لعل السؤال الأهم الذي يمكن أن يطرح على ادارة المركز السينمائي المغربي التي قدمت تقريرها مؤخرا (وطبعا تحدثت عن الانجازات) حول أدائها خلال سنة 2009 هو: أي حصيلة يمكن أن تقدمها في ظل وضعية سينمائية لازالت لم تخرج من عدة أزمات تعرقل الانطلاقة الفعلية للمشهد السينمائي المغربي؟ وقبل الإجابة على السؤال لابد من الإشارة إلى أن التقرير الإداري لسنة 2009 جاء وللأسف متؤخرا باعتبار أننا على أبواب نهاية الموسم السينمائي لهذه السنة. فقد كان من المفروض(إلا إذا كانت هناك اعتبارات أخرى نجهلها) أن يقدم التقرير مع مطلع سنة 2010 (ولا أتحدث هنا عن حصيلة السنة السينمائية 2009) ، خاصة وان تقرير المجلس الأعلى للحسابات ألقى هو الأخر بظلاله على الأداء العام للمركز السينمائي المغربي. لان أهمية التقرير الإداري تأتي من انه يوضح للرأي العام معالم السياسة السينمائية الوطنية التي ينهجها المركز السينمائي المغربي، فضلا عن أهم انجازاته لسنة 2009 وطريقة أدائه. وهذه الأمور لابد أن تصدر للرأي العام في حينها ليتم تداولها في وقتها. لا شك أن الإجابة عن سؤال الحصيلة، التي انكبت على الإنتاج السينمائي ومداخيل شباك التذاكر والمشاركة المغربية في المهرجانات الدولية، يفرض علينا الموضوعية التامة للتعاطي مع ملف شائك كالملف السينمائي. أولا يجب الاعتراف وبشكل عام أن المركز السينمائي المغربي عمل على جعل السينما المغربية في قلب الأحداث الاجتماعية والسياسية والثقافية ببلادنا، بغض النظر عن نوعية الإنتاج السينمائي وعن الكيفية التي تم بها ذلك، حيث أصبحت تشكل حدثا بارزا في الإعلام المغربي بشتى تجلياته وتوجهاته. ثانيا يمكن القول انه بالفعل عرف الإنتاج السينمائي المغربي تململا ملحوظا حيث وصل إلى 15 شريطا سنة 2009، كما أن هذا الإنتاج في مجمله يتميز بارتفاع مستواه الفني والتقني مقارنة مع بدايات السينما المغربية. من جهة أخرى حققت السينما المغربية شيء من الشهرة على المستوى العالمي وبالأخص على المستوى العربي والإفريقي، كما توضح ذلك نسبة المشاركة المغربية في المهرجانات السينمائية الأجنبية لسنة 2009. كل هذه المعطيات ساهمت في خلق دينامكية حول أهمية الإبداع السينمائي وأهمية الصورة والتربية على الصورة في تطور المجتمع المغربي، وأيضا في جلب الاستثمارات السينمائية الأجنبية بغض النظر عن سلبياتها. لكن في المقابل، يجب التأكيد على أن الإنتاج المغربي لازال ضعيفا، ليس مقارنة ببعض الدول المجاورة أو الغربية، وإنما مقارنة بالسنوات التي راكمتها التجربة السينمائية ببلادنا، فلا يعقل انه منذ الستينيات إلى الآن لم نصل إلا إلى 12 أو 14 شريطا طويلا، سيما وان الدعم هو الآخر تطور بشكل كبير. وأيضا بانفتاح السينما المغربية على تجارب سينمائية أخرى أجنبية بالخصوص، يفترض أن تساعدها على التقدم والتطور. فجل المخرجين السينمائيين المغاربة درسوا في اوروربا وانهلوا من معينها السينمائي، كما أن المركز السينمائي المغربي يبرم عدة اتفاقيات تعاون مع دول أوروبية في هذا المجال. فهل ننتظر 40 أو 50 سنة أخرى لنصل إلى 20 أو 30 شريطا مطولا في السنة؟ على أن هذا الإنتاج الذي "نفرح به" اليوم أثار عدة انتقادات وزوبعات إعلامية وشعبية(بين المواطنين) بسبب مضامينه التي اعتمدت أحيانا الإثارة والجرأة(الجنس، الدارجة الساقطة، توظيف الجسد الأنثوي بشكل سلبي...)، وأحيانا بالتهكم على الهوية المغربية والقيم الثقافية الوطنية والدين والأخلاق التي يراد لها أن تفصل عن السينما، بأي شكل من الإشكال حتى يستمر العبث وليس الإبداع السينمائي. علما أن الفن في بدايته مع الإغريق انطلق من رحم الطقوس الدينية. كما أن جل الإبداعات الإنسانية تنطلق من ثقافتها. فلماذا يتم التغاضي عن هذه الحقيقة؟ وعلى هذا الأساس فان السينما المغربية تعيش أزمة هوية وتعيش قطيعة ثقافية وقيمية مع محيطها، مما ينذر بانتكاسة أخرى، تضاف إلى الانتكاسة الحاصلة على مستوى تراجع القاعات السينمائية والتي إلى غاية اليوم لم ينكب بعد عليها المركز السينمائي بشكل واضح. وإذا كانت مداخيل شباك التذاكر وصلت إلى 26 بالمائة(وهو رقم هزيل) من إجمالي المداخيل التي بلغت 68 مليون درهم سنة 2009، فان نسبة الدخول أو المشاهدة لازالت تسجل تراجعا، ففي سنة 2008 سجلت مليونين و960 ألف، لكن في سنة تراجعت إلى مليونين و638 ألف. بمعنى أن العزوف عن الذهاب إلى السينما في تصاعد مثير، فماذا عمل المركز السينمائي لأجل تحفيز المواطن على الذهاب إلى القاعات السينمