الهدف الذي كان وراء إنشاء مجلس المستشارين من طرف الملك الراحل الحسن الثاني ، هو السهر على وأد مشاريع القوانين المزعجة التي يمكن أن تنفلت بين فينة وأخرى من مجلس النواب ، وإن كان هذا لا يحدث إلا نادرا . بمعنى أن نواب الغرفة الأولى يمكن أن يصادقوا على مشروع قانون لا يخدم مصلحة النظام الحاكم ، وبالتالي فإن مجلس المستشارين في هذه الحالة يلعب دور المقصلة التي يتم فوقها إعدام هذا المشروع . فأي مشروع قانون يصادق عليه نواب الغرفة الأولى لا بد أن يمر أمام أنظار نواب الغرفة الثانية قبل أن يخرج إلى حيز الوجود ويصير قانونا مطبقا على أرض الواقع . "" وإذا كانت مهمة مجلس المستشارين هي إعدام القوانين التي تخدم الأمة ولا تخدم النظام ، فإننا سنفهم أن هذا المجلس هو بمثابة عدو لدود للشعب المغربي ، ما دام أن أعضاءه الذين يبلغ عددهم 270 مستشارا لا يهمهم سوى السهر على إرضاء النظام ، ولتذهب المصلحة العليا للمغرب والمغاربة إلى الجحيم .
ومؤخرا اتضح أيضا أن مجلس المستشارين يسعى بجانب دفاعه عن المخزن إلى أن يتحول إلى وكر يختبئ فيه لصوص المال العام بكل أمان ، وذلك بعدما استطاع المستشارون المحترمون أن يمنعوا القضاء من متابعة زميلهم يوسف التازي المنتمي لحزب الاستقلال بتهمة تبديد المال العام ، وذلك بعدما صادقوا بالإجماع على عدم رفع الحصانة البرلمانية عنه ، وبالتالي إيقاف المتابعة القضائية في حقه . للإشارة فهذه أول مرة يصادق فيها المستشارون على نقطة واحدة بالإجماع التام !
والحقيقة أن الذي يجب متابعته بتهمة تبديد المال العام ليس هو يوسف التازي لوحده ، بل مجلس المستشارين نفسه . فهذا المجلس الذي ينصب نفسه عدوا لمصالح المغاربة يبدد كل سنة ميزانية ضخمة يتم استخراجها من جيوب المغاربة دون أن يقدم لهم أي خدمة ، لذلك يجب أن توجه إليه تهمة تبديد المال العام والتستر على اللصوص الكبار الذين يختلسون أموال المغاربة دون خوف من الله ولا من القانون . هؤلاء ليسوا مستشارين ، بل متسترين على جرائم السرقة من فئة خمس نجوم !
وإذا كان أعضاء مجلس المستشارين يتمتعون بكل هذه الحصانة ، فسنفهم لماذا يستطيع البعض أن ينفق مليار سنتيم بالكامل ، كما صرح أحدهم بذلك في الانتخابات الماضية ، مقابل الظفر بكرسي تحت قبة الغرفة الثانية في البرلمان ، فهذا المنصب سيجعله يسترد ذلك المليار الذي صرفه في إرشاء "الناخبين الكبار" في وقت وجيز بسبب تلك الحصانة التي تخول له أن يتصرف في المال العام كيفما شاء ، ويضيف إليه مليارات أخرى من المال العام طبعا ، وفوق كل هذا لن يكون بإمكان أي قاض متابعته ، لأن حصانته البرلمانية تحميه ضد أي متابعة قضائية ، وحتى عندما يفقد حصانته إذا لم ينجح في البقاء تحت قبة البرلمان لولاية أخرى ، وتمت متابعته من طرف القضاء ، فهذه المتابعة تكون في هذا الوقت قد فقدت صلاحيتها . فحتى لو تم إرغامه على إعادة الأموال التي اختلسها إلى الدولة فهذه الأموال تكون قد خلفت ثروة هائلة ، لذلك يكون سعادة المستشار رابحا على كل حال . هذا إذا لم يغادر البلاد نحو فرنسا أو كندا حاملا معه الأموال التي اختلسها وتلك التي خلفها رأس المال الحرام الذي سرقه من جيوب الناس .
الحصانة البرلمانية تم إعمالها من أجل ضمان الحماية للنواب كي يعبروا عن آرائهم بحرية ، وانتقاد الحكومة وكل من يتحمل نصيبا من المسؤولية في البلاد ، مهما سما المنصب الذي يحتله ، وفتح جميع الملفات مهما بلغت درجة حساسيتها ، لكن هذه الحصانة مع الأسف يتم استغلالها في غير محلها ، وعوض أن تكون حصنا للنواب كي يقوموا بواجبهم في خدمة الشعب ، فإنهم يفعلون العكس ، و"يخدمون" الشعب بطريقة أخرى . عوض أن يستغلوا الحصانة التي يتمتعون بها من أجل محاربة الظلم والفساد ، يستغلونها من أجل ممارسة الفساد ، ويتخذونها كقناع يختفون تحته عندما يمارسون النهب والاختلاس في واضحة النهار .
وإذا كان مجلس المستشارين عدوا لدودا لمصالح الشعب وحاميا للناهبين واللصوص وتجار المخدرات ، فالمطلوب ليس هو رفع الحصانة عن أعضائه ، بل المطلوب هو إغلاق هذا المجلس ووضع الشمع الأحمر على أبوابه . يكفي أننا سنربح من وراء ذلك تلك الملايير التي يتم تبذيرها كل عام بلا فائدة تذكر ، وسنحمي أموال الشعب من أيدي هؤلاء الناهبين الذين يظهرون على شاشة التلفزيون كأناس محترمين ، في الوقت الذي ليسوا سوى لصوصا من العيار الثقيل !