دراسة في تقرير الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة لسنة 2012 كلما ظهرت دراسة أو تقرير حول الفساد عبر العالم ، إلا و تلقفناه بلهفة و تناقلناه عبر وسائل إعلامنا و نقاشاتنا الخاصة و العامة، و انبرى منا من يتبرأ من هذه التهمة و من هذه الأمة و يوجه أصابع الشبهة يمنه ويسرة ثم تخبو جذور الحماس و نعود إلى حياتنا كما عهدناها، لا تؤثر فيها تلك الدراسات و التقارير إلا كما تؤثر الحصاة إذ تلقى في بركة الماء الآسنة. و لعل الرغبة في ضمان استمرار الاهتمام بظاهرة الفساد، و انتظام المتابعة و النقد، و تعزيز الفعل التقويمي و صيانة ديناميته، هو ما قاد إلى تأسيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة سنة 2007، ثم إلى إعلاء شانها لتصبح مؤسسة دستورية مع إصلاحات 2011. وقد أصدرت الهيأة تقريرين اثنين : أولهما عن سنة 2009، أولى سنوات العمل الفعلي، و ثانيهما عن سنتي 2010 و 2011، وقد صدر أواخر السنة المنصرمة ( رغم أن النص التأسيسي للهيأة يفرض إصدار تقارير سنوية ). و إذا كان التقرير الأول قد اكتفى برسم بعض الخطوط العريضة لما ينبغي أن يكون عليه، في رأي معديه، العمل التشخيصي للظاهرة، فإن الثاني بفضل تجربة و عمل ثلاث سنوات متواصلة، قد تجرأ على إعطاء بعض الملاحظات حول حالة الفساد و تطوره ببلادنا. و لذلك فقد لقي لدى صدوره اهتماما بارزا، و تصدر صفحات الأخبار، و تناقل المغاربة نبأ ازدياد انغماس البلد في حمأة الفساد من خلال تأويلات لعدد من المؤشرات، اختلفت في المضمون و اتحدت في خلاصة التطور السلبي للفساد بالمغرب. لكن المثير في الأمر هو أن التقرير المذكور لم بذكر في أي من صفحاته بشكل واضح وصريح وعلى سبيل الخلاصة الحاسمة أن الفساد قد تطور و ازداد تناميه في المغرب. فقد اكتفى بذكر معطيات المؤشرات العالمية التي اعتمدها في التشخيص، و أدلى بقراءات و تعليقات مرحلية، لكنه لم يستنبط خلاصة تركيبية جازمة وواضحة، و كأنه يعكس تردد و تمنع المقررين عن التصريح بما صار معلوما عن المغرب بالضرورة. و لكن، هل يكفي التداول والشيوع في إضفاء الطابع العلمي على المعلومات ؟ كلا طبعا ! لكن شيوع أفكار معينة حول موضوع ما يغري البعض بالتهاون في تحقيق المصادر و تمحيص التحليلات، ما دام يرى أنها في النهاية سوف تقود إلى تأكيد ما هو " معروف " أصلا . إن التقرير الذي أصدرته الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، و رغم أنه لم يصرح بخلاصة واضحة غير ما ذكره عن كون وضعية المغرب " لم تتحسن "، فإن ما ساقه من معطيات و ردت في تقارير هيآت دولية بناء على المؤشرات التي صنعتها، و ما علق به على تلك المؤشرات من قراءات، كان كافيا لتوجيه القراءة إلى النتيجة التي أراد إيصالنا إليها من دون تصريح يلزمه. و لعلنا نستطيع أن نفسر هذا السلوك بإحدى طريقتين : فقد يكون أصحاب التقرير ممن يؤثرون السلامة و يفضلون الأسلوب الطهوري بإتباع سياسة النعامة، أو لعلهم كانوا على علم تام بأن الأدوات التشخيصية و المتمثلة خاصة في المؤشرات التي جعلوها عماد ما سموه "بالمقاربة الشمولية" لتشخيص ظاهرة الفساد، عاجزة عن تأسيس خلاصات علمية متينة. و اعتقد أن التفسير الثاني أقرب إلى حقيقة الأمر. لأن الفحص المتأني للأدوات الشخصية المذكورة يكشف عن عدم ملاءمتها للسياق الذي أورده تقرير الهيأة. فهذا التعاون بين طبيعة المؤشرات المعتمدة و بين السياق الذي وظفت فيه هو الذي يفسر لماذا جاء الجزء التشخيصي من التقرير إيحائيا موجها بدل أن يكون علميا جازما. لقد خصص تقرير الهيأة القسم الأول منه لتشخيص ظاهرة الفساد. وقد اعتمد في ذلك، حسب ذكره، ثلاثة أبعاد متكاملة : شمولية و قطاعية و جهوية. وقد بررت هذه " المقاربة " بكون البعد الشمولي سيمكن " من تحديد مضامين إستراتيجية وطنية للوقاية و المكافحة "، وكون البعدين القطاعي و الجهوي سيسهلان إعداد " خريطة للمخاطر تمكن من حصر القطاعات و الجهات الأكثر تعرضا للفساد مع تحديد الفئات و الشرائح الاجتماعية المتعاطية له ". غير أن خيبة أملي كانت كبيرة عندما تتبعت كل كلمة و كل عبارة وردت في الصفحات العشر المخصصة لهذا القسم و في ما بعدها إلى نهاية التقرير، و لم أجد تشخيصا ولا خلاصة ولا خريطة. ففيما يتعلق بالمقاربة الشمولية لظاهرة الفساد بالمغرب، آثرت الهيأة تبني نتائج مؤشرات دولية لاعتقادها بأنها "تسمح بملامسة " تفشي الظاهرة و القطاعات المستهدفة و تبرز انعكاساتها على الحكامة و الشفافية و التنمية البشرية. أهداف عظيمة ترجو تحقيقها باعتماد مؤشرات صنفتها إلى مباشرة و غير مباشرة. بيد أن الوقوف على هذه و تلك يبين أنها لا تصلح أساسا فيما استعملتها فيها الهيأة، و هو ما يفسر ضعف النتيجة المستخلصة. و سنكتفي، في هذا الجزء من الدراسة، بفحص المؤشرات الثلاثة التي اعتبرها التقرير مؤشرات مباشرة أي أساسية في تشخيص الفساد بالمغرب. أول هذه المؤشرات هو " مؤشر إدراك الفساد " الذي صنعته منظمة الشفافية الدولية. و من دون الدخول في مناقشة تقنية و تفاصيل هذا المؤشر، فهو يعرف من طرف هذه المنظمة بأنه مؤشر مركب من تأليف لاستطلاعات متعددة و لمعلومات حول الفساد، مستخلصة من أبحاث ميدانية أنجزتها مؤسسات معتمدة مختلفة، و ذلك بغاية ترتيب الدول و الأقاليم بدلالة درجة إدراك الفساد في القطاع العام. هذا المؤشر ينطلق من التعريف المعتمد للفساد لدى منظمة الشفافية الدولية، إذ تحدده في إساءة استعمال السلطة من طرف المؤتمن عليها لتحقيق ربح خاص. و هو يركز حصريا على القطاع العام، أو على حالات ضلوع الفاعلين العموميين، موظفين أو رجال سياسة، في الفساد. و لذلك فهو يبسط اهتمامه إلى التجليات الإدارية و السياسية للفساد. أما عن السبب في هذا التوجه نحو تتبع الإدراك العام أي آراء الأشخاص حول وجود و مظاهر و نطاق الفساد، بدل تتبع وقائعه، فان المنظمة ترى أنه نظرا لصعوبة الكشف عن حالات الفساد التي تتميز أساسا بخفائها و صعوبة فضحها إلا من خلال أحداث استثنائية، فإنه سيكون من المفيد تجميع معطيات حول الظاهرة من تصريحات أشخاص مؤهلين نظرا لمواقعهم و خبراتهم للاطلاع على حالات الفساد الموجود في القطاع العام. لكن ما يهمنا أكثر فيما نحن بصدده من تحليل لتقرير الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، يتمثل أساسا في نقطتين. تتعلق الأولى بعدم إمكانية مقارنة نتائج المؤشر بالنسبة لأحد البلدان على مدى سنوات متتابعة : فالمنظمة تعتبر أن من غير الملائم اعتماد نتائج السنوات المتعاقبة لتقييم تحسن أو تقهقر وضعية الفساد في بلد ما، و ذلك نظرا للمنهج المعتمد في جمع المعلومات من المصادر و في استغلال تلك المعطيات إحصائيا. أما النقطة الثانية ، و هي الأهم على الإطلاق، فهي تتعلق بمدى إمكانية اعتماد نتائج المؤشر من أجل قياس الوضعية الفعلية للفساد داخل البلدان المدروسة. فبهذا الخصوص تجيب المنظمة بالنفي القاطع، لأن مؤشر إدراك الفساد ما هو في الأساس إلا تقريب للتصور السائد لدى مواطني الدولة أو الإقليم بشأن وضع الفساد الإداري و السياسي. ولا يمكن اعتباره حكما جازما بشأن المستوى الفعلي للفساد في البلدان المشمولة. فمن خلال ما سبق تبين إذن أن مؤشر إدراك الفساد ليس مؤشرا مباشرا لقياس ظاهرة الفساد، بل هو لا يعدو أن يكون مؤشرا غير مباشر، لأنه يهتم بالتصورات و ليس بإحصاء الوقائع، من جهة؛ ومن جهة ثانية، أنه لا يصلح للجزم بحكم حول الوضع الفعلي للفساد؛ ومن جهة ثالثة، أن مقارنة نتائجه المتعاقبة غير سليمة منهجيا؛ و من جهة رابعة، أنه يخص فقط الفساد الإداري و السياسي و ليس كل مظاهر الفساد. و مع هذا فإن تقرير الهيأة المركزية قد تجاوز كل تلك المعطيات و اعتبره مؤشرا صالحا لتلمس تفشي الفساد، و لم يميز في أي قطاع، و قارن نتائج المغرب منذ 1999، و استنتج منها أن الرشوة قد استفحلت فيه بشكل كبير ! ثاني هذه المؤشرات هو " البارومتر العالمي للفساد " الذي اعتمدت عليه الهيأة لتقرر أن الرشوة استفحلت في المغرب بشكل كبير. كما صرح تقريرها أن هذا البارومتر يؤكد أن 34% من الأسر المغربية تقر أنها دفعت رشاوى خلال السنة الأخيرة ( قبل 2010 ) من أجل تلقي خدمة، و أن 79,2% من المغاربة صرحوا بأن الرشوة استفحلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. و قبل نقد الطريقة التي اتبعتها الهيأة في قراءة و استنطاق البارومتر، لا بأس من التذكير بتعريفه و مميزاته. "البارومتر العالمي للفساد الذي وضعته منظمة الشفافية الدولية هو دراسة للرأي العام العالمي حول الفساد، يستمد معلوماته من استطلاع للآراء و التجارب الشخصية المرتبطة بهذه الظاهرة و بذلك فهو يمثل مؤشرا على التصور السائد حول الفساد على المستوى الوطني، كما يمكن من تقييم المجهودات المبذولة عبر العالم لمحاربة هذه الظاهرة. و تقوم منظمة الشفافية العالمية بذلك من خلال استطلاع واسع للآراء عبر العالم تطرح فيه أسئلة عامة لعدد من الأشخاص في كل دولة تتعلق بتصورهم لظاهرة الفساد و تجاربهم الشخصية في مواجهة الفساد البسيط، كما تسائلهم عن المؤسسات التي يثقون في قدرتها على محاربته، و عما إذا كانوا يعتقدون بأن المجهودات التي تبذلها الحكومات تؤتي ثمارها. وقد أضافت صيغة البارومتر المتعلقة بسنة 2010 سؤالا للمواطنين عما إذا كانوا مستعدين شخصيا للالتزام بمحاربة الفساد. في الدراسة التي قامت بها المنظمة في المغرب، تم استجواب شريحة تضم 1000 شخص، طرحت عليهم مجموعة من الأسئلة يمكن الاطلاع عليها بتفصيل في الملحق B لتقرير البارومتر. و بإلقاء نظرة سريعة على هذا الأخير يتبين لنا أن تقرير الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة لم يكن أمينا في نقل نتائج البارومتر. فبينما نسبت الهيأة لهذا الأخير أنه ذكر أن 79,2% من المغاربة اعتبروا أن الرشوة استفحلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نجده قد فصل الأمر على النحو التالي: 13% اعتبروا الفساد قد تزايد و 11% اعتبروا أنه تقلص بينما رأى 77% أنه ظل مستقرا! الأدهى من ذلك نجده في النقطة الثانية، حيث نسبت الهيأة إلى البارومتر أنه ذكر أن 34% من الأسر المغربية تقر أنها دفعت رشاوى خلال السنة السابقة للاستجواب من أجل تسريع الحصول على خدمات أو تفادي التعقيدات المسطرية، بينما صرح تقرير البارومتر أن المغرب قد تم استثناؤه من التقديرات المتعلقة بهذه النقطة نظرا لضعف النتائج المحصل عليها ! فمن أين تأتي الهيأة المركزية بمعلوماتها ؟ الواقع ( المؤسف ) أن الهيأة و إن كانت قد ادعت أنها اعتمدت نتائج البارومتر العالمي للفساد، فإنها قد توقفت فقط عند قراءة ترانسبارنسي المغرب للمعطيات التي تم جمعها من خلال استطلاع الرأي المجرى في المغرب، و لم تعتمد نتائج البارومتر العالمي التي أصدرتها منظمة الشفافية العالمية بعد معالجة المعطيات وفقا للمنهجية العلمية و الإحصائية المعتمدة! و حتى في استنادها لتقرير منظمة ترانسبارنسي المغرب، فإن الهيأة لم تقم بقراءة النتائج الموضوعية قراءة واعية، بل اجترت تعليقات هذه المنظمة المذكورة على علاتها : فالجدول المعتمد من طرف هذه الأخيرة أشار إلى أن 5,1% اعتبروا الفساد قد تزايد كثيرا، و أن 6,3% اعتبروه تزايد بشكل طفيف، بينما اعتبر 67,8% أنه ظل مستقرا، في حين أن 4,5% من المستجوبين رأوا أنه تقلص قليلا، و 4,8% رأوا أنه تقلص كثيرا، و ظل 11,5% بدون رأي. وقد قرأت منظمة ترانسبارنسي المغرب في هذه النتائج أن 79,2% من المغاربة اعتبروا أن الفساد تزايد أو ظل كما كان. فكيف أقبلت الهيأة المركزية على تشويه هذه النتائج ؟ و في النتائج المتعلقة بما إذا كان المستجوب قد دفع رشوة، فإن التقرير المنشور من طرف ترانسبارنسي المغرب لم يسقط النتائج المتعلقة بالمغرب كما فعلت منظمة الشفافية العالمية صاحبة البارومتر العالمي و القائمة عليه. فبينما اعتبرت هذه الأخيرة أن المعطيات المحصل عليها في المغرب غير كافية إحصائيا للدلالة على الموضوع، تعنتت منظمة ترانسبارنسي المغرب و احتفظت بالأرقام التي تم جمعها، و نسبتها للبارومتر العالمي للفساد ! و بعدها جاءت الهيأة المركزية لتجتر ما زودتها به من معطيات في سلوك أقل ما يمكن أن يوصف به أنه غير واع و غير مسؤول ! أما المؤشر الثالث الذي اتخذته الهيأة المركزية مؤشرا مباشرا لتشخيص حالة الفساد بالمغرب، فهو ما سمته المؤشر الإجمالي للنزاهة. و ما يثير الاستغراب في الطريقة التي اتبعتها الهيأة في التعامل مع هذا المؤشر، هو كونها لم تستخلص منه شيئا ! فقد اكتفت بالتذكير بالترتيب الذي حصل عليه المغرب سنة 2010 و مقارنته بترتيبه سنة 2008، مؤكدة أنه لا زال يصنف في خانة الدول ذات " النزاهة السيئة "، ثم عرضت في الفقرة الثانية موجزا مقتضيا عن بعض العناصر المعتمدة في إنجاز هذا المؤشر. فكيف تعتمده مؤشرا مباشرا ثم تكتفي منه بالإيحاء بدل الإدلاء بقراءة حقيقية و جدية لمضامينه و ما جاء به من نتائج بخصوص المغرب ؟ هذا المؤشر في الواقع ليس اسمه المؤشر الإجمالي للنزاهة، بل هو تقرير تعده سنويا منظمة " النزاهة العالمية " Global Integrity "، و الإسم الذي جاءت به الهيأة هو ترجمة سيئة لعبارة "Report Global Integrity". و حسب منظمة " النزاهة العالمية " فإن تقريرها هذا ليس تقريرا مباشرا عن الفساد، لأن المؤشرات العديدة المستعملة في إعدادها لا تقيس الفساد في ذاته، بل على العكس من ذلك فهي تعطي تقديرات حول نقيضه المتمثل في النزاهة و حسن التدبير و الحكامة الجيدة. و لذلك فالمنظمة تحسم معتبرة أنه بالرغم من الارتباط بين الفساد و النزاهة، فإنه لا ينبغي أن يستخلص من تقريرها أن ضعف النزاهة يكافئ شدة الفساد، أو أن قوة النزاهة تكافئ انعدام الفساد. فنتائج التقرير ينبغي أن تفهم على ضوء الظروف التي توجد و تنشط فيها الضمانات و الآليات المقاومة لانتشار الفساد، لتكون مؤشرا على القدرة على تقليص رقعة هذه الظاهرة. و بهذا، نرى كيف أن تقرير الهيأة المركزية لمحاربة الفساد قد أساء استعمال تقرير منظمة " النزاهة العالمية " كما أساء استعمال المؤشرين السابقين. هذه المؤشرات الثلاثة تناولها التقرير في نصف صفحة فقط لا تليق حتى بمقدمة، بينما اعتبرها أساس عملية التشخيص التي قام بها لظاهرة الفساد. ثم أضاف إليها ما سماه بالمؤشرات غير المباشرة، حيث حشر مؤشرات الحكامة الصادرة عن البنك الدولي و بعض معطيات تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، و مؤشر التنافسية العالمي. و فيما عدا مؤشرات الحكامة المعتمدة لدى البنك الدولي، فإن بقية ما ساقته الهيأة هي معطيات وردت في تقارير عالمية و ليست مؤشرات بالمعنى العلمي للكلمة كما تسميها. و لعل رغبة مؤسسة السيد بودرار في تلميع صورتها هي ما جعلها تفضل استعمال اصطلاح المؤشر Indicateur حيثما اتفق. و هذا أمر يؤسف له، نظرا للآمال و الانتظارات التي ارتبطت بنشأة الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، و جعلت الدستور الجديد يرقى بها إلى مصاف المؤسسات الدستورية. إن الانحراف المنهجي الذي استطعنا تلمسه على مستوى الباب الأول من تقرير الهيأة الذي انتظرناه لأزيد من سنتين، و هو أهم باب في تقديري لأنه يتعلق بتشخيص ظاهرة الفساد ( خصصت له صفحتان فقط ! )، و الذي نستطيع ملاحظته في كل التقرير، يؤكد أن هذا الأخير قد تم تحضيره باستخفاف ولا مسؤولية. و إن تتبع بقية أبواب و فصول التقرير وصولا إلى التوصيات و الخلاصات كفيل بإثبات أن الساهرين على إعداده قد لجأوا إلى اجترار معطيات لا يحتاج المرء للحصول عليها سوى إلى النقر على أزرار الحاسوب أو تصفح الجرائد، ثم عالجوها بطريقة عقيمة انعكست على النتائج النهائية. *أستاذ بكلية الحقوق البيضاء