدستورية. وفيما يخص قول كبار قضاة المجلس الدستوري بأن المادة 92 سالفة الذكر يتعذر تطبيق ما تقتضيها من أحكام، فإن الجواب عن هذا التعذر أو الاستحالة المطلقة، سيكون عن طريق طرح التساؤل التالي : هل يجوز تطبيق المادة 92 من القانون التنظيمي رقم 28-11 الخاص بمجلس المستشارين، والحال أن هذا المجلس لم ينتخب بعد؟ وإلى حين إجراء الانتخابات التشريعية العامة المتعلقة بمجلس المستشارين البالغ عدده 120 عضوا وليس 270 عضوا، وقتذاك فقط يكون المجال واسعا للتحدث عن مقتضيات القانون التنظيمي رقم 28-11. وإذا غهب على من كان فدما أو متناسيا قاعدة عدم رجعية القانون، فيكفي استحضار ما نصت عليه الفقرة الرابعة من الفصل السادس من الدستور التي تقرر بكل جلاء ووضوح : "ليس للقانون أثر رجعي". ولا ضير من التذكير بأن خبراء وفقهاء في القانون الدستوري – الذين مكثوا ردحا من الزمان في المجلس الدستوري – قضوا في القرار رقم 467-01 الصادر في 3 يناير 2002 بأن القانون يمكن تطبيقه بأثر رجعي. أما الدليل على مثل هذا الانحراف الدستوري، فحكماء المجلس الدستوري قالوا إن معيار المصلحة العامة كاف لتصحيح مثل هذا الشذوذ الدستوري. طبعا الجميع يعلم أنه في ميدان القانون الجنائي الموضوعي، إذا كان القانون الجديد أصلح وأنفع للمتهم لتضمنه ما يخفف العقوبة على سبيل المثال، فإنه يطبق بأثر رجعي، مع مراعاة الضوابط المقررة في مجموعة القانون الجنائي (الفصل 5 و6 و7). وفي مقالة موالية إن شاء الله، لنا عودة إلى بيان نقائص ومثالب جل القرارات التي قضى فيها أعضاء المجلس الدستوري بالإلغاء مع تنظيم انتخابات جديدة، وخاصة أن فضلاء المجلس الدستوري أصدروا بلاغا يتعلق بنتائج البت في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب. ولكي يستشعروا ويتحسسوا ويتلمسوا وجه النقيصة والغميزة والعوار، يكفيهم الاطلاع على مقال لنا بعنوان : "التدقيق في الضوابط القانونية المتعلقة بالانتخابات التشريعية الجزئية"، المنشور بجريدة "النهار المغربية" في العددين 159 و160 (سنة 2004).