صرح رئيس "جمعية تمازيغت لكل المغاربة" السيد حسن بويخف للجريدة الإلكترونية [هسبريس] " إن إدماج الأمازيغية في الحياة العامة يتطلب الانخراط الفاعل للمواطن المغربي في هذا الورش" وأن "الطريق إلى تحقيق هذه الغاية هو اعتماد مقاربات تدمج جميع المغاربة، مواطنين ومختلف الفاعلين في مجال التأطير العام للمواطنين، وعلى اختلاف مواقعهم وتوجهاتهم، في ورش الأمازيغية". هذا الموقف الذي عبّر عنه عضو في الحركة الإسلامية يبدو غريبا ويتقاطع إلى حد كبير مع الخطاب العلماني الأمازيغي، الذي يختزل المسألة الثقافية المغربية في الشق المتعلق بالقضية الأمازيغية، دون أدنى اعتبار للثقافة العربية الإسلامية.. التي أصبحت تعاني من التهميش والإقصاء، لدرجة لا نجد في الساحة السياسية من ينادي بالعمل على إدماج اللغة العربية في الحياة العامة. إذا كان التيار اليساري والعلماني يوظف الأمازيغية توظيفا إيديولوجيا من أجل أهداف سياسية، غايتها علمنة الثقافة الأمازيغية وفصلها عن الثقافة العربية الإسلامية، فإنه لأمر مقلق أن نجد من ينتسب إلى الإسلاميين يتبنى خطابا إقصائيا واختزاليا للمسألة الثقافية، عوض أن يؤسس لخطاب متوازن يدافع عن الثقافة المغربية بتنوعها وتعددها، بناء على المرجعية الدينية الجامعة. والحقيقة إذا كانت هناك لغة تستحق أن نطالب جميع المغاربة بالدفاع عنها فهي اللغة العربية، باعتبارها لغة يتحدث بها المغاربة جميعا، أما الأمازيغية فلا يتحدث بها ولا يفهمها إلا الأمازيغ.. وهذا الاستحقاق ليس فقط لأنها اللغة التي شرفها الله سبحانه بأن تكون حاملة للوحي الإلهي، وإنما لأنها لغة المسلمين حول العالم، والذين يقدرون بأكثر من مليار مسلم.. خاصة وأنها تتعرض منذ عقود خلت إلى حملات منظمة للتهميش والإقصاء.. سواء داخل مؤسسات الدولة أو في المجتمع، حتى صارت لغة تعيش غُربة في وطنها.. وقد زاد من غربتها هو هيمنة فكر فرونكوفوني إقصائي على المجال العام. إلى زمن يسير كان موضوع الأمازيغية لا يحظى إلا باهتمام نخبة من اليسار والعلمانيين ذووا الأصول الأمازيغية، واليوم أصبحت ورقة سياسية يزايد بها كل طرف سياسي على الآخر، ويحاول أن يُظهر ولاءه ودعمه لها، في حين لا أحد من الأحزاب والقوى السياسية - بما فيهم القوميون والإسلاميون- يُسمع له صوت يدافع عن اللغة العربية، كما لو كانت لغة أجنبية دخيلة عن الثقافة المغربية. إذا كان العلمانيون واليساريون اختاروا الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، فإن من الحكمة والعقل أن يكون من ينتسب إلى الحركة الإسلامية، أن يقدّم الانتساب للدين على الانتماء العرقي أو الطائفي أو الإثني.. لأن رسالة الإسلام جاءت عامة لتوحيد الأمة على أساس الدين وليس العرق، واستطاعت أن تذوّب كل النزعات والعصبيات بين الشعوب والقبائل، دون أن تلغي الانتماءات الثقافية، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الآية 13، أما محاولة مزاحمة التيار العلماني في الدعوة إلى إدماج الأمازيغية على حساب الثقافة العربية الإسلامية، فهو مسلك غير رشيد، يسقط في الترويج لخطاب إقصائي، يستهدف تهميش الثقافة العربية الإسلامية. هناك عدة شواهد على هذا المسعى لعلمنة الثقافة الأمازيغية، نذكر منها على سيبل المثال رفض النخب العلمانية كتابة الأمازيغية بالحرف العربي - ولو من باب التقارب مع شركائهم في الوطن والدين حتى يسهل عليهم تعلمها- والمطالبة بتسمية المواليد بأسماء أمازيغية لما يرمز له الإسم العربي من دلالة إسلامية.. والاحتفال بالسنة الأمازيغية دون السنة الهجرية.. في حين أن الأمازيغ الأولون لم تكن لديهم عقدة مع الثقافة العربية الإسلامية، وكانوا يشتركون مع إخوانهم العرب في الأفراح والأقراح، وفي إحياء الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية، ويسمون أبناءهم بأسماء عربية.. بل كانوا في مقدمة المدافعين عنها.. ومنهم من اشتهر بنبوغه في اللغة العربية وعلومها وكرس حياته لنشرها وتعليمها.. وكانوا ينظرون إليها كثقافة حاضنة وحامية لثقافتهم الأمازيغية، ولا تشكل أي تناقض معها أو تهديد لوجودها، وهو ما جعلها تستمر إلى اليوم، إلى أن ظهر العلمانيون وبدؤوا يطالبون بعلمنة الأمازيغية وفصلها عن الثقافة الإسلامية، بل ظهرت "دعوة سلفية أمازيغية" يطالب شيوخها بالعودة إلى حقبة ما قبل دخول الإسلام للمغرب. ختاما، إذا كان الخطاب العلماني الأمازيغي خطابا أحاديا وإقصائيا لا يدافع إلا عن جزء من الثقافة المغربية دون غيرها، ويطالب لكي ينخرط الجميع في ذلك، فإن الخطاب الإسلامي ينبغي أن يُقدّم خطابا متوازنا راشدا، يدافع عن الثقافة المغربية بجميع مكوناتها وروافدها دون إقصاء لجزء منها، وذلك تعزيزا للوحدة والتعايش والأخوة بين المغاربة، والنأي بهم عن الخطاب الذي يُذكي العصبيات والقوميات.. حفاظا على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي الذي بُني على أساس وحدة الوطن والدين واللغة، وتحطمت على صخرته مخططات التفرقة عبر التاريخ، قال الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). آل عمران الآية 103.