هذه الحصيلة تمت قبل أن يناقش المشهد السينمائي المغربي من طرف أي جهة سينمائية. يمكن القول أن المشهد السينمائي لسنة 2009 عرف وبصفة عامة تطورا ملموسا على عدة مستويات: على مستوى الإنتاج فقد وصلنا إلى 15 شريطا طويلا فيها أشرطة نوعية فنيا وموضوعاتيا تؤكد على أن السينما قطعت بالفعل أشواطا كبيرة في المجال الفني والتقني. وهذا ينطبق كذلك على بعض الأشرطة القصيرة التي أبان أصحابها في الدورة 11 للمهرجان الوطني بطنجة عن كفاءات متميزة. فالدورة 11 شهدت عرض أول شريط مغربي رقمي وهو شريط "أولاد لبلاد" لمحمد إسماعيل وهذا مكسب مهم. صحيح أن التجربة في بدايتها لكنها تعد بالشيء الكثير وستمكن السينما المغربية من دخول غمار المنافسة العالمية دون مركب نقص. ومازال الإنتاج السينمائي الوطني في تطور بحيث السنة المقبلة قد سيصل إلى 18 شريطا. وهذا يوافق استراتيجية المركز السينمائي الهادفة إلى خلق الكم (وهذه نقطة قد نتفق عليها أو نختلف) الذي يواكبه دعم مادي قوي من طرف الدولة (60 مليون درهم وسيصل إلى 100مليون سنة 2012) من اجل صناعة سينمائية لازال المغرب لم يحققها بعد. من جهة أخرى التظاهرات السينمائية تزايدت هذه السنة حيث وصلت إلى 52 تظاهرة سينمائية مقارنة مع سنة 2008 ب 43 تظاهرة. أي بزيادة 9 تظاهرة، بمعنى أن هناك ربما إرادة حقيقية في الوصول إلى 100 تظاهرة سينمائية كما جاء على لسان بعض المتحدثين باسم المركز السينمائي المغربي. لكن الملاحظ أن هذه التظاهرات السينمائية فيها من تطورت شكلا وتنظيما وفيها من تراجعت بشكل سيء. على مستوى البوكس أوفيس وحسب معطيات المركز السينمائي فالشريط المغربي يحتل المرتبة الثانية هذه السنة بعد الفيلم الأمريكي، بعدما كان يحتل المرتبة الثالثة بعد مصر. بمعنى أن هناك اهتمام متزايد بالسينما المغربية من طرف المواطن المغربي. وهذا راجع بالأساس إلى أن سنة 2009 شهدت نقاشا حقيقيا حول السينما المغربية والإبداع السينمائي ببلادنا ومدى اتصاله بالمجتمع المغربي او انقطاعه عن ثقافته ومكوناته الحضارية. وهذا النقاش الذي ساهم فيه الإعلام المغربي أثيرت اغلب محاوره في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الأخيرة. في ما يخص مشاركة الأفلام المغربية في المهرجانات الأجنبية فمازالت مستقرة، لكن 2009 سجلت ولأول مرة حضور الفيلم المغربي في الصين وكوريا الجنوبية والأرجنتين والبيرو وهنغاريا وموريتانيا وفلسطين واستراليا. يعني أن الفيلم المغربي بغض النظر عن محتواه يكتسح فضاءات جغرافية و ثقافية أخرى من مختلف القارات، وان كانت نسبة المشاركة العالية منحصرة في دول البحر الأبيض المتوسط كفرنسا وايطاليا واسبانيا ومصر ولبنان والدول المغاربية. لكن نسجل الحضور القوي في هولندا والولايات المتحدةالأمريكية. لكن في المقابل مازلنا نسجل التراجع المهول في القاعات السينمائية التي تراجعت اليوم إلى اقل من 50 قاعة للعرض. هل ستنجح سياسة المركبات السينمائية التي مافتئ المركز السنمائي يحدثنا عنها في استرجاع ما ضاع؟ هذا ما سنراه بعد لكن الأمر ليس بالأمر الهين. كما نسجل أيضا تراجعا في نسبة الارتداد على القاعات السينمائية حيث انخفض الى مليونين ونصف بعدما كانت تقارب الثلاثة ملايين سنة 2008. على صعيد آخر مازال هناك نقص في معاهد ومدارس التكوين، ومن غير المعقول أن ننتظر ثلاثة سنوات لانجاز معهدا خاصة بالمهن السينمائية الذي قد يرى النور في أفق 2011. وهذه ليست مسؤولية الدولة فقط بل مسؤولية على عاتق الخواص الذين إلى غاية اليوم لا يستثمرون في السينما أو التكوين السينمائي. و اعتقد أن المغرب لديه من المؤهلات ليكون رائدا في هذا المجال إفريقيا وعربيا. الدورة 11 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة أفرزت مشكل لازالت السينما المغربية تعاني منه هو مشكل كتابة السيناريو الذي أثير بشكل ملحوظ في النقاشات التي نظمت على هامش المهرجان. وهنا لابد من صيغة إجرائية لهذه الإشكالية سواء بالتحفيز على الكتابة أو بالتكوين الجاد وليس في الورشات. والحقيقة أن إشكالية السيناريو ببلادنا هي إشكالية فكرية بمعنى أننا في المغرب وخلافا للمشارقة والغربيين لا نهتم بالرواية كنوع أدبي يعتبر خزانا لكتابة السيناريو وبالتالي بالأدب الروائي المغربي، ومن هنا يأتي ضعف بعض الأشرطة المغربية التي تعاملت مع حقبة تاريخية للمغرب. ولذلك فمن الضروري أن تخصص الدورة المقبلة للمهرجان الوطني وكل المهرجانات الوطنية الفاعلة لكتابة السيناريو. ملاحظة أخرى تتعلق بالشريط الوثائقي لازال هذا النوع من الإبداع السينمائي لا يتوفر على الدعم الكافي والاهتمام من طرف القائمين على الشأن السينمائي، المهرجان الوطني لم يشهد عرض أي شريط وثائقي جديد، وان كنا نتوفر على مهرجانات خاصة بالشريط الوثائقي. بمعنى انه لازالت جهات خارجية هي التي تدعم السينمائيين المغاربة المهتمين بالفيلم الوثائقي. وفي الأخير نسجل تراجعا في الاستثمارات الأجنبية السينمائية(من 612 مليون درهم إلى 414 مليون) سيما على مستوى تصوير الأفلام الوثائقية والروبرطاجات وليس الأفلام الروائية كما يعتقد البعض. لكن تظل إشكالية الاستثمارات الأجنبية هي التنظيم ومراقبة المضامين التي تمس أحيانا بسمعة وهوية المغرب والقضايا العربية الإسلامية، مثل ما حصل مثلا مع تصوير الجزء الثاني من الشريط الأمريكي "جنس ومدينة". من جهة أخرى يلاحظ أن نفس شركات الإنتاج المغربية هي التي تتحكم في التعامل مع الاستثمارات الأجنبية، دون إفساح المجال لشركات أخرى. مما يعني إقصاء أطراف أخرى كان بإمكانها ان تستفيد من تلك الاستثمارات لتطوير أدائها. وهذا يتطلب إقبار عقلية المحسوبية والزبونية التي يشتكي منها المنخرطين في القطاع السينمائي. مصطفى الطالب ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة