من أغرب ما تابعته مؤخرا أن الخلافات الأخيرة التي حالت دونما استكمال تشكيلة حكومة بنيامين نتانياهو إلا بعد مشاورات عسيرة و مفاوضات مارطونية هي التفاوض حول وزارة التربية و التعليم، فحسب ما أكدته هذه المفاوضات فإن وزارة التربية والتعليم في الكيان الصهيوني تعتبر من بين الوزارات السيادية ومن بين الوزارات المهمة التي تعرف تجاذبات سياسية بين الفرقاء السياسيين الإسرائيليين للظفر بها، وعليه إذا كانت الوزارة السيادية الأولى في عالمنا العربي والتي يسيل لها لعاب سياسيينا هي بالتأكيد وزارة الداخلية والتي تعتبر بحق من أنجح الوزارات على الإطلاق فإن ما أفرزته التجاذبات السياسية الأخيرة في إسرائيل حول هذه الوزارة يؤكد بالملموس أن هناك موقعا استراتيجيا وحيويا تمثله هذه الوزارة داخل الكيان الصهيوني الذي يبدو أنه يولي لهذه الوزارة القدر الكبير من الاهتمام والرعاية بل ويقوم بالتمويل السخي من أجل ازدهارها وتطورها. وسواء كان الطابع التعليمي داخل الكيان الصهيوني محكوما بخلفيته الصهيونية العنصرية، وسواء استحكمت في توجهاته النظرة العدائية ضد العرب فإن ما حققته هذه المنظومة التعليمية من تفوق علمي و تقني يضعنا في مفارقة حقيقية أمام منظومتنا التعليمية في العالم العربي التي لازالت تتخبط في مشاكلها البنيوية المستعصية التي يغذيها غياب سياسة تعليمية واضحة المعالم يطبعها التميز و الخصوصية، وللإشارة إلى هذا العطب المزمن داخل منظومتنا التعليمية لابد من معرفة التصنيف الذي تحتله جامعاتنا العربية والإسلامية بين جامعات دول العالم لنقف على الوضعية المخجلة التي تحتلها هذه الجامعات في سلم الترتيب، وهذا الأمر هو ما يجعلنا نعيد المرة تلوى الأخرى الحديث عن نسبة الميزانية الإجمالية المخصصة للبحث العلمي داخل العالم العربي و الإسلامي، وأيضا الحديث عن عدد المختبرات العلمية المتخصصة التي تتوفر عليها كل دولة عربية وإسلامية على حدى، وبالتالي الحديث عن المساهمة الفعلية للأطر العلمية العربية و الإسلامية في التراكم المعرفي و العلمي الذي يشهده العالم. إن الإشارة إلى مخاض تشكيل الحكومة الإسرائيلية الصهيونية الأخيرة والجدل حول من سيتولى وزارة التربية والتعليم باعتبارها وزارة سيادية يضعنا في صلب الدور المحوري و الاستراتيجي الذي تحتله هذه الوزارة أو بعبارة أخرى هذه المنظومة في تشكيل المجتمعات وفي ازدهارها أو تخلفها، فالتعليم كما يذهب إلى ذلك جميع المهتمين والمعنيين بشأن التربية و التعليم هو عصب التنمية والتطور، وهو العامل المهم في كشف الطاقات المبدعة و سبر مكنونات المجتمعات المفعمة بالحيوية والنشاط، وهو أيضا التعليم المحرك القوي لعجلة التاريخ والعمود الفقري لأية تنمية مجتمعية حقيقية تروم الانعتاق من التبعية والتحرر من التخلف، وفي هذا الصدد يطرح سؤال جوهري وهو هل تشكل بالفعل وزارة التربية و التعليم في مجالنا العربي و الإسلامي الأولوية الأولى لصناع القرار السياسي الهادف لتكريس الوعي بالانتماء لأمة اقرأ التي تتخبط منظومتها التعليمية في الاجترار الممل وفي اقتباس المناهج التعليمية المستهلكة، وأيضا لتجديد الوعي بأهمية التغيير الذي ترنو إليه الشعوب العربية و الإسلامية!؟ ولن يكون بالطبع من سبيل لتكريس الوعي بالانتماء ولتجديد الوعي بالتغيير دون تعليم متجدد ومتنور تعطى له الأسبقية القصوى وتمنح له كل الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة للنهوض به من واقعه الميئوس منه اليوم حيث غياب المصداقية وتدهور البعد المعرفي والتربوي، وذلك من أجل تطويره ليكون في مستوى التحديات التي لاتحدق بمنظومتنا التعليمية فحسب بل تحدق بوجودنا كأمة ذات رسالة خالدة، ولن يتم ذلك إلا من خلال ايلاء وزارة التربية والتعليم الأهمية التي تستحقها وخاصة إذا علمنا مركزية التربية السليمة و التعليم العصري والمنفتح على سوق الشغل في بناء المجتمعات المتحضرة وفي تحقيق الأمن الروحي و الثقافي والمعرفي لدى الشعوب والأمم، وعليه وجب أن نعيد النظر إلى واقع منظومتنا التربوية و التعليمية بالمغرب التي تعرف تدهورا خطيرا تؤشر على ذلك غياب إستراتيجية حكومية واضحة المعالم تقف ضد التسيب والارتجالية التي تطبع المناهج التعليمية وأيضا للوقوف ضد مجموعة من السلوكيات و الاختلالات والتي يجسدها بوضوح غياب الضمير المهني لدى شريحة كبيرة من رجال التعليم الذين تملصوا بكل تأكيد من مشروع بناء المواطن المغربي والمساهمة في إغناء الوعي المغربي.. فمتى تصبح وزارة التربية الوطنية عندنا في المغرب وزارة سيادية!! كاتب مغربي [email protected]