"العدل والإحسان" يستحيل الدخول في حوار معها لأنها رجعية حسب الرفيقة نبيلة منيب،أما المسارعة لإجابة دعوة "الديوان الملكي" من طرف جهة غير دستورية فأمر لا غبار عليه. أعتقد جازما أن "العدل والإحسان" لا تتسول حوارا ولا تستجديه من أحد،الحوار قناعة مبدئية وليس إجراء تكتيكيا لفك عزلة متوهمة،أو لإذكاء نيران الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي،العزوف عن الحوار يستبطن التهيب من المقارعة الفكرية،وتَزعزُع الثقة في النفس الفردية والجماعية،فالذين يقرؤون كتاب ربهم يعرفون كيف حاور رب العالمين الشيطان الرجيم،وأورد حججه ومقالاته بأمانة منقطعة النظير: قال,,وقال,,وقال,,فرخص له في تأسيس حزب (أولئك حزب الشيطان) ،وأقره على برنامجه (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ،ومنحه الحرية الكاملة لاستقطاب الأعضاء والمنخرطين (لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) ،ومنحه المدة الزمنية الكافية (قال أنظرني إلى يوم يبعثون) لا خوف من الحوار مع أي كان،فلنفتح نوافذنا ليقول من شاء ما شاء بشرط ألا يحمل سلاحا ولا يسفك دماءا،والبقاء للأصلح (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) . إن هذا الوطن الذي تظلنا سماؤه،وتُقِلُّنا أرضه يلزم تدبير العيش المشترك فيه برحمة وحكمة وأناة وحلم وعلم،والترفع عن لغة التخوين والتكفير والسب والشتم،لأنها تعتبر مصاديق واضحة للضحالة الفكرية والخفة والنزق،ما أجمل أن تبتسم في وجه المخالف،وتأطر المؤالف أطرا ليوسع حويصلته ويستمع للجميع بلا ارتباك أو حرج أو خجل،سألني مرة صديق:ما موقفك من الأمازيغية؟ ولما كان الوقت يضيق عن التفصيل أجبته قائلا: الأمازيغية آية من آيات الله (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم) ،فلماذا يريد البعض افتعال معارك جانبية ووهمية لنفي البديهيات أو استغلالها أو إعطائها أكثر ما تستحق من الاهتمام؟ إن الدعوة إلى تشييد قواعد المصالحة والحوار وحسن الجوار لا تصدر عن نية خلق الانطباع الإيجابي عن الداعي لدى الآخرين لأنه لا يحتاج إلى ذلك الانطباع، ولأنه يجد راحته في النقد الموجه إليه لا في كيل المديح،وإنما تصدر (تلك الدعوة) عن جملة أمور: 1. السياق العام المتسم بالحراك الثوري التغييري يستوجب ترسيخ قيم الحوار للوصول إلى حد أدنى من الاتفاق بين مختلف مكونات المجتمع لتدبير المراحل الانتقالية،ولتفادي اللجوء إلى لغة المغالبة والمعاكسة والمشاكسة ولو جر ذلك حرق الأوطان. 2. الإكراه يكثر سواد المنافقين والمتملقين والمتسلقين،ويؤدي إلى الاكتفاء بقشور شرائع الأرض والسماء دون النفاذ إلى لبها وجوهرها. 3. يثلج صدور المستبدين مغالاة النخبة في المطالبة بالحريات الفردية وغض الطرف عن المطالبة بالحريات السياسية 4. لا بد من الحرص على توسيع دائرة الصداقات وتضييق دائرة العداوات (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) . الحرص على الحوار لا يعني السقوط في نسبية متطرفة لا ترى الحق مع أي كان،وبعد مدة يلتفت المرء فلا يجد ما يدافع عنه بعد أن تحلل من كل الالتزامات والمبادئ والقناعات،وكل الدول والثقافات تحول دون تحويل منظومة قيمها إلى ساحة مستباحة 6. إن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين لا يمُتَّان بصلة لفضيلة الحوار وهما من مشمولات تطفيف الميزان (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) 7. غياب الحوار في العلاقات الدولية أدى إلى شيوع ثقافة محور الخير ومحور الشر،والرؤية الضيقة لدى بعض المتدينين:دار الإسلام ودار الحرب،والأنفع والأجدى التركيز على المشترك الإنساني والهم الجواني الفطري الذي لن ينطمر تحت ركام الخطرات والزلات والغفلات،ولن تُغَيِّبة سياسة الإنكار وسلوكيات الهروب إلى الأمام خشية استشعار هزيمة هي عين الانتصار على النفس. 8. إخضاع الحوار لسلم أولويات حتى لا تضيع الجهود في التفاهات: أي إسلام نريد:إسلام الأحرار أم العبيد؟ ما معنى الحرية في دولة تنتمي إلى مجال حضاري إسلامي؟ هل يتم فعلا الاحتكام إلى قواعد الدمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا،أو لا يعدو الأمر أن يكون مجرد شعارات حتى إذا أتت الدمقراطية بغير مراد النخبة ارتفع شعار التوافق كبديل عن الدمقراطية؟ ما موقع الملكية في نظام الحكم المستقبلي المحو أم الإثبات أم التعديل؟ ما علاقة الحريات الفردية بالفضاء العام الذي تؤطره قوانين في التعمير والسير على الطرق مثلا ،وما سمعنا أحدا يقول إنه يجوز له أن يبني كيف شاء ويسير على الطريق بالسرعة التي يريد؟ نريد الانضباط أم الفوضى؟ وهكذا دواليك... 9. أكثر ما يفسد الحوار المقاربة الأمنية،وأكثر ما يخدمه المقاربة العلمية والتربوية 10. الإنسان في حوار دائم لا ينقطع مع نفسه ومع بني جنسه،لذلك فالحاجة ماسة إلى دورات لتقييم الحوار في كل محطة: هل أحطنا الحوار بشروط وعناصر الجدوى والفاعلية أو جردناه من كل الشروط فصار سكة مفتوحة على المجهول.