لم يعد ل"حركة إلى الأمام" اليسارية أي وجود على أرض الواقع، بعد انتصار النظام العريق في المغرب على كافة المناورات. وكان الرابح الأخير هو المغاربة، بعد أن اختار ملك البلاد الإقدام على تجربة شجاعة سميت ب"الإنصاف والمصالحة"؛ بل إن واحدا من زعماء الحركة المذكورة، وهو الراحل إدريس بنزكري، أشرف بنفسه على تنزيل إحدى أقوى تجارب العدالة الانتقالية في العالم على أرض الواقع، لأنه عندما يتعلق الأمر بالوطن تهون الجراح. لذلك، قال الراحل بنزكري، في حوار صحافي: "نشعر دائماً بأن الجرح لم يندمل؛ لكنه ليس شيئا يفسدنا من الداخل". وبغض النظر عن تكلفة "الإنصاف والمصالحة" من الناحيتين المادية والمعنوية، فإن الشعب المغربي، بمن فيه من انقلابيين سابقين ومتمردين قدامى، اختار فتح صفحة جديدة لعهد جديد. وكان الغرض من هذا الاختيار هو فسح المجال لتحقيق أكبر قدر من التنمية. وقد نجحت الخطة فعلا، بعد اندماج عدد كبير مما تبقى من قوى اليسار في مشروع الانتقال الديمقراطي.. شريط الأحداث كان فعلا مؤلما ومحزنا؛ ولكن الوطن خرج سليما معافى. وإذا كانت هناك بعض الأعطاب فإنها لا تعني بالضرورة المطالبة بهدم المعبد على رؤوس من فيه؛ فقد التقت دماء الشهداء وقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير وأبطال المسيرة الخضراء والشجعان والسياسيين الجادين والتافهين وغير المشاركين في السياسة في خلطة واحدة من أجل مغرب المستقبل؛ لأن العودة إلى الوراء من باب "حركة إلى الأمام" لن يكون سوى إهانة جماعية ل"ذاكرة وطن"، لأن ما تبقى من خلايا فكرية محسوبة على هذا النوع من التفكير البائد هي المجموعات التي تطبل بشكل جنوني خارج الإجماع الوطني.. وإلا فما معنى أن يقول حزب لا يتعدى عدد أعضائه عدد المنخرطين في صالة رياضية إنهم يقفون إلى جانب "البوليساريو" في المطالبة بحق تقرير المصير، وكأن تقرير المصير يعني حتما القبول بالاستفتاء، وهي نظرية غير صحيحة لأن أشكال تقرير المصير متعددة.. "حركة إلى الأمام" انتهت عمليا بعد أن أصبح المغرب كله ذاهبا نحو الأمام؛ بينما أصبح بعض رموز الحركة البائدة يدعون إلى الرجوع إلى الوراء، لتحقيق مجد زائف على حساب شباب اليوم الذين لا يعرفون حقيقة منظمة سعت إلى إسقاط النظام في وقت من الأوقات.. والغريب في معضلة "العائدين إلى الوراء" هو أنها تتزامن مع "معضلة البوليساريو" التي باتت تواجه استنكارا دوليا غير مسبوق، ومجموعة من الدعوات العالمية التي تطالبها بالتخلي عن السلاح والقبول بمقترح الحكم الذاتي، اللهم بعض الأصوات النشاز على المستوى العالمي من المنتسبين إلى حركة "خصوم المغرب" سواء كانوا مغاربة أو أجانب. وقد يتفهم المرء دعوة مستشار سابق للرئيس الأمريكي، طرده دونالد ترامب بشكل مهين، إلى التراجع عن موقف الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؛ لكن أن يروج مسؤول يدعي أنه مغربي، في الأممالمتحدة، لسنوات الرصاص من جديد، باعتباره عضوا سابقا في "حركة إلى الأمام".. فالأكيد أنه جنون شبيه بجنون "البوليساريو" الذين يواصلون "الحرب من طرف واحد" في مواجهة الجيش الملكي المغربي المرابض بشجاعة كبيرة عند الحدود، بهدف تأمينها بالصرامة المطلوبة.. لا شك في أن بعض رموز "حركة إلى الأمام" يريدون تحويلها إلى حركة إلى الوراء، من أجل جر الدولة إلى استعمال أسلوب الأمس كردة فعل. وتدخل في هذا السياق تصريحات عضو سابق في الحركة جر عليه نقمة المجتمع الدولي، باعتباره موظفا دبلوماسيا في الأممالمتحدة محسوبا على المغرب وعلى منظمة إلى الأمام (..)