طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد رامي : بعد المحاولتين الانقلابيتين لم يعد القصر يثق في الأمازيغ
نشر في هسبريس يوم 07 - 07 - 2008

ولد بتافراوت أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، دخل الكلية العسكرية بمكناس سنة 1966 واضعا نصب عينيه تأسيس خلية للضباط الأحرار داخل الجيش المغربي، شارك في المحاولتين الإنقلابيتين ضد الحسن الثاني سنة 71 و72، كان الوحيد الذي استطاع الفرار، انتهى به الأمر بدولة السويد، أسس بها راديو الإسلام الذي أثار ضجة كبرى، ومنها يتابع أحوال المغرب من بعيد، إنه الضابط الإنقلابي أحمد رامي الذي خص موقع تمازغا بريس
غادرت المغرب ولم يغادرني المغرب
أنا من كان وراء تغيير أفكار وقناعات الجنرال أوفقير
بعد المحاولتين الانقلابيتين لم يعد القصر يثق في الأمازيغ
أحلم بوحدة عربية أو إسلامية كما يحلم الأوربي بالوحدة الأوربية
أنت في السويد منذ المحاولة الانقلابية الثانية، ماهو وضعك هناك وماهي انشغالاتك؟
منذ مغادرتي المغرب ووصولي إلى السويد وأنا أعمل في الميدان الإعلامي، حيث أسست إذاعة وأصدرت عدة كتب عن المغرب وعن القضية الفلسطينية وعن السيطرة اليهودية على البلدان الغربية سياسيا وإعلاميا وإقتصاديا. كتبي ترجمت إلى الألمانية وإلى الروسية والفرنسية والسويدية والإنحليزية، وآخر كتاب صدر لي أخيرا كان باللغة السويدية عنوانه "الأفكار الممنوعة". وبسبب انتقادي لإسرائيل رفع علي اليهود هنا دعوى "قضائية" حكم علي إثرها بستة أشهر سجنا نافذة. ويبقى المغرب وهمومه هو شغلي الأساسي الشاغل، فقد غادرت المغرب ولم يغادرني المغرب.
ما هي مقارنتكم لفترتي حكم الحسن الثاني ومحمد السادس أي ماهو وجه الشبه وما هو التغيير الحاصل؟
في اعتقادي ليس هناك أي جديد جوهري بين العهدين. فالمخزن بنفس العملاء وبنفس العائلات هو الحاكم والمتصرف، ندور في حلقات تاريخية مفرغة غارقين في الفساد والتقهقر المستمر، بينما العالم من حولنا يتغير ويتقدم. حتى شعوب موريتانيا والسنغال والنبال حصلت على حق تقرير مصيرها وعلى حق تقرير شؤونها بنفسها. لكن عندنا في المغرب، جوهر المشكل هو أن رئيس الدولة هو الذي يستحوذ على جميع السلط ويقرر مصيرنا. بقانون الغاب- الذي يسمي عندنا دستورا - يستحوذ رئيس الدولة مدى الحياة على سلطة التحكم في كل الوزارات "السيادية" التي تتكون منها الدولة، ولا يبقى "للحكومة المنتخبة" سوى جزء سخيف لتسيير بقية الإدارة طبقا لتعليمات رئيس الدولة. فما فائدة "الأحزاب" و" الانتخابات" و"البرلمان" و"الحكومة" في المغرب إذا كان رئيس الدولة وسلطاته هو السلطة المطلقة العليا "المقدسة" التي لا يسمح بتغييرها ولا حتى بانتقادها ؟
هل كان يمكن أن تقام هناك ديمقراطية؟ مثلا في فرنسا لو قيل لساركوزي - بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية - أن شيراك وأسرته ومستشاريه هم - وبالوراثة - من لهم السلطة المطلقة في التعيين في وزارات الدفاع والداخلية ...الخ.
