هل كان مجرد تصريح عابر أن يدلي المستشار القانوني لحكومة الكيان الصهيوني للإذاعة الصهيونية بكلام يعتبر فيه أن المسجد الأقصى المبارك هو جزء لا يتجزأ من أراضي الكيان الصهيوني، وأن قانون دولة الغصب الصهيوني ينطبق عليه خاصة قانون الآثار وقانون التنظيم والبناء؟ وهل كان اختيار توقيت الإدلاء بهذا التصريح خارج التقدير السياسي والاستراتيجي؟ أم أن هذا المستشار الصهيوني اختار التوقيت المناسب للتعبير عن موقف صهيوني له ما وراءه؟ مستبعد أن يكون هذا التصريح في هذا التوقيت بالذات مجرد خرجة إعلامية تروم التذكير بما تسميه دولة الغصب الصهيوني «سيادة إسرائيلية» على القدس، وإلا فإن تحقيق هذا الهدف لا يستدعي بالضرورة التأكيد على شمول القانون الصهيوني لأراضي بيت المقدس، وبخاصة قانون الآثار وقانون البناء والتنظيم والتعمير، كما أن تحقيق هذا الهدف الإعلامي لا يستدعي أن يعمم الصهيوني فاينشتاين تصريحه على المستشارين القضائيين في الشرطة وسلطة الآثار وبلدية الاحتلال الشهر الماضي. الخطوة واضحة في دلالاتها، وهي هذه المرة لا تعكس مجرد مماحكات في المشهد السياسي الصهيوني، وإنما هي سياسة «إجماع للطيف الصهيوني» تروم مصادرة صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في الحرم القدسي، واستثمار اللحظة الدولية لتحقيق مكاسب حقيقية تصب في رصيد سياسة التهويد والاستيطان الصهيوني في القدس الشريف، والتمهيد لإجراءات وتدابير جديدة ربما تكون أكثر جرأة فيما يتعلق بمواصلة أعمال الحفر في التلة المؤدية لباب المغاربة قصد تهويدها و بناء جسر بديل بدعوى التنقيب على آثار يهودية تقوي المزاعم الصهيونية في إثبات يهودية الأقصى. فخلافا للتقديرات التي ترى أن الكيان الصهيوني دخل مرحلة الصمت بعد الربيع العربي، وبعد التجاذب الدولي حول الوضع في سوريا، فهو اليوم يحاول أن يستثمر اللحظة الدولية ليقر بسياسة الأمر الواقع في القدس، ويمضي في مسلسل التهويد وتنفيذ الأحلام الصهيونية المرتبطة بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم. معنى ذلك، أن خطورة هذه التصريحات الصهيونية في هذا التوقيت بالذات لم تعد تستدعي فقط مواقف الإدانة العربية، والنداءات الموجهة للمنتظم الدولي للتحرك من أجل وقف انتهاك حرمة الأماكن المقدسة. مطلوب اليوم أن نستوعب دلالة هذه التصريحات في هذا التوقيت بالذات، ومعرفة النوايا الصهيونية الثاوية خلفها، والتدابير التي يعتزم القيام بها بعد توسع مسلسل الاستيطان في القدس، وأن يتم الانتقال من مواقف الإدانة إلى خطة عربية إسلامية فاعلة للضغط على الكيان الصهيوني ومحاصرته سياسيا واقتصاديا وإعلاميا: خطة قوية تلجئ المنتظم الدولي للتفاعل مع الحقوق العربية الإسلامية المشروعة، وفي مقدمتها حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وإيقاف مسلسل التهويد والاستيطان. لقد كانت لتجربة الضغط الحقوقي والإنساني الذي مارسه نشطاء لحقوق الإنسان في العالم الدور البالغ في محاصرة الكيان الصهيوني وإلجاء المنتظم الدولي إلى الضغط عليه من أجل إنهاء الحصار على قطاع غزة، في حين لم تنفع النداءات المتكررة والمطالبات من المنتظم الدولي بوقف مسلسل التهويد والاستيطان وأعمال الحفر في القدس. إن الدبلوماسية العربية والإسلامية اليوم، لاسيما بعد الربيع العربي، أصبحت مدعوة إلى إعادة صياغة مفرداتها في التعامل مع مثل هذه القضايا، والمضي نحو دينامية أكبر من خلال تفعيل التنسيق العربي الإسلامي والرفع من فاعلية الأداء الدبلوماسي، واعتماد مبادرات قوية لا تقل قوة عن الحراك الدبلوماسي العربي الضاغط على سوريا، وذلك باعتماد كل الإمكانات والفرص المتاحة للضغط على الكيان الصهيوني لإيقاف مسلسل التهويد والاستيطان في القدس. أمام الدول العربية و الإسلامية أوراق كثيرة، يمكن الاشتغال عليها، غير ورقة التنديد والإدانة، ومنها وفي مقدمتها ورقة وقف التطبيع بجميع أشكاله الثقافي والعلمي والسياسي والتجاري والاقتصادي والفني، وإنتاج مبادرة متكاملة لمحاصرة الكيان الصهيوني وعزله وإلجاء المجتمع الدولي للتفاعل مع المطالب الفلسطينية العربية الإسلامية، والتأكيد على أن ضمان مصالحه في الوطن العربي والإسلامي رهينة بفك الارتباط مع خدمة المصالح الصهيونية..