فجأة، طويت جميع الملفات لفسح المجال أمام عودة حميد شباط، النقابي الذي بنى مجده السياسي على النضال النقابي إلى جانب الشغيلة، وهو الزعيم الحزبي الوحيد في المغرب الذي جمع بين رئاسة حزب ونقابته، قبل أن يسقط بشكل شمولي من عمودية فاس، ومن رئاسة النقابة، والأمانة العامة لحزب الاستقلال؛ لأن ما بني بشكل شمولي يسقط بصفة شمولية.. فماذا حدث حتى يتم استدعاء صفحة جديدة من كتاب شباط بعدما طويت صفحته بشكل مثير للجدل؟. صحيح أن شباط سقط انتخابيا وتنظيميا، ولكنه لم يسقط شعبيا، على الأقل في مدينة فاس، حيث كانت وصفته الشعبوية مفتاحا لحل كثير من المشاكل، وإطفاء كثير من الحرائق السياسية، على الرغم من أن شخصيته تجمع كثيرا من المتناقضات، شأنه شأن شهر شباط، المعروف بطقسه متقلب المزاج، بين تساقط الأمطار وارتفاع درجة الحرارة، وقد قال العرب قديما: "مثل شباط.. ما على كلامه رباط". المؤكد أن عملية عودة شباط سبقتها عملية تسوية الأرض أمامه، على الأقل داخل حزب الاستقلال، وإلا كيف يمكن أن نفهم انحناءة حمدي ولد الرشيد أمام شباط؟ على الرغم من ما بذله الأول خلال المؤتمر السابع عشر للحزب، من أجل إلحاق الهزيمة بالأمين العام لحزب "الميزان"، ليكون فريسة سهلة أمام نزار بركة، ذي الطباع الهادئة والبعيد دائما عن المواجهة السياسية. إن عودة شباط، سواء كانت فكرة من داخل حزب الاستقلال أو من خارجه..، تسائل الواقع السياسي في المغرب؛ فإذا كان الحزب في حاجة إلى حميد، لماذا تم التصويت ضده في مؤتمر عام، في عز وقوف شباط ضد التيار الجارف الذي جعل من مجرد تصريح تاريخي عادي عن موريتانيا صك اتهام لهدم واحد من كبار رموز الشعبوية السياسية في المغرب؟. هل نحن في حاجة إلى "الشباطيين" من أجل تنشيط الحياة السياسية؟ هل يعقل عدم وجود حزب بديل لحزب العدالة والتنمية؟ على الرغم من السقوط المدوي لهذا الأخير في هوة عميقة بين الخطاب والممارسة.. لا شيء مؤكد، حتى الآن، في غياب الإعلان عن تاريخ الانتخابات المقبلة وفي غياب لوائح المرشحين..، ولكن أغلب الظن أن شباط لن يعود من أجل لا شيء.. إن أقل ما يمكن أن تحدثه رياح شباط هو إعادة تحريك ما يسميه "باب العزيزية"، وقد يهدم المعبد على رأس الجميع، وهو نفسه يعرف خطورة شعبويته. لذلك، فهو مختبئ، إلى حدود اليوم، وراء جدار الامتناع عن الكلام المباح، وبه وجب الإعلام، في انتظار الصباح.