فعوض أن نناقش قشور المشاكل - كما يراد منا الآن- لابد لنا، للخروج من الوضع المتفجر الراهن، من التطرق للأسباب الجوهرية وراء الحالة المخجلة التي نعاني منها الآن. إن التغيير الشكلي الوحيد الذي حصل في فترة محمد السادس، مقارنة بفترة أبيه، هو أنه أصبح للمستشارين وللمنفذين نفوذا أكبر اليوم بحيث أصبحنا لا نعرف بوجه التحديد من الذي يتخذ القرارات فعليا خارجيا وداخليا، ومن الذي يكتب الخطب ويحدد سياسة المخزن، أي أننا لا نعرف بالضبط من الذي يحكم باسم رئيس الدولة.
سبق لك أن كتبت رسالة إلى محمد السادس ما هي مضامينها ولماذا إلى محمد السادس؟
لقد كتبت إليه تلك الرسالة بعد توليه الحكم (وهي منشورة كاملة في موقعي الالكتروني الشخصي) محاولة مني لإسداء النصيحة، وملخص ما قلت فيها هو: إن في مقدمة مفاهيم ومعايير الدول الحية المحترمة، أن يكون نظام الحكم فيها مبنيا على المشروعية لا على القوة، وأن يكون استقرارها راسيا على قوة القانون لا على قانون القوة والقهر، وأن يكون دستورها مصاغا من القيم الروحية الثابتة للأمة، وأن تكوّن عزتها مستمدة من عزة مواطنيها، لا من مظاهر العبودية البالية كتقبيل الأيدي والركوع لغير الله وممارسة النفاق... إن عظمة القادة والزعماء لا تقاس ولاسيما في هذا العصر بعظمة قصورهم ولا بعدد عبيدهم، ولا حتى بأحجام دولهم أو ثرواتهم، ولكنها تقاس بعظمة إنجازاتهم في خدمة شعوبهم، وبمدى قدرتهم على صنع التحولات وخلق المبادرات الإيجابية، ترجمة لأشواق شعوبهم، ومواكبة لإيقاع التطور... قانون الله الأزلي، والتزاما بقيم العصر الذي ينتمون له. أناشدكم عبر هذا الخطاب بألا تدعوا هذه المناسبة السانحة تفلت كما فلت غيرها وضاع هدرا من قبل، وأن تغتنموا المناخات المواتية داخليا وخارجيا، للقيام بتغيير جذري يتجاوز الشكليات والمظاهر، وينفذ إلى صميم الأوضاع والهياكل والمؤسسات والبنيات الاجتماعية والإدارية والاقتصادية والسياسية، بما يحقق لشعبنا طموحاته الإنسانية والوطنية المشروعة للارتقاء إلى سدة المجد على أسمى معارجه، معراج التغييرات والإنجازات والأهداف التاريخية الكبيرة التي ظل معظمها موقوفا ومعطلا منذ فجر الاستقلال، وظلت طلائع جماهيرنا تضحي من أجل بلوغها بلا يأس. لذلك فلابد من تصويبها وتطويرها وتعميقها. إني أعتقد أنه رغم أنكم غير مسؤولين شخصيا عن تركة الماضي الثقيلة، ولا تتحملون مسؤولية الأوضاع المعقدة الموروثة، فإنكم ستكونون بحكم طبائع الأمور مسؤولين عن التقصير في التصدي لها، وستكونون مسؤولين أمام التاريخ والأمة عن أي تباطؤ أو تقصير في العمل على إنقاذ الوطن. إن مهمات الإصلاح التي ألقتها الأقدار على كاهلكم، وينتظرها المغاربة منكم في هذه البرهة التاريخية، يمكن تحديدها بأربع مهام هي:
الأولى: تحديث الشرعية: إن شرعية الحكم في أي بلد ليست مطلقة ولا أبدية ولا وراثية، ولكنها بحاجة لتجديد مستمر في ضوء التطور والحاجة. وبالنسبة للمغرب، وإن هي اليوم تستند إلى مرجعيات أجنبية ويهودية ومعطيات الأمر الواقع وقانون الغاب لكنها من المنظور الإسلامي مشروطة بالوفاء بالالتزام بثوابت الأمة الدينية ووظائفها الاجتماعية بما في ذلك توفر عنصر تمثيلية إرادة الأمة والشورة والرضائية بين الحاكم والشعب ومرتبطة بمبدأ التأييد الشعبي الذي يعتبر ترجمة معاصرة للرضائية من خلال الانتخابات الحرة المباشرة. وفي إطار القواعد التي تحدد شرعية الحكومات في هذا العصر فليس بإمكاننا تجاهل التمثيلية والرضائية إتكاءًا على مبدأ أصبح الغموض يكتنف مبناه ومعناه على حد سواء. إن نظام الحكم في بلادنا مدعو لتحديث ذاته وتجديد عقود شراكته الشعبية، اتساقا مع روح العصر وروح الإسلام في آن واحد.
الثانية: إن الوضع الاجتماعي في المغرب كما لا يخفى عليكم، يعد الأسوأ على مستوى المنطقة والعالم العربي وربما أوسع من ذلك، وهو الأزمة الأخطر في بلادنا نظرا لارتفاع معدلات البطالة، وتفشي الأمية واتساع الفجوة بين القلة الغنية والأغلبية الفقيرة. وكأنه لا يكفي ما يولده الفقر من رزايا وبلايا، حتى جاءنا الفساد الإداري والسياسي بالكثير من أشكال الفساد وألوانه، إلى درجة أنه أضحى سرطانا خبيثا يفتك بمجتمعنا، ويهدد أركانه وأركان الدولة ما لم تتدخل إرادة الإصلاح بسرعة وحزم وحسم لمعالجة الوضع. والواقع أن الأزمات الاجتماعية باتت أولوية الأولويات، لأنه في كنفها لم يعد ثمة فائدة ترتجى من أي إجراءات ديمقراطية، أو محاولات لتوسيع المشاركة الشعبية وتفعيل المجتمع المدني. ولذلك فلا بد من البدء بإصلاح هذه الأوضاع، إصلاحا جذريا ينحو منحى الثورة لتغيير الخريطة الاجتماعية وتعديل تضاريسها وتشكيلاتها، وتقليص الفجوة الطبقية، ومكافحة الفساد، وإعادة بناء الأواصر التي تربط بين المواطن وبلده وبين الحاكم والمحكوم، وبين الإدارة والمجتمع، وبين الفئات الاجتماعية بعضها بعضا... كل ذلك قبل إجراء أي انتخابات، أو إصدار تشريعات جديدة لتنظيم الممارسات والأنشطة النقابية والبلدية والمحلية والحزبية والديمقراطية... الخ. لقد أدت الرزايا السابقة لتحويل الشعب المغربي إلى أسراب من المهاجرين، وأمواج من اللاجئين الباحثين عن أي بلد آخر ليعيشوا فيه متخلين عن جذورهم وانتمائهم في وطنهم الأصلي. ولا يعقل أن تصبح صورة الشباب المغربي الذي يشكل ثلاثة أرباع إجمالي سكانه على ذلك النحو.
الثالثة: الإصلاح السياسي. إن النظام السياسي المغربي بحاجة ماسة، لإعادة هيكلة وبناء على أسس ثوابتنا الدينية الراسخة تأهيلا له لمواكبة التطورات العالمية العصرية في هذا المضمار بالتحديد. والتحدي الذي يواجهكم يتمثل في القدرة على إبداء المرونة والانفتاح واكتساب القيم العصرية الخيرة من الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الشفافية وترسيخ منهج التعددية السياسية وتداول السلطة وتفعيل المشاركة وتوطيد مقومات ومكونات المجتمع المدني. وإنني لواثق تمام الثقة بأهلية شعبنا المغربي ليس لاستقبال هذه الإصلاحات وحسب، ولكن بجدارته بها وحقه الطبيعي فيها، وبمقدرته على التفاعل الخلاق معها ومع مستتبعاتها.
الرابعة: إني أؤمن أن لبلدنا العزيز دورا إسلاميا وعربيا وإفريقيا وعالميا رائدا وعليه مسؤوليات جسام تنبع من أهليته وجدارته وإمكانياته وتاريخه الناصع في تلك الدوائر. ولكن هذا الدور يظل قاصرا بسبب تلك الأزمات وعوامل الانحطاط والضعف التي تعتري المغرب دولة ونظاما ومجتمعا. بيد أن معالجتها وإصلاحها وتوفير شروط التحديث بمقدورها أن تمنح المغرب منزلة عالية على المصاف الدولي وتؤهله لدور أكبر وأعظم مما عليه الآن، يليق به. إذ لا يمكن لنا جميعا أن نقف متفرجين أو حتى أن نكون لاعبين ثانويين إزاء التحديات والاستحقاقات التاريخية الحاسمة التي تمر بها أمتنا الإسلامية والعربية حاليا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. بل لا بد من دور فاعل ومباشر في الدفاع عن الحقوق المقدسة لأمتنا، انتصارا لمبادئ الحق، وانحيازا واعيا لجانب الأشقاء، وتحقيقا لوحدة أمتنا وكرامتها ونهضتها الشاملة.
أتضرع إلى الله أن يمن عليكم بالهداية لتحمل المسؤوليات التي ألقتها الأقدار على كاهلكم، لأن عدم النهوض بها على الوجه المرجو ينطوي على مخاطر لا حدود لها، لأن الخيبات والإحباطات التي لابد أن تنجم عن فقدان الجماهير الأمل بالتغيير والإصلاح الجذري المنشود من أجل حياة أكرم ومستقبل أفضل قد تفجر مكامن الغضب وتدفع البلاد إلى دوامة العنف التي رأينا نماذج لها في الكثير من البلدان القريبة والبعيدة. واشهد الله على أنني لا أرجو، من توجيه هذا الخطاب إليكم، جاها ولا أتوسل مغنما، ولا أبتغي مما جاء فيه غير مرضاة الله ثم مصلحة الوطن الحبيب ومصلحة شعبنا الذي عانى الكثير من عسف الإدارة الحكومية الفاسدة.
البعض يرى أنكم أفقير جديد، وتختلفون معه في وسائل الانقلاب، فهو اختار الآلة العسكرية وأنتم اخترتم القلم؟
أنا أفضل أن أسمي حدثي الصخيرات 1971 و 16 غشت 1972 ب"انتفاضة" أبناء شعبنا في قواته المسلحة. عندما يعاد كتابة تاريخ المغرب بصورة موضوعية وغير مخزنية أو إستعمارية، سيعاد الإعتبار إلى شهدائنا العظام: أعبابو، أمقران، كويرة، وأفقير، وغيرهم من الجنود المجهولين في كفاح شعبنا الطويل من أجل الحرية والكرامة. ما يسمى اليوم بعهد الرصاص لم يكن لا عهد أفقير ولا عهد كديرة ولا عهد البصري بل كان بكل بساطة عهد" الحسن الثاني" الذي لا يزال قائما بأشكال أخرى. وعهدنا الحاضر ليس عهد عالي الهمة بل هو أيضا عهد الحسن الثاني تحت وصاية أزولاي إلى أن يبلغ الوضع التحكم المطلق بلا قناع. أما عن الفرق بين الآلة العسكرية والقلم، فهو الفرق بين الفكر والعمل، بين الفكر والأداة، وكما يقول الشاعر " الرأي قبل شجاعة الشجعان". فما قيمة الفكر بدون عمل، وما قيمة عمل بدون فكر؟ إنهما عاملان متكاملان. أنا من أقنع أوفقير، بعد تعارفنا، بالانقلاب على الحسن الثاني. زوجة أفقير نفسها إعترفت في كتابها بأن أحمد رامي كان وراء تغيير أفكار وقناعات زوجها. الأمازيغي البطل الشهيد أفقير أعتبره في نفس مرتبة الشهيد الأمازيغي شيخ العرب. وهما ضحيتا نفس النظام الذي يخلق الصراعات الزائفة بين أبطال القضية الواحدة، وسيصنفهما التاريخ مستقبلا. كما أن أغلب "أبطال" النظام المغربي الحالي سيرمون في مزبلة التاريخ عندما تتاح للمغاربة أن يكتبوا تاريخ بلدهم وشعبهم ومقاومتهم وكفاحهم بأنفسهم.
هناك من يقول أن انقلاب أوفقير كان انقلاب الأمازيغ على العرش؟
إن الشعب المغربي يتكون، في أغلبيته الساحقة، من الأمازيغ. والجيش المغربي صورة مصغرة من المجتمع المغربي ومن الشعب المغربي. فأكثر من 90 بالمائة من جنوده وضباطه وضباط صفه من الأمازيغ. وهذا ما ينعكس تماما على العناصر التي صنعت إنقلابي الصخيرات و16 غشت. لكن الوثائق الفكرية التي كانت الأرضية الإيديولوجية للضباط الأحرار في ذلك الوقت كانت أساسا فلسفة "الثورة" لجمال عبد الناصر و"الميثاق" لعبد الناصر و"معالم في الطريق" لسيد قطب. أي أن ثورة عبد الناصر كانت هي القدوة والنموذج لمشروع الإطاحة بالحكم في المغرب. وكانت كتابات سيد قطب أداة لمقاومة الغزو الفكري الماركسي اليهودي لمجتمعنا. عندما سيكشف في المستقبل عن الوثائق التي إستولى عليها النظام في بيت أفقير وفي بيتي، سيكشف على أن كل الوثائق الفكرية والبيانات التي كانت ستذاع بعد نجاح الإنقلاب كانت كلها ناصرية وإسلامية. أمي وأبي -وأنا كطفل في الخمسينيات من القرن الماضي- لم نكن نتكلم أو نقرأ العربية، ولكن صورة عبد الناصر هي التي كانت تزين بيتنا في تافروات بسوس. ثورة عبد الناصر، التي أطاحت بالملكية في مصر، هي التي أعطتنا الأمل في إمكانيات التغيير وهزيمة الاستعمار وعملائه في الداخل وحركت عندنا حافز الثورة.
إذن أنت أمازيغي؟
نعم أنا أمازيغي من قبيلة تاهالا، دوار "أيتمار"، بتافراوت، بسوس، بجبال الأطلس الصغير. لكن – بعد الاحتلال الاستعماري لمناطقنا- أغلبية سكان سوس هاجروا خصوصا إلى الدار البيضاء وكذلك إلى مراكش، إلى طنجة أو إلى فاس وتازة إلخ... عندما ألتقي بأمازيغي آخر من الريف أو الأطلس المتوسط أو من الأطلس الكبير لا أفهم لهجاتهم المحلية وتصبح العربية لغتنا المشتركة لغة القران ولغة حضارتنا ولغتنا المغربية المشتركة. وأنا لا أريد أن أتقوقع في إطار العائلة أو الدوار أو القبيلة أو العنصرية والعرقية الضيقة، وأحلم بوحدة عربية أو إسلامية كما يحلم الأوربي بالوحدة الأوربية. ولكن لابد أولا من بناء مغرب موحد قوي ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا حيث الهوية مبنية على المواطنة لا على العرق.
هل مازال الأمازيغ يمثلون العمود الفقري للجيش المغربي؟
نعم لا يزال الأمازيغ يمثلون العمود الفقري في الجيش المغربي، لكن بعد المحاولات الانقلابية - في الصخيرات و16 غشت - لم يعد القصر يثق في الأمازيغ. وبعد محاولة الدليمي لم يعد يثق أيضا في العرب. فلم يبقى له سوى العناصر ذات الأصل اليهودي من الأقلية الفاسية لكن هذه العناصر في أغلبها فاسدة ويغلب عليها الجشع التجاري، وتكديس الأموال وتهريبها لحسابات سرية في الخارج تحسبا للمستقبل. عندما كنت أنا في الجيش كانت هذه العناصر موجودة أيضا هناك كأقلية صغيرة جدا لكن خصوصا في المناصب المالية. فكان المسؤول مثلا عن التموين والحسابات في سلاح المذرعات هو الكمندان بن شقرون وكان المسؤول الحقيقي في إنفاق ميزانية وزارة الدفاع هو اليهودي الكمندان بنهروش. ولكن بعد محاولة الصخيرات و16غشت ترقت هذه العناصر إلى مناصب قيادية عليا وأصبح الجنرال بناني مثلا في موقعه القيادي الحالي. عندما كان أفقير يسمع كل هذه الأسماء، كان يسألني "واش حنا في الجيش ولا في القيسارية؟"! في الجيش أيضا -كما هو الحال في عامة المغرب- أصبح هناك الآن أغلبية فقيرة من المغاربة وأقلية من اللصوص يلتفون حول الحكم الفردي الذي لم يعد له للإعتماد عليه في سبيل البقاء سوى أقلية من الأقلية الفاسية واليهودية ومن كبار اللصوص. والحكومة الحالية مكونة من عناصر أغلبها قادمة من هذه الشبكات العائلية الفاسية الطفيلية التي احتكرت وتوارثت الحكم والسلطة والثروة في بلادنا.
كيف تنظرون إلى القضية الأمازيغية؟
الأمازيغ في المغرب ليسوا أقلية. إذا كان الأمازيغ في ليبيا وتونس والجزائر أقليات فإن الشعب المغربي كله أمازيغي. وبالتالي فقضيتنا هي في جوهرها قضية تطبيق الديمقراطية السليمة وبانتخابات حرة وغير مزورة كما يجري الآن. والديمقراطية هي حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقليات. وهذا ينطبق على باقي بلدان المغرب العربي الإسلامي. ومن الذكاء والكياسة والمنطق أن نطرح القضية بهذا الشكل الصحيح. ولا يصح إلا الصحيح. ينبغي أن نبني مغرب المستقبل على أساس المواطنة المبنية على هوية ثقافية مشتركة تتكون من عناصر مشتركة وموحدة يمكن أن يجتمع حولها كل المواطنين المغاربة: وهي الدين الإسلامي كهوية واللغة العربية كلغة رسمية، لغة القران التي ستكون أيضا أداة للتواصل والوحدة مع باقي العالم الإسلامي والعربي الذي نحن جزء لا يتجزأ منه.
ما تقترحون حتى يحقق الأمازيغ مطالبهم المشروعة؟
لنتفق أولا على أن مشكلتنا الأساسية والجوهرية هي غياب الحريات العامة من حرية التعبير والتنظيم الحر، وحرية تقرير المصير وحرية اختيار نظام الحكم الذي نريده وغياب سلطة الشعب في محاسبة الحكام ومراقبتهم وتغييرهم عند الحاجة. لأنه قبل كل معالجة، لابد من تشخيص سليم لما يعاني منه المغرب، تم البحث عن العلاج المناسب بعد ذلك، في رأيي العلاج الوحيد والممكن والضروري هو إقامة ديمقراطية حقيقية و سليمة. حول هذا الهدف سيمكن من جمع أكبر عدد ممكن من المغاربة. والديمقراطية ليست محتوى إيديولوجي بل هي منهج أو قوانين لعبة يحددها دستور يضعه مجلس تأسيسي منتخب إنتخابا حرا. أما محتوى ومضمون النظام السياسي والحكومي، والسياسات المستقبلية، فسيبقى اختصاصات صياغتها واقتراحها على الشعب والبرلمان للتصويت عليه بعد مناقشتها والحكومات المنتخبة. إن غياب الديمقراطية حاليا في بلدنا يخلق فراغا يسمح لكل من هب ودب أن يتكلم زورا باسم الأمازيغ.
ما هي وجهة نظركم بخصوص مشكل الصحراء؟
مشكلة الجزائر بدورها هي أنها تحكم من طرف عصابة من المخابرات واللصوص المتاجرين بمصائر ومقادير وثروات الشعب الجزائري. مخابرات الجزائر هي التي جندت وسلحت عصابات المرتزقة التي تسمى بالبوليساريو للتآمر على وحدتنا الترابية. ومصيرالبوليزاريو مرتبط أساسا بمصير النظام الجزائري الحالي. وأعتقد أن "مشكل الصحراء" لن ينتهي مادام النظام الغبي الحالي قائما في الجزائر.
ومن جانب المغرب فالمخزن والمخابرات المغربية هم من يستفيد أيضا من المشكل بإشغال واستنزاف وإلهاء جيش وثروات المغرب في إستراتيجية أكثر غباء. ومفاوضات نيويورك الأخيرة ليست سواء لقاءات بين المخابرات الجزائرية والمخابرات المغربية لتضييع المزيد من الوقت والأموال لفائدة لصوص هاذين الجهازين وللمشاركة في مخططات يهودية تهدف إلى إقامة قواعد أمريكية في المغرب.
هل تفكر في العودة إلى المغرب؟ إذا كان الأمر كذلك هل هناك من شروط مسبقة لهذه العودة؟
بصفتي "عسكري" بالإضافة إلى مشاركتي في محاولتي الصخيرات و16 غشت واستمراري في المقاومة الإعلامية، لي وضعية "خاصة" جدا. فأنا الضابط الوحيد الذي شارك في تحضير وتنفيذ المحاولتين العسكريتين، الذي لايزال على قيد الحياة، ولايزال صامدا على المقاومة. إن مجرد وجودي على قيد الحياة يعتبر "استفزازا" للحكم في المغرب وإحراجا كبير لمن يسيطرون ويخنقون حرية الشعب المغربي.
السؤال هو متى ستعود الحرية والكرامة إلى المغرب؟ كم من المغاربة اليوم يتمنون الهروب من المغرب حتى "بالحريك"؟ ولماذا؟ متى سيعود المغرب للمغاربة؟ إن محنتي في المنفى هي محنة المغرب كله. هي محنة الحرية والكرامة والعدالة المنفية. ويوم تعود العدالة والحرية لبلدي سأعود معها! وإني أنتهز هذه الفرصة لأعبر عن إستنكاري الشديد وتنديدي بالاتصالات وعلاقات الخيانة التي يقوم بها بعض من يدعون بالأمازيغية مع العدو الصهيوني الإسرائيلي الذي إحتل فلسطين منذ 60 سنة ويقوم بقمع وإبادة الشعب الفلسطيني. وأنا أعتقد أني أعبر بهذا الموقف عن إجماع الشعب المغربي كله الذي يقف مع الشعب الفلسطيني الشقيق في قضيته العادلة، ومع كل القضايا العادلة في العالم.
إني أسال كيف يدعي البعض المطالبة بالديمقراطية والعدالة والحرية في المغرب ويربط في نفس الوقت علاقة صداقة مع المحتلين والطغاة الذين يبيدون الشعب الفلسطيني، ويحتلون القدس الشريف التي هي مدينة مقدسة بالنسبة للعالم الإسلامي كله الذين نحن جزء لا يتجزا منه.
أنقر هنا لزيارة موقع تمازغا بريس

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.