لمْ يكنْ بشار الأسد، أولَ زعيمٍ عربيٍّ يعلقُ بواعثَ انتفاضات تعمُّ بلاده على مشجب القاعدة وجهات خارجيَّة تحوك مؤامرة في الخفاء، رغمَ أنَّ الوضعَ السياسيَّ بالبلد يزكِّي من حيث المبدأ، أيَّ صوت يخرجُ صادحاً بشعار التغيير، في ظلِّ نهج سياسة الحزب الوحيد، وتنصيص المادة الثامنة من الدستور السوري الذي تم تعديله، على أن حزب البعث قائدٌ للدولة والمجتمع. مضي الوقت، وعجز المجتمع الدولي عن التدخل لحماية المدنيين رغم تجاوز عدد قتلى الثورة السورية لمائة ألف، وجرح مئات الآلاف، ونزوح أزيد من أربعة ملايين سوري، أمورٌ قادت وفقَ ما يذهبُ إليه الباحث، طوماس بيريت، إلى جعل الجهاديين، ومن يقاتلون في سوريا من منطلق السعي إلى الإطاحة بنظام "رافضي"، المساندين الوحيدين للشعب السوري، قبلَ أن يحيدُوا عن المبادئ التِي أسسُوا قتالهم بالاستنادِ إليها بادئَ الأمر. هلْ يمكنُ القول إنَّ حلمَ بشَّار الأسد آخذٌ في التحقق مع إعلانِ جبهة النصرة، الشديدة في محاربتِها لبشار الأسد، ولاءَها لتنظيم القاعدة، الذِي ظلَّ الأسد يتشدقُ به في جميع خطاباتهَ، مؤكداً أنَّ معارضيهِ لا يعدونَ كونهم جماعةَ إرهابيين. لا شكَّ أنَّ الغبطة ألفت سبيلاً إلى الأسد، وقد أعلنت جبهة النصرة أمسِ الثلاثاء، مبايعتهَا لزعيمَ تنظيم القاعدة، أيمن الظواهِري، ونفيهَا لإعلان الفرع العراقِي للتنظيم، انضواءَهُمَا تحت لواءٍ واحد. تشكلت جبهةُ النُّصرة في أبريل من عام 2011، بعدمَا قرر بشار الأسد إطلاق سراح معظمِ الجهاديين السوريين، حيثُ شرعت جبهة النصرة في تسديد ضربات موجعة لمصالح النظام السوري، دون التوجس كثيراً لأمر المدنيين. بيدَ أنَّ جماعة الجهاديين دخلتْ شيئا فشيئا إلى حرب العصابات. بعدما حظيت بتقدير السكان المحليِّين في سورية، على نحوٍ أذكى جذوة الحماس لدَى مقاتلِيها، فكيفَ تحولت إذن إلى الراديكياليَّة؟ بالنسبة إلَى طوماس بيريت، المحاضر في الإسلام المعاصر بجامعة أودنبرغ، فإنَّ عدم تحرك المجتمع الدولِي إزاء ما كان يحصلُ في سوريَا هوَ الذِي أوجدَ مكاناً للجهاديين وساعدَ على توسعهم في البلد، بحيث أنَّ الشعب السورِي ظلَّ لمدة عامين كاملين يقَتَّلُ بالطائرات وصواريخ السكود، دون أن يكترثَ العالم، لأنهُ ما عدَا الجهاديين، قلةٌ هم الناس الذين أبدوا ويبدون رغبة في إعانة الشعب السورِي في أزمته. طبيعةُ جبهة النصرة تغيرت في منتصف عام 2012، مع تسجيل وصول المئات من المقاتلين الأجانب، سيمَا من العراق المحاذِية حدوده لسورية، رغبةً في الجهاد ضدَّ بشار الأسد ونظامه. مقاتلون أجانب بعدمَا أصبح الجهاديُّون في سوريَا يمثِّلون ثلثي المقاتلين، وضعَ المقاتلون الأجانب نصبَ أعينهم هدفاً جديدا إلى جانبِ إسقاط النظام العلوي، المتهم بقتل المسلمين السنة، يوضح ماتيو كيدار، المحاضر في شؤون الجماعات الإسلاميَّة، بجامعة تولوز لوميرايْ. بحيث أنَّ الإيديلوجيَّة الجهاديَّة لدَى المقاتلين السوريين الأوائل تحولت شيئا فشيئاً إلى ايديلوجيَّة استشهاديَّة. مما جعلَ الملفَّ السورِي ينتقلُ من صبغته الوطنيَّة ليَكتسيَ طابعاً إقليمياً. التقارب مع النهج الإسلامِي يتجلى مع الاختطاف والإعدام وسط جموع الناس، والهجمات الانتحاريَّة المحددة والمنسقة. حتَّى أصبحت جبهة النصرة تطبق بشكل كامل تقريباً تكتيكات القاعدة، التي اشتغلت بها في العراق منذُ 2004، كما يوضحُ ماتيو غيدار. التحول المذكور، لاحظتهُ الولاياتالمتحدة، وقررت على إثره إدراجَ جبهة النصرة، شهرَ ديسمبر المنصرم، في اللائحة السوداء للمنظمات الإرهابيَّة، باعتبارهَا تنظيمًا منبثقاً عن تنظيم القاعدة، وحاملاً لفكره. دولة إسلاميَّة رغم الخلافات التِي قد تكون بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، فإنَّ ما يوحِّدُ التنظيمين هو حلمُ رؤية سورية دولة إسلاميَّة، بحيث أعرب زعيم تنظيم القاعدة بالعراق في كلمة له، عن أملهِ في أن تُحكمَ سورية بالشريعة الإسلاميّة"، قائلاً إِنَّ الديمقراطية لا ينبغِي أن تكون بديلاً بعدمَا مات الآلاف منكم" في مخاطبته السوريين. مسؤول القاعدة، دعَا الجهاديين، يوم الأحد الماضِي، في رسالة صوتية بثت على الانترنت، إلى التوحد ضدَّ نظام بشار الأسد وحلفائه، ممثلين في إيران وحزب الله. المعارضة.. أكبرُ الضحَايَا وفِي الوقت الذِي تتحالفُ فيه جبهة النصرة مع القاعدة، ومعلومٌ أنَّ التنظيمين، شأنَ حركات إسلامية أخرة كالإخوان، تحدوهُمَا رغبةٌ لبناء دولة تمتحُ قوانينها من الشريعة، يبدُو أنَّ الائتلافَ الوطنِيَّ السورِي، الذِي لا يضمُّ جهاديين في صفوفه، سيدفعُ الثَّمنَ غالياً، بسبب الولاء الجديد لجبهة النصرة.