في سياقِ وضع بعض "مغاربة الفيسبوك" لصورةٍ على حَوَائِطِهم الفيسبوكية (Stop 490) "احتجاجا" على تجريم القانون المغربي للعلاقات الجنسية الرضائية، تذكرتُ قولاً للملك الراحل الحسن الثاني يقول فيه: "واشْ المغاربة رَجْعُوا خْفَاف... رْجَعْتُوا دراري"؟ فعلا، "واش رجعنا خفاف" إلى درجة أن نُناضل بهذه الكيفيةِ الناعمةِ المَلساءِ الرطبةِ الرخوةِ؟ نضالٌ من خلف الشاشة! "واش رجعنا خفاف" إلى درجة أن نضع "العْكَرْ" فَوقَ "الخْنُونة"؟ أيها الناس، أيها العقلاء، إننا غارقون في الفقر والجهل حَدَّ الأذنين... نكاد نختنق جهلاً وفقرا، فبالله عليكم كيف سنمارس هذا الحق في التَّنَاُكح ونحن فقراء وَجُهَّل! أرجوكم، عودوا إلى تقارير الأممالمتحدة أو غيرها من المنظمات، لتعرفوا مدى فقرنا وجهلنا... ولتعرفوا أيُّ الحقوقِ بالنضالِ أولى. لِنَتَخَيَّل أن الدولة المغربية استجابت لنضالنا الأملس هذا، وألغت قانون تجريم الجنس الرضائي في ظل ما نحياهُ من تفقير وتجويع، أين سنمارس هذا الحق والشاب المغربي أَجْرُهُ غيرُ كافٍ حتى لتوفير أكل صحي يزيد من قدرته ورغبته الجنسيتين؟ هل سنمارسه بنصف خبزة من الدقيق الأبيض وكأس شاي وسيجارة من النوع الرديء؟ هل بأجورنا الهزيلة هذه، سنوفر فضاء ملائما للتناكح؟ ألا نعاني اليوم من أزمة "البرتوش"؟ أيها العقلاء جدا، في ظل فقرنا، أو تفقيرنا للتدقيق، نحن لا نستطيع حتى توفير فضاء مناسب لممارسة الحق في التناكح. إننا نعاني أزمةَ "برتوشٍ" لدرجة أن أَجْر فئة كبيرة مِنَّا، يساوي ثمن استئجار شقة. فأين، بالله عليكم، سنمارس "حقنا" هذا؟ في الخلاء؟ على الشاطئ؟ في المسابح؟ خلف الأسوار؟ داخل السيارات؟ داخل المراحيض؟ داخل المغارات؟ داخل قاعات السينما؟ فوق السطوح؟ لنواصل تَخيلنا... كيف سيصبح فضاؤنا العام في ظل الواقع الجديد، خاصة في ظل الجهل كما سنبين لاحقا؟ شواطئٌ عَامِرةٌ بالعَوَازِل الطبية والمناديل الورقية والملابس الداخلية، فيديوهاتٌ وصورٌ فاضحةٌ تملأ مواقع التواصل الاجتماعي... ستفقد -واللهِ- هذه الممارسة –في ظل جهلنا، نُكَرِّر- قُدسيتها. إنسانيتها. إننا، أيها العقلاء، فقراءٌ جدا لدرجة لا نستطيع فيها زيارة الطبيب لترميم أسناننا المُهترئة من فرط الإهمال من جهة، وشربِ ماءٍ غير لائقٍ للشرب من جهة ثانية، وتدخين سجائر رديئة من جهة ثالثة. نقتلع أسناننا بدل ترميمها! نخجل من ابتسامتنا! لأننا فقراءٌ جائعون. لِنَتَخَيَّل مرة أخرى أن الدولة المغربية ألغت قانون تجريم الجنس الرضائي، لكن في ظل جهلنا المُتَشَعْشِع. وهنا، لِمن يَفْقَهُ في القَوانين وعلاقتها بالمجتمع، سنصبح أمام تقدم للدولة بوصفها مجموعة من المؤسسات، مقابل تأخر للمجتمع بِعَدِّهِ مجموعة من التقاليد والأعراف والعادات. كيف، يا عِباد الله، لمغربيٍ يعاني الجهل، أو التجهيل، للتدقيق، أن يسمح لجاره بممارسة هذا الحق؟ هل لدينا من الوعي ما يكفي للتمييز بين الفضاء الخاص والعام؟ هل نمتلك ثقافة جنسية ترتقي بممارستنا لهذا الحق، وتقينا مما قد ينتج عنه: حمل، أمهات عازبات، إجهاض، أطفال شوارع بدون تحديد للنسب... ثقافة تجعل من هذا الحق فعلا ساميا غير حيواني؟ هل يقدر المغربي، المتشبع بشرقيته، أن يسمح لابنته أو أخته أن تمارس هذا الحق كما يمارسه هو؟ هل عالجنا ذكوريتنا، أبيسيتنا؟ وكيف سنمارسه في ظل غياب قيم الحب، الاحترام، الوعي...؟ إننا بنضالنا هذا، في ظل ما نحياه من جهل، كَمَن يُقدم للأحمق سَيفاً، كَمَن يضع "العْكَرْ" فَوق "الخنونة". الدولة، بتجهيلها لِعِباد الله، أيها العقلاء، صَنعت مِنّا "حُراسا" ضد أي مُطالب لحقه. فحاربوا الجهل أولا. إننا لكي نزرع الأرض، يجب أن نحرثها أولا، فكذلك لنمارس حقوقا تتعلق بِجِنْسَانِيَّتِنَا أو مُعتقداتنا أو هوياتنا... يجب أن نوفر الأرضية المناسبة لذلك: الوعي، التعليم. لسنا هنا -للإشارة- ضد من يناضل من أجل حقه، مهما كان هذا الحق، ولا ضد أن تناضل طبقة اجتماعية بعينها لا تعاني الفقر (الجِنْسُ عندها لم يعد حاجة أصلاً) ولا الجهل (تُدَرس أبناءها في البعثات)، ولكن يحز في أنفسنا أن يَتم توجيه فئة أخرى مُجَوَّعة إلى النضال الخطأ. إن هذا لَضَحِكٌ على الذقون. إذا أردنا النضال، تعالوا نناضل من أجل سكن لائق يحترم إنسانيتنا، تعالوا نحاسب من يَبِيعُنَا شققا، أقصد صناديقا، ب"زبالة ديال الفلوس" نسمع من خلف جُدرانها النحيفة تَأَوُهَات وآهات جيراننا، تعالوا نناضل من أجل توزيع عادل للثروة، تعالوا نناضل ضد التجويع، ضد التجهيل. تعالوا نناضل من أجل الحق في التعليم، والصحة، والعيش الكريم... ولاحقا، فَلْنُنَاضل حتى من أجل حقوق الجُحُوش والبِغال والضفادع. يا من يُناضل من أجل الحق في التناكح، هل تعلم أنه، في الوقت الذي تضع فيه صورة على حائطك الفيسبوكي: Stop 490، يوجد في أعالي الجبال، نساء ورجال تَجَمَدّت أعضاؤهم التناسلية من فرط قساوة الجو والفقر؟ تعالوا نناضل من أجل توفير الدولة لِدُورِ شَبَابٍ ومعاهد نمارس فيها فنا وأدبا ورياضة... فَننمي وعينا وذوقنا وثقافتنا، ونتداوى من هوسنا الجنسي الذي يجعلنا نحتل صَدَارَةَ شعوب العالم الأكثر مُشَاهِدة للأفلام البورنوغرافية. وهنا، بعد وَعيِنَا، لن نحتاج إلى وضع صورة على حائطنا الفيسبوكي، احتجاجا منا على تجريم حقنا في التناكح، بل سنمارسه دون أن يقول لنا أحد: "شحال في الساعة"؟ وسنمارسه بكيفية غير بئيسة كما هو عليه الأمر اليوم. نحتاج اليوم، في ظل ما يعرفه العالم من التباس وتداخل في المفاهيم، إلى مُوَجهٍ حكيم يقود الناس إلى الوجهة الصحيحة. وهذا دور المثقف. لكنه، للأسف، منشغلٌ بقضايا من قبيل: جدلية الروح عند هايدغر أو ميتافيزيقا الأخلاق عند كانط أو الفينومينولوجيا عند هيغل. أعود فأسأل: "واش رجعنا خفاف... ولينا دراري"؟