في إطار سلسلة الحوارات التي أجريتها مع أحمد رامي، المعارض المغربي المقيم بالديار السويدية، سبق و أن تطرق أحد الحوارات لموضوع محاولات الانقلاب التي استهدفت الملك الراحل الحسن الثاني، و ها هو أحدها "" كم مرة تعرض الحسن الثاني لمحاولات الاغتيال أو الانقلاب في حياته؟ حسب معلوماتي، والمعلومات التي استقيتها من أفقير والدليمي، لم يتعرض الحسن الثاني لأية محاولة اغتيال من طرف المعارضة المدنية. وتظل محاولتي الصخيرات 1971 و16 غشت 1972 العسكريتين هما الوحيدتان اللتان وصلتا إلى مرحلة التنفيذ العملي. قبل هاتين العمليتين وما بينهما، جرى تحضير سبعة مخططات عسكرية للإطاحة بالنظام لكنها، لأسباب "تقنية"، لم تصل إلى مستوى التنفيذ، ولم يكن الأمر في أية من هذه المخططات أو المحاولات يتعلق بمجرد "اغتيال" الملك، بل كان الهدف المشترك هو الإطاحة بالنظام الملكي وإقامة نظام جمهوري ديمقراطي. أما المؤامرة التي ظلت الدعاية المخزنية تتحدث عنها من حين لآخر لتبرير حملات القمع ضد المعارضة المدنية، من أجل تدجينها وترويضها، فكانت غالبا ما تأتي بناء على "معلومات" مفبركة وخاطئة من الموساد الإسرائيلي الذي كان على علاقة وثيقة برؤوس النظام المخزني، أو بناء على مخططات أمنية مغرضة تهدف إلى إبعاد العناصر المعارضة التي تشكل خطرا على النظام، إما بطردها أو دفعها إلى المنفى أو رميها في السجون وتعيين القريبين من القصر أو الدائرين في فلكه على رأس قيادات الأحزاب المعارضة، بل وفبركة أحزاب أخرى معارضة تسير من طرف القصر.. بتعبير آخر ما كان الحسن الثاني يسميه بالمؤامرة التي ادعى أنها استهدفته كولي للعهد أو كملك من طرف المعارضة المدنية، لم تكن في الحقيقة إلا مؤامرات دبرها الحسن الثاني لقتل المعارضة السياسية والمدنية لاستمرار نظام حكمه على النهج الذي يوافقه. لاحظ، عندما يسود القمع والتنكيل والاستبداد لا يبقى أمام المعارضة إلا اعتماد فلسفة العنف المضاد واستراتيجية "المؤامرات المضادة" وأسلوب الانقلابات لتحقيق ما لم ينفع تحقيقه بالوسائل السلمية الديمقراطية. وقد قيل "أمام المستبد الأوحد، لا يبقى إلا الحل الأوحد الممكن". ففي العقود الأولى من عهد الحسن الثاني سادت سلبيات مميتة نتيجة القمع الهمجي الذي طال كل الأجيال في المجتمع، مما دفع في اتجاه خلق عقلية من التواكل والخوف والاضطراب شملت البلاد بكاملها وحولتها إلى ساحة للطغيان والإذلال والخنوع [الذلقراطية حسب تعبير الدكتور المهدي المنجرة]، وبالتالي يصبح ضابط الجيش "قوة ضاربة" أقوى من أي حزب سياسي، فطبيعة النظام السياسي هي التي تقرر في طبيعة المعارضة التي ستطيح به. أنا شخصيا ولجت سلك الجندية منذ البداية بهدف الإطاحة بالنظام الملكي، وبعد أن ألقي علي القبض عدة مرات لأني حاولت أن أمارس حقي الطبيعي والديمقراطي في المعارضة السياسية، وأتذكر، عندما كنت أستاذا بثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء شاركت في تأطير وتنظيم المظاهرات الطلابية في مارس 1965، غداة إعلان حالة الطوارئ ومنع التجول ليلا، ورغم ذلك توجهت ليلا رفقة أحد طلابي – وهو أحمد احرزني صاحب مسؤولية رسمية حاليا – إلى مقر الاتحاد المغربي للشغل لنطلب من المحجوب بن الصديق أن يعلن عن إضراب تضامني مع الحركة الطلابية، وكانت دهشتي كبيرة عند دخولي إلى مكتب المحجوب حوالي الساحة الواحدة ليلا، وكان في مكتبه أجنبيان يتشاور معهما بخصوص كيفية التعاطي مع الوضع المحتقن آنذاك، وهذان الشخصان هما السفير الأمريكي وسيمون ليفي الذي كان يدرس الفلسفة في نفس الثانوية التي كنت أعمل فيها، وأحمد أحرزني شاهد على هذه النازلة. وكان السفير الأمريكي وليفي يعارضان بشدة فكرة إعلان الاتحاد المغربي للشغل عن أي إضراب للتضامن مع الطلبة، بل لقد كانا ضد كل ما قام به الطلبة من أعمال احتجاجية. تساءلت آنذاك ماذا كان السفير الأمريكي وسيمون ليفي اليهوديان يفعلان، في ذلك الوقت المتأخر ليلا وفي ظروف حالة الطوارئ ومنع التجول. وفي اليوم التالي ألقي عليّ القبض وعذبت بوحشية في مركز الشرطة بالدار البيضاء. وفي أكتوبر سنة 1966 التحقت بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس بهدف الإطاحة بالنظام الذي يلعب دور قاعدة عسكرية لقوى السيطرة الصهيونية والأجنبية في بلدي. تخرجت من الكلية العسكرية سنة 1968 والتحقت دفعتي بكاملها بمدرسة اهرمومو لتكوين ضباط الصف والتي كان يقودها العقيد أعبابو. وكان الهدف هو أن تشارك كل عناصر دفعتي في مخطط عسكري للإطاحة بالنظام الملكي. وبما أن الحاجة كانت تستوجب تواجدي في سلاح المدرعات، فقد تم تعييني بمقر قيادة هذا السلاح بثكنة مولاي إسماعيل بالرباط، ولذلك غادرت أهرمومو بعد شهر واحد صحبة العقيد أعبابو آنذاك. وكانت أول خطة للإطاحة بالنظام الملكي تقضي بأن يُلقى القبض على الحسن الثاني خلال مناورات عسكرية قرب مدينة تازة، إذ كان مقررا أن يزورها، كما كان مقررا مشاركة مدرسة أهرمومو ضمن هذه المناورات. وفعلا تم الاتفاق على أن تجرى هذه العملية في شهر أكتوبر سنة 1969، سيما أننا لم نكن نتوفر على نظام ومؤسسات كما هو متعارف عليه، وإنما السائد آنذاك هو طغيان حكم فردي ودولة يتملكها شخص واحد، وبالتالي كان الأمر بسيطا في نظر الضباط المخططين للانقلاب على من كانوا يرون فيه "طاغية". وكانت كل عناصر الخطة تستهدف وضع اليد بشكل من الأشكال على القائم على هذا النظام الفردي لإخبار الناس بأنه لم يعد موجودا، وذلك للقضاء على هاجس الخوف الذي أصاب الشعب المغربي بالشلل. غير أن الملك الحسن لم يأت لحضور المناورات العسكرية في آخر لحظة، وهكذا تقرر تأجيل كل شيء في انتظار فرصة أخرى. أما المحاولة الثانية، فهي محاولة الصخيرات المعروفة والتي فشلت. وبعد هذه المحاولة دبرت مخططات أخرى لم يكتب لها النجاح،، منها محاولة 16 غشت لسنة 1972. بعد هذا الفشل قام الضباط الأحرار بالاتصال بالجنرال الدليمي الذي انضم إلى تيار التغيير من أجل حياة أفضل ومغرب جديد حر ومن أجل شعب يتوق للكرامة والعدل والشرف. جرى التحضير لخطط للإطاحة بالملك الحسن الثاني ونظامه، ولكن الموساد والمخابرات الأمريكية قاما بإخبار الملك بسبب تسريب بعض المعلومات، مما أدى إلى تصفية الدليمي جسديا كما هو معروف. سبق لمومن الديوري أن صرح بأن الحسن الثاني تعرض ل 15 محاولة انقلاب واغتيال، ما رأيك في هذا القول؟ من الممكن أن يكون الأخ مومن الديوري قد قصد كل المؤامرات بما في ذلك تلك التي فبركتها المخابرات المغربية في عهد الحسن الثاني، وكان هو نفسه من بين ضحاياها المشهورين، والتي كان الغرض منها إرهاب المواطنين والمعارضين وتخويفهم من مجال السياسة وعدم الخوض في الشأن العام. هل فكرة قلب النظام ظلت مسيطرة بين صفوف الضباط؟ الجيش عينة من المجتمع المغربي وشكل من أشكال تصوره، فالتيارات والهموم التي تسود المجتمع هي نفسها التي تشغل بال الجيش والضباط على حد سواء. عندما ولجت سلك الجيش وجدت عددا لا يستهان به من العناصر المجاهدة لنفس الأسباب والأهداف التي دفعتني إلى الالتحاق به، آنذاك كان المناخ ناضجا في المجتمع لتقبل أي تغيير إيجابي والسعي إليه من أجل حياة أفضل، وهناك أيضا كل الشروط الموضوعية لانتفاضة جذرية في صفوف ضباط الجيش، لم يكن ينقصها سوى الشروط الذاتية والظرف المناسب. وإذا كانت وظيفة الجيش، في إطار نظام ديمقراطي، هي حماية الوطن من الأخطار الخارجية، ففي النظام الاستبدادي والطغياني تحاول الدكتاتورية الارتباط والتعاون مع القوى الخارجية من أجل أمنها وليس من أجل الأمن القومي، وبالتالي يحاول الطغاة تحويل المؤسسة العسكرية إلى أداة وكلب حراسة للنظام الاستبدادي، مما يورط الجيش تلقائيا في الصراع الداخلي مع الطغيان وضد المعارضة. هكذا يضحى مفروضا على الجيش أن ينحاز ويختار بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يوجد سلاحه ضد الشعب حماية للطغيان، أو يوجهه ضد الطغيان لحماية الشعب. إذ لا يمكن للجيش أن يكون "حياديا" عندما يتعلق الأمر بمصير الشعب والبلد ومستقبل الأمة. يقال إن الحسن الثاني نجا أكثر من مرة من محاولات التسمم، ما قولك في هذا الأمر؟ هناك عدة إشاعات تناسلت بهذا الخصوص في المجتمع، إلا أنه لم تثبت أية محاولة تسميم، وإذا كانت هناك محاولات فقد تم التستر عليها ولم تتسرب عنها معلومات مضبوطة. هل سبق لحكام الجزائر أن فكروا في قلب نظام الحسن الثاني؟ لا أظن ذلك، فحكام المنطقة آنذاك كانوا متحدين ومتضامنين "أمنيا"، لكنهم كانوا يفرضون شكلا من أشكال التشتت والتفرقة بين الشعوب والبلدان، فالأنظمة عملت على نوع واحد من الوحدة، "الوحدة الأمنية" والتنسيق "الأمني"، هذا هو النوع الوحيد من الوحدة الذي نجحت فيه الأنظمة التي ظلت ترغب في التحكم في رقاب الشعوب وتستأسد عليها بقدر ما تركع للأجنبي. ألم يفكر البعثيون (العراق/ سوريا) في قلب النظام المغربي خلال عهد الحسن الثاني؟ في عهد الحسن الثاني لم يكن للبعثيين أي وجود أو أية حظوظ بالمغرب، وكان كل همهم آنذاك هو محاولة استقطاب بعض الطلبة والمثقفين، واقتصر الأمر على إعداد شروط هذا الوجود، وبالتالي لم يكونوا وقتها قد وصلوا بعد إلى طرح إشكالية قلب النظام. والإخوان المسلمون؟ الإخوان المسلمون هم في واقع الأمر انقلاب على ميكافيلية ونفاق وانتهازية الأحزاب، أما الحركة الإسلامية الحقيقية فقد بدأت مع استشهاد خالد الإسلامبولي وبثورة الخميني وحزب الله في لبنان. وفي هذا الصدد أتذكر كيف كان شيوخ الإخوان المسلمين يطوفون على وحدات الجيش الملكي في المغرب من أجل الدعاية للنظام الملكي وللحسن الثاني، وكيف أن سعيد رمضان نفسه، كان الحسن الثاني يستدعيه إلى المغرب لإلقاء محاضرة على ضباط الجيش لتمجيد الملك والهجوم على جمال عبد الناصر. هل رغب معمر القذافي في قلب النظام المغربي؟ وعلى من كان يعتمد لإنجاز هذه الرغبة؟ التقيت بالقذافي مرتين، كما التقيت ببومدين، وشعرت أن الرجلين مصابان بنوع من الهوس.. كان القذافي ولا يزال سجين المخابرات التي نجحت في عزل بعض الحكام وإقامة نوع من الوحدة، وحدة المخابرات المغاربية، والمفاوضات التي تجري الآن بين البوليساريو والمغرب، ليست سوى مشاورات بين مخابرات الجزائر ومخابرات المغرب، والتي يوحدها ارتباطها بالمخابرات الأمريكية. فالقذافي يطعم بتقارير مخابراته ويتخذ قراراته بناء عليها، ثم يبحث عن قنوات لتنفيذها. فكل ما قيل بصدد تغيير الأنظمة، كان مجرد أحلام ونزوات، والأكيد هو أن العقيد مشغول بشيء واحد بعد إعلانه عن الاستسلام الاستباقي لأمريكا ولإسرائيل، كما أنه منشغل بالدفاع عن نظامه وتوريثه لابنه..