بالله عليك، كم هو راتبك الشهري؟ … كم يلزمك لتوفر خلال شهر مصاريف الكراء والغذاء وفواتير الماء والكهرباء والملبس والدواء؟ ثم كم يلزم زيادة لتوفر مصاريف الدخول المدرسي من كتب وأدوات، ومصاريف قائمة الأكل الرمضاني من سفوف وبريوات، وثمن كبش العيد وثمن تبزيرة الكديد، ومصاريف السفرات في العطلات، والضيوف والعراضات، دون الحديث عن مصاريف النقل بين حافلات وطاكسيات!! كيف يمكن لراتبك أن يضمن بالكاد كل تلك الأشياء، في حين تتوفر على تلفاز وثلاجة وفرن وآلة غسيل وحاسوب وهواتف محمولة لك وللأولاد.. ومن المعطف قطعتين ومن الحذاء رفين ومن القميص أشكالا ومن السروال أحجاما ومن الأمتعة والأدوات ما لا تحتاجه ولا مرة في الحياة. هذا إن لم تكن تمتلك شقة وسيارة وتعتزم تغيير الأثاث! من أين لك هذا؟! كيف تحولت إلى مواطن من الطبقة المتوسطة وأنت في واقع الأمر فقير.. تعيش ظاهرا كبزنيس مان لتخفي واقعك المرير.. من أين لك أن تمتلك شقة، وكأنك تتقاضى الملايين، وأنت فقير، لا تملك أن تمتلك حتى ثمن براكة من القزدير! من أين لك أن تمتلك سيارة، وتتباهى بأنك من الطبقة المتوسطة، وأنت فقير.. لا تملك حتى ثمن كروسة دالحمير! بالسلف، بالكريدي، بالقروض.. بالربا وما أدراك ما الربا.. تقترض لتظهر بمظهر الميسور ماديا والمنتمي اجتماعيا ثم تشتغل على ذاك المظهر الباطل طيلة حياتك لترده أضعافا مضاعفة لسارقي أموال العباد.. تظهر بمظهر الغني مقابل تكريس ثقافة الاستعباد.. تشتري المال بصحتك وجهدك ودينك لتستطيع السداد.. دعوني لا أدخل في حرمة الربا التي كرست لها مقالات كثيرة سابقا، يمكن الاطلاع عليها فقط بنقر اسمي جنب عنوان: "الربا حرام" على مواقع البحث! سأتكلم اليوم عنه من منظور اقتصادي جد مبسط، علنا نفهم مخاطره وسبب الأزمات التي تطل علينا من كل حدب وصوب! فهل تعرف الفرق بين البيع والربا؟ البيع هو عملية تجارية تعرِّض البائع، بالضرورة، إلى المخاطرة، وهذه المخاطرة تنتج إما عن الربح أو عن الخسارة. هكذا، إن ربح التاجر يوما خسر بائعون أو مشترون، وإن خسر التاجر يوما ربح بائعون أو مشترون، كما جاء في الآية الكريمة: "تلك الأيام نداولها بين الناس". وهكذا تبقى خيرات الله وثرواته تدور عبر العمليات التجارية بين عباد الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقبض عمن يشاء. وتعم الخيرات عبر الأيام كل الناس. بينما، الربا: والذي يعرف بالعموم بإقراض أو تدين المال بالفوائد، هو عملية تجارية تلغي المخاطرة. فالبائع أي المقرض الذي يعطي المال بمقابل رأس المال والفوائد، يقلل أو يلغي بالمرة الخسارة، وبالتالي فهو دائما وبالضرورة رابح، والمقترض أو المشتري دائما خسران. وهكذا، عندما تلغي المخاطرة من التجارة، فإنك تقفل الباب الذي فتحه الله على عباده والذي تدور عبره الثروات، فيزيد الأغنياء غنى دائما وأبدا، ويزيد الفقراء فقرا دائما وأبدا. ولا يفتح الله هذا الباب حتى يعدل الناس عن هذه العمليات التجارية، إذ كما قال تعالى: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". هكذا إذن يعيش أغلب المغاربة بالادعاء، مظهرين للعالم أن المغرب يحمل اقتصاده الطبقة المتوسطة بالاستهلاك، بينما البلد ينقسم قطعا إلى طبقتين: أغنياء تحيطهم هالة من البرجوازيين يشتغلون لحسابهم.. وشعب الأغلبية الساحقة من الفقراء. هكذا إذن كلنا متسولون، البعض يتسول في الشارع بمد اليد، والآخرون يتسولون بالأوراق، تضمنهم وظائفهم لدى الأبناك، ليتأكد البنك أنه لن يعطي إلا لمن سيضمن من عنده الأخذ المضاعف وللسنوات التي يحددها هو! من هنا تدخل الأزمة الاقتصادية، من هذه الهوة، من هذا الثقب الأسود.. حين يصل حد الاقتراض والفوائد لدرجة يعجز أمامها الشعب عن السداد، فتنهار الشركات المقرضة، وتنقرض السيولة من الأبناك، ويسرح العمال، وتكثر البطالة، وتظهر حقيقة النخبة التي تستحوذ على كل الثروات والموارد الطبيعية، تلك النخبة الرأسمالية التي تستثمر في حياة الناس وتمتص دماءهم وعرق أكتافهم مصا، حتى تقتلهم وهم لها مدينون، وحقيقة الأغلبية التي تشتغل في دوامة عبودية، لتستهلك وتسدد الفوائد.. إلى متى؟ متى نتنهي عما نعرف فيه الضرر، متى نتوقف عن اللجوء إلى الخطر، متى نفهم أن الحرام خبث فيه مهلكتنا لذلك جعله الله محظورا، متى نعود إلى رشدنا ونعيش على قدرنا نطلب حسن العاقبة مادام الحال مستورا. ستكشف الأزمات الاقتصادية عوراتنا لا محالة.. إن لم ننته على ما نحن عليه الآن، ونعتزم على أن: لا للربا، مهما اضطررنا.. لا للربا ولو احتضرنا.. لا للقروض، لا للفوائد.. لا لبيع الدين والصحة والجهد بما هو بائد.. فإن كنا فقراء فلنقلها علنا: أنا فقير أنا فقيرة.. لا أملك شيئا، خيرا من أن أكون ما لست عليه حقا وأحاسب عنه! مايسة https://www.facebook.com/elMayssa