لاأدري لماذا نحن المغاربة نبحث دائما عن مشجب نعلق عليه إفلاساتنا،وخيباتنا،وإن كنا نحن المسؤلين مباشرة عنها ،بل ونحرص دائما على أن نبدو في أي موقف مفعولا بنا، ولا نستحيي أن نحمل مسؤولية فشلنا ،وتضييع الفرص الحياتية لغيرنا، وهكذا إذا ضيعنا وقت القطار نقول هرب علينا القطار رغم أن توقيته محدد،ونقبل من ابننا الراسب في الامتحان أن يلقي باللائمة على مجهول قائلا لم ينجحوني،إنها مواقف عبثية تذكرني بألبير كامي في روايته الغريب عندما سئل البطل عن سبب قتله للعربي الجزائري ،فأجاب كان ذلك بسبب الشمس .لم يسلم المجال السياسي من ضرورة إيجاد ( مخزن ) نستر فيه عجزنا على التطوير السياسي،نخبا سياسية،ومثقفين وشعبا،وهو ما يفسر عدم مقبولية ما قاله محمد اليازغي في إحدى تصريحاته بأن المخزن قد مات،بل ذهب البعض إلى حد اعتبار أن اليازغي بهذا التصريح قد حفر قبر الاتحاد الاشتراكي،لأنه حسب هذا التوجه يجب أن يظل المخزن موجودا على الأقل كفكرة تبرر العمل السياسي المثالي القائم على معادلة مخزن يساوي فساد وتسلط ،ونضال يساوي مجابهته.لقد شكلت ثورة محمد السادس الهادئة على مجموعة من القيم السياسية الموروثة مأزقا حقيقية لبعض السياسيين،وأظنهم كثرا، فساروا يبحثون عن مخزن خارج دائرة الملك تفاديا لغضب الشعب المحب لملكه الذي لم يستمله بالشعارات ،أو الإكراه ،وإنما بالعمل الدؤوب، وسياسة القرب، فهداهم التفكير السياسي غير المنفصل عن نسق اختلاق العدو ولو كان وهميا،إلى إيجاد ثنائية قصر/مخزن،فالقصر يعني الملك،والمخزن كإطار يمكن أن يحشر فيه كل شخص أو مؤسسة لا تسير وفق تصور أولئك السياسيين،أو تختلف معهم في طريقة تدبير الأمور العامة، علما أن إخراج الملك من دائرة المخزن يفترض بالضرورة ،وفقا للتعريفات السائدة للمخزن، انعدام وجود أي مخزن،ومن هنا يمكن تأييد مقولات انتهاء زمن المخزن بمعناه القدحي، أما بقاؤه كمفهوم منا قض للسيبة،والحرية المتوحشة،ومرادف لسلطة الدولة، وقوة لإعادة النظام كما قال ميشو بلير، فأمر مطلوب. "" إن افتراض المخزن كعدو هلامي يعفي السياسيين والمناضلين من إحراجات سياسية ونضالية،لأنهم يعتبرون سيطرته قدرا مقدورا تتجاوز حتى سلطات الملك، إنه(المخزن)،من هذا المنظور، مسألة جبرية قاهرة يتمنى الجميع أن يزول، وفي نظري المخزن،حسب ما انتهيت إليه من قراءات وتحليلات، هو تفكيرنا وهواجسنا، هو نحن المنغمسين في الاتكالية، وغير القادرين على ممارسة نقد ذاتي موضوعي لما نحن فيه من خيبات،مع تحديد المسؤوليات،كما أننا غير قادرين على نكران الذات التي تضخمت أناها ونتأت نتوء فاحشا، واستمرأت العيش في الماضي، و تجندت لكي تكون عائقا أما م أي تقدم سياسي. ما أحس به ويحس به عدد غير قليل من الشعب،أن إصلاحات محمد السادس تجابه بمقاومات شديدة من الداخل ،فما معنى ألا تستجيب الأحزاب مثلا لنداء الملك بضرورة انتهاج الديمقراطية الداخلية، وما معنى أن تعرف مؤتمرات تلك الأحزاب دسائس،واحتيالات،لتكريس الفساد عوض الإصلاح،خاصة وأن الدستور أوكل إليها مهمة تأطير الشعب، وما معنى أن تنخرط تلك الأحزاب التي تسمي نفسها وطنية في لعبة ما تسميه بالمخزن وتجيز لمرشحيها باستخدام المال العام ،وإمكانيات الدولة للحصول على مقاعد برلمانية مع العلم أن كل من اشترى لابد أن يبيع يوما ما. وما معنى ثالثا،أن تعمد جمعيات المجتمع المدني المفترض فيها الزهد في المنصب، والرغبة في خدمة الصالح العام إلى طبخ مكاتبها طبخا بدون ملح فتصبح رمزا للانتهازية والعفونة المقرفة. الكل يعرف على الأقل ظاهريا بأن المخزن المفترض لم يصدر أمرا بإفشاء الرشوة بين الناس، ولكن الدولة لحد الآن وجدت صعوبة كبيرة في الحد منها، لأنها ترتبط بالنفس الأمارة بالسوء التي قد تستخدم كل الطرق التمويهية للوصول إلى الهدف، ولم أعلم يوما أن المخزن قد تدخل لمنع نشاط ضد الرشوة أو المحسوبية، وتبذير المال العام،مع الأسف أننا لا نلمس توجهات شبابية تقطع الصلة مع البالي ، بل تجد شبابا يجرون وراء الرشوة، ومباركة الفساد، وتجب الإشارة إلى أن المحاكم تحكم في مثل هذه القضايا إن وصلت إليها،ولكن إذا كان التستر على هذه الجرائر من طبيعة المجتمع فما عساها أن تفعل. ستخرج أحزابنا،وسياسيونا يوما ،ليحملوا مسؤولية ركود الساحة السياسية للمخزن،وإذا كانت أحزابا فعلية،وتحس بأن هناك من يعرقل عملها فلتحل نفسها،آنذاك ستتضح الأمور،أما انتهاج سياسة لا أحبك ولا أستطيع الاستغناء عنك،والصمت المطبق عن تناسل الأحزاب كالفئران تحت يافطة الحرية، أملا في استغلالها في الصراع بين الأحزاب الكبرى، والسكوت عن ما يضر الشعب ،وعن كل ممارسة غير لائقة، لن تسعف في بلورة نهضة سياسية متميزة،خالية من كل الموبقات الصراعية الهدامة المتسربلة بأردية غير منظورة من الحقد ،والكراهية للوطن. نعم،نحن الذين لم نأت في موعد القطار،وليس القطار هو من هرب ، وأبناؤنا لم ينجحوا لأنهم لم يدرسوا، ونحن الذين نكرس واقعنا السياسي،والاقتصادي،والاجتماعي،وليس المخزن المتخيل. وفي الحديث ورد قوله (ص):( كما تكونوا يول عليكم).