وأنا في مهرجان طنجة للفيلم الوطني، اتصل بي صحفي من القناة الثانية للإدلاء بتصريح حول استعمال اللغة الهجينة والساقطة في بعض الأفلام المغربية، وذلك في إطار برنامج مباشرة معكم الذي تطرق للسينما المغربية يوم الأربعاء 13 فبراير 2013. فسألته: لماذا لا أشارك مباشرة في البرنامج ؟ فأجابني أن الحلقة سيشارك فيها المهنيين فقط. فأكدت على أن رأي النقاد مهم جدا. خلال التصريح أجبت عن أسئلته بصفة عامة و مقتضبة باعتبار أن الوقت لا يسمح بالاطالة، انطلاقا من رؤية نقدية تعتمد المهنية و الموضوعية كما افعل دائما في مقالاتي، فأدوات التحليل الفيلمي كما درسناها للطلبة معروفة لدى جميع النقاد و السينمائيين. و لا لأحد أن يزايد علينا بها. لكن قدمت رؤيتي أيضا انطلاقا من ثقافة المجتمع المغربي وهويته التي توحد جميع أفراده مهما اختلفت مشاربهم الفكرية. فانا مقتنع بان الإبداع هو ابن بيئته الثقافية و القيمية و لا يمكن أن نبتره عنها. وعلى الناقد أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى الذي يجب أن يتحسسه في مضمون أي فيلم. مثلما اعتقد جازما أن الجرأة أساس الإبداع لكونه يثير المتلقي بتساؤلاته التي تخلق لديه حالة من القلق الوجودي، فضلا عن تحقيق المتعة المطلوبة في أي إبداع فني. لكن الجرأة جرئتين: جرأة ايجابية وهي التي أومن بها، أي جرأة في الطرح الفكري و في المعالجة و في اختيار الموضوع و في الرؤية الفنية وفي التجديد. الجرأة في الانتصار للقيم الإنسانية النبيلة و أهمها قيم الحق والتحرر الصدق وخاصة كشف الحقيقة كما يرى هيجل. وهناك جرأة سلبية هدفها الإثارة المجانية و الاستفزاز العبثي مع غياب العمق و الرؤية الفنية والفلسفية، وهذا ما سار عليه إبداعنا الأدبي و السينمائي في الآونة الأخيرة. و هذا ما عبرت عنه في التصريح الذي للأسف حذفت منه عدة أشياء، بقولي: لغة ما تحت الحزام لا تمت بصلة إلى الإبداع و لا إلى السينما. إلا إذا أراد المخرج أن يتحدى الجميع و أن يكون فيلمه تجاريا بامتياز. علما أنني في كلامي مع الصحفي أكدت على أن لغة الشارع إذا صح التعبير و التي تقحم بطريقة فجة في الأفلام مستويين: مستوى نقبله و مستوى لا نقبله بتاتا. وفي هذا السياق تطرقت للسينما الأمريكية خاصة المخرج الأمريكي مارتان سكورسيزي الذي قبل أن يصبح سينمائيا اختار في عنفوان شبابه أن يصبح راهبا. موضحا انه يمكن الاستفادة من تلك الأعمال السينمائية لكنها تظل مرهونة بمحيطها الثقافي، بينما نحن لدينا أيضا خصوصيتنا الثقافية. ولا يمكننا أن ننسخ تجارب الآخرين. وان كنت على يقين أن المجتمع الأمريكي مجتمع محافظ أكثر من المجتمع الأوروبي ولذلك لا يقبل كل ما تقدمه له السينما، والكل يتذكر ردة الفعل التي خلفها شريط "آخر غواية المسيح" لمارتان سكورسيزي (1988) لدى الأمريكيين. ولذلك أرى انه لابد من إعادة النظر في مجموعة من التصورات والمفاهيم المستوردة من الغرب والتي يريد البعض إسقاطها على واقعنا أو على سينمانا. وهذا أوجه الاختلاف بيني وبين بعض النقاد و بعض السينمائيين الذين يعيشون قطيعة ثقافية مع المجتمع. وأنا أرى انه إذا أردنا أن نخدم فعلا السينما المغربية التي لم يعد ينقصها أي دعم(مادي ومعنوي) لخوض غمار المنافسة، لابد من الجدية والإحساس بالمسؤولية الإبداعية والتاريخية اتجاه المشاهد المغربي واحترام ذوقه وهويته و قضاياه المصيرية. لقد رأينا أفلاما مغربية في مهرجان طنجة للفيلم في دورته الأخيرة حصلت على الدعم لا تقدم مشروعا ثقافيا، لا تضيف أي شيء للرصيد المعرفي للجمهور، فضلا عن كونها رديئة فنيا. كما لابد من خطاب نقدي مسؤول و شجاع ومقوم لمسار هذا الإبداع السينمائي، عوض الحديث في الكواليس و عوض المدح المجاني و قذف الورود و المحاباة اتجاه من يستحق النقد. وأنا أعطي تصريحي للقناة الثانية لم أكن أتصور أنني سأهان في كرامتي، فلقد انتقدت مرارا عدة أفلام ولم اسمع من مخرجيها أدنى تجريح. لكنني فوجئت بالطريقة اللاحضارية التي هاجمني بها مخرج "زيرو" نور الدين لخماري و قذفي بأبشع الأوصاف القدحية ، مباشرة على الهواء و في قناة عمومية وأمام الملايين من المشاهدين، بل دهشتي زادت أمام التصرف اللامهني لمقدم البرنامج الذي لم يوقف تلك المهزلة، مخالفا بذلك دفتر التحملات الخاص بالقناة التلفزية و أيضا قانون الاتصال السمعي البصري الذي يمنع أي سلوك أو أي قول يلحق ضررا بشخص معين أو يهين كرامته. وقد استهجنت ذلك في بيان استنكاري نشرته العديد من الصحف الوطنية والعديد من المواقع الالكترونية (مشكورة على ذلك) والذي على إثره تلقيت تضامنا واسعا من عدة فنانين وممثلين وصحفيين وكتاب وأساتذة وباحثين و طلبة وبعض النقاد و كذلك عامة الناس الذين لم يستسيغوا ذلك التصرف اللاديموقراطي في حقي و ذلك المستوى الهزيل من النقاش، والذين أكدوا أنهم ضد لغة ما تحت الحزام في السينما المغربية لأنهم يريدون أن يشاهدوا أفلاما مع عائلاتهم و ذويهم دون أن يخدش سمعهم أو حيائهم بأدنى كلمة نابية. وكما جاء في البيان الاستنكاري و في الرسالتين الموجهتين لكل من مدير القناة الثانية و رئيسة الهاكا اعتبرت ذلك أسلوبا لا ديموقراطيا و لا مهنيا لكون المخرج لم يرد على رأيي بل هاجم شخصي. وكم كان موقفه سخيفا وهو يعلن أنني لا افقه شيئا في السينما ولا في السينما الأمريكية و أنا الذي تكونت سينمائيا في دار أمريكا بالرباط في الثمانينات قبل أن تغلق، وفي المركز الثقافي الفرنسي و المركز الثقافي الايطالي ثم المركز الثقافي المصري، فضلا عن بعض الأندية السينمائية، هذا مع تخصصي في الأدب الفرنسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث تلقينا النقد الأدبي و الفني ودرسنا التحليل السينمائي على أساتذة متميزين مغاربة وأجانب. فما عساي إلا أن أقول انه أسلوب ينم عن أن صاحبه يكن حقدا بغيضا لي و لا يؤمن بحرية الرأي أو حرية النقد وحق الاختلاف كما يدعي، و هذا سبة في حق الدستور المغربي الذي يخولنا حرية الرأي. * ناقد سينمائي وعضو الجمعية المغربية لنقاد السينما وعضو لجنة دعم المهرجانات السينمائية