تسود حالة من الفتور بين الرباط ومدريد على خلفية المستجدات السياسية التي تخيّم بظلالها على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلى جانب اختلاف وجهات النظر بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويأتي على رأسها قضية الصحراء المغربية. وما زال حزب "بوديموس" اليساري، المشارك في الحكومة الائتلافية الإسبانية، يتمسّك بموقفه المناصر جبهة البوليساريو؛ فبعد دعم بابلو إغليسياس، نائب رئيس الوزراء، مبدأ "تقرير المصير" فيما يتعلق بنزاع الصحراء، خرج نواب إسبان من التنظيم اليساري لمهاجمة المغرب من جديد. ودعت فعاليات برلمانية، منضوية تحت لواء "بوديموس"، الإدارة الأمريكيةالجديدة إلى سحب الاعتراف بمغربية الصحراء، بذريعة أن الخطوة الأمريكية تشكل "انتهاكاً" للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، مطالبا في الوقت نفسه بالتسوية العاجلة للقضية طويلة الأمد. ودفعت "الأزمة الصامتة" بين العاصمتين زعيم الحزب اليساري إلى التراجع عن تصريحاته السابقة، مؤكداً أنها مواقف "شخصية"، ولا يمكن إدراجها ضمن عمله الرسمي، بعدما تم تأجيل القمة المغربية-الإسبانية التي كان مزمعا عقدها في منتصف دجنبر المنصرم. وبالنسبة إلى عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، فإن "الأحزاب اليسارية الإسبانية وجدت في التطورات الأخيرة مناسبة لتقوية مواقفها المتطرفة تجاه المغرب؛ ذلك أن "بوديموس" يحاول جاهدا تعزيز موقفه ضد المملكة المغربية لمعاودة التقارب مع انفصالي إسبانيا". وأشار الفاتحي، في حديث مع هسبريس، إلى أن "النهج الحكومي الإسباني، وإن كان يرجح البراغماتية في التعاطي مع الجار الجنوبي، إلا أنه يستعمل بعضا من مزايدات الأحزاب اليسارية فيما يخص عدم إبداء مرونة حيال القضايا الخلافية؛ ومنها مسألة المعابر الحدودية، ووضع المدينتين المحتلتين مليلية وسبتة، وكذا ترسيم الحدود البحرية، إضافة إلى ازدواجية المواقف فيما يتعلق بالصحراء المغربية". وأكد محدثنا أن "من أسباب إلغاء القمة بين البلدين نجد ازدواجية موقف بعض الأحزاب المشاركة في حكومة سانشيز، بخصوص طبيعة الشراكة مع المغرب التي لا تخلو من استغلال متطرف؛ ولذلك كان من الطبيعي أن يطالب المغرب بوضوح أكبر قبل أي مفاوضات مستقبلية". وشدد الخبير القانوني على أن "المغرب له أكثر من ورقة للمطالبة بشروط الندية في المعاملات السياسية والتجارية وآفاق الملفات الشائكة، ومنها تطور خطابات الأحزاب المشاركة في الحكومة الإسبانية؛ فما عبرت عنه إسبانيا من مواقف عقب الاعتراف الأمريكي صيغت من محبرة الأحزاب المعادية للمغرب التي تدبر مفاوضات القمة بين البلدين". وخلص الباحث السياسي المتخصص في شؤون الصحراء إلى أن تلك التنظيمات السياسية "تريد مواصلة الاستغلال الاقتصادي للمغرب، فيما تنهشه سياسيا"، خاتما بالقول: "لذلك، من الطبيعي أن يعاود المغرب تدقيق جدول أعماله وفق المواقف العدائية الإسبانية، وأن يطلب توضيحات حول مواقفها السياسية قبل الانخراط في أي مفاوضات مستقبلية".