الحديث عن واقع السينما المغربية اليوم له أهميته، لأنها محط نقاش واهتمام من طرف الرأي العام، إن على المستوى الفكري أو الاجتماعي أو السياسي، خاصة بعد النقاشات والضجات الإعلامية التي أثارتها بعض الأفلام المغربية بسبب مضامينها. و أيضا بعد المناظرة الوطنية للسينما (بأكتوبر من 16 إلى 18 أكتوبر 2012 بالرباط)، التي شكلت محطة هامة في مسار السينما المغربية، لكونها جاءت في وقت عرف فيه المشهد السينمائي عدة انتقادات حول مساره وتوجهاته. الحديث عن واقع السينما بالمغرب يعني التطرق بموضوعية لمكونات هذا المشهد السينمائي، ابتداء من الإنتاج إلى غاية مضامين الإبداع السينمائي ومرورا ببنياته التحتية، طبعا بايجابيات هذا المشهد وسلبياته. 1 الإنتاج وسياسة الدعم السينمائي: مقارنة مع السابق، تعرف السينما المغربية وتيرة إنتاج متزايدة حيث وصلنا إلى 20 شريط طويل فيه شريطين أو ثلاثة أشرطة وثائقية، وهذا بفضل سياسة الدعم التي تنهجها الدولة والتي ترى في السينما قاطرة لتنمية الثقافية والاقتصادية. فالدعم بلغ اليوم مائة مليون درهم سنويا. كما أن الشريط السينمائي أصبح يحصل على 600 مليون سنتيم (ما بين 400 و600، في إطار منح تسبيق على المداخيل). طبعا هذا مال عام، وبالتالي على قدر الدعم تكون المسائلة والمحاسبة. من المؤكد أن سياسة الكم خلفت دينامية على مستوى الأعمال السينمائية، لكن الدورة الأخيرة لمهرجان طنجة للفيلم الوطني، أبانت عن محدودية هذا التوجه الذي يأتي على حساب الجودة. فقد شاهدنا أفلاما لا علاقة لها بالسينما لأنها أفلام تلفزية بالأساس، كما وقفنا على ضُعفٍ في الكتابة السيناريستية، في الإخراج، في الأداء، في المضامين، وقفنا أيضا على اللامسؤولية و اللاجدية لبعض المخرجين الذي حصلوا على الدعم الكبير. من جهة أخرى لازال الشريط الوثائقي لا يحظى بالتشجيع ولا بالأهمية التي نجدها في بلدان أخرى، فالفيلم الوثائقي هو الآخر نوع من الإبداع السينمائي المتميز. 2 القاعات السينمائية: من المفارقات العجيبة التي تخص السينما المغربية انه في الوقت التي تعرف فيه ارتفاعا في الدعم و الإنتاج تسجل القاعات انخفاضا ملفتا للنظر، فبعدما كان المغرب يتوفر على 260 قاعة سينمائية لم يعد يحتضن إلا 30 قاعة، ربما بعضها آيل للزوال. هذا التراجع صاحبه تراجع آخر يتمثل في انخفاض عدد نسبة المشاهدة. من مليونين و 800 ألف إلى مليونين و 11الف. الجهات المسؤولة عن الحقل السينمائي ببلادنا لم تنهج سياسة واقعية لمعالجة هذه الأزمة. و ذلك بإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولكن ارتأت أن تنخرط في إنشاء المركبات السينمائية التي تكلف الكثير، منذ سنتين أو ثلاثة صرح مدير المركز السينمائي المغربي سيتم العمل على إنشاء 150 مركبا سينمائيا إلى غاية 2012 لإيصال عدد القاعات السينمائية إلى 260 قاعة. اليوم لا نرى ذلك. وحتى الخواص لا ينخرطوا في هذه المشاريع الكبرى. وهذه معضلة أخرى. فهل أصبحت المشاريع السينمائية مشاريع إفلاس؟ 3 التظاهرات السينمائية: يعتبر المغرب ربما البلد العربي الوحيد الذي يشهد تنظيم أكبر عدد من التظاهرات السينمائية بمختلف أشكالها وألوانها وتنوع تيماتيها. فقد بلغت 52 تظاهرة، تتوزع بين المحلي والوطني والدولي. وهي في تزايد. صحيح أنها تأتي لتعويض تراجع الأندية السينمائية ولتقريب السينما من جميع الشرائح الاجتماعية، لكنها لم تفلح في إرجاع المشاهد لقاعات السينمائية. بل إن هناك العديد من التظاهرات تقام في قاعات عمومية وليس سينمائية. على أن هذه التظاهرات السينمائية تعرف غالبا نفس البرمجة و نفس الوجوه و نفس الخطاب السينمائي، بمعنى أن هناك شيء اسمه التكرار و النسخ و هدر المال العام. فالمهرجانات كنشاط سينمائي متميز يجب أن تكون له روح جمالية و فلسفة نقدية نابعة من نظرة محددة لما نريده من السينما و المهرجانات. قد يختلف الوضع اليوم مع إحداث لجنة دعم المهرجانات السينمائية لمحاولة تقنين وإعادة هيكلة التظاهرات السينمائية والرفع من مستواها الفني والمهني. 4 الاستثمارات السينمائية الأجنبية: حسب المركز السينمائي المغربي فان المغرب يحتل الرتبة الثانية من حيث استقطاب الأعمال السينمائية العالمية، السؤال هو: ما هي انعكاسات ذلك على السينما ببلادنا؟ ماذا تحقق من خلال هذه الاستثمارات؟ أكيد أن التقنيين والمنتجين والسينمائيين يستفيدون على مستوى تقني وفني، لكن إلى اليوم ليست ليدنا أي صناعة سينمائية. أين تذهب هذه الأموال التي من المفروض أن تكون رافعة للسينما ببلادنا؟ فإحداث صناعة سينمائية لازال صعب المنال. الإشكال الآخر هو مضامين هذه الأفلام الأجنبية التي غالبا لا تراعي الخصوصيات الثقافية والقيمية للبلد، بل حتى قيم الأمة الإسلامية ككل. فالعديد من الأشرطة الأجنبية التي تقدم صورة سيئة عن المجتمعات العربية صورت بالمغرب. على مستوى آخر، ماذا نستفيد أيضا من التعاقدات المغربية- الاورو-المتوسطية؟ مثل «ميدا فيلم» و «اورو ميد» حيث الكيان الصهيوني شريك فيها، وبالتالي تفرض التعاون السينمائي والثقافي معه؟ 5 المضامين: في هذا الإطار ننطلق من بعض الأسئلة: هل الفيلموغرافية المغربية في العشرية الأخيرة تعبر عن حساسيات فنية معينة؟ هل تعبر عن انشغالات جماعية لدى المخرجين؟ هل تعبر عن عمق جماعي أم فردي؟ هل تفرز لنا تيمات سوسيولوجية ونفسانية وفكرية تهيمن على الساحة السينمائية؟ هل تعبر السينما المغربية عن زمانها أو ظرفيتها التاريخية وعن المخيال الجمعي المغربي؟ كانت السينما المغربية منذ انطلاقتها الفعلية مع جيل التأسيس في أواخر الستينات إلى غاية أواخر الثمانينات، ذات بعد وطني، كانت لها رؤية للعالم. كان الإبداع السينمائي رغم معيقاته التقنية يتوفر على جمالية ورؤية نقدية للمجتمع، بمعنى كان له مشروع وطني بغض النظر عن الانتماءات الإيديولوجية للسينمائيين. المهم أن السينما كانت أداة تغيير وتثقيف. قد يكون الواقع العالمي آنذاك ساهم في ذلك. اليوم في ظل تعدد المواضيع المطروحة، من الصعب الحديث عن ملامح كبرى أو توجهات معينة للسينما المغربية، أو اهتمامات قارة للسينما المغربية، من الصعب الحديث عن مدرسة سينمائية مغربية. فنحن تحت رحمة ما تجود به قارحة السينمائيين المغاربة واهتماماتهم و استيهاماتهم. هناك غياب رؤى فلسفية وفنية للإبداع السينمائي المغربي وذلك نابع من القطيعة التي يعيشها السينمائيون مع المثقفون والأدباء المغاربة باستثناء البعض وفي نطاق ضيق. إن ما يدفع به في الواجهة، باسم «مساءلة الممنوع والمسكوت عنه» و باسم الواقعية و الحرية، هي أفلام مثيرة وذات جرأة سلبية، هدفها الإثارة المجانية و الاستفزاز العبثي بعيدا عن العمق في الطرح والمعالجة، أفلام ترتكز أساسا على لغة الجسد في بعدها التجاري (الجنس، الشذوذ الجنسي، الدعارة، الكلام المبتذل...)، وتمس بقيم المجتمع المغربي و ثقافته، و تستجيب أحيانا لشروط التمويلات الخارجية ولعولمة لا تؤمن بالاختلاف الثقافي. فلا احد تطرق إلى جمالية الجسد والروح، وإنما اختزل الجسد في كونه خزان للنزوات فقط. على انه، وباسم الجرأة، أحدثت لنا النخبة السينمائية ببلادنا، وبعد مرور ما يزيد عن الخمسين سنة، «طابوهات» أو ممنوعات سينمائية محرم على أي ناقد أو سينمائي المساس بها أو انتقادها. وكل من حاول تكسيرها يعد من «الصابئين» الظلاميين والرجعيين والمعادين للفن وللسينما. ويتعلق الأمر أولا بحرية الإبداع السينمائي المطلقة، أو بعبارة أخرى ليس في السينما كما في الفن خطوط حمراء، سيما على المستوى الثقافي والقيمي. وان المبدع أو السينمائي فوق مجتمعه وفوق أي معطى ثقافي ومعتقداتي. و هذه الفكرة أصبح الكل يرددها بدون استحياء كأنها وحي منزل، علما انه لا توجد حرية مطلقة. فالمبدع ابن بيئته الاجتماعية والثقافية والروحية مهما علا شانه. لكن المبدع إما ان يكون مخلصا لمجتمعه ومجددا لثقافته مع نقدها موضوعيا، وإما ان يكون متمردا عليه، متنكرا لأصوله وجذوره الثقافية و الاجتماعية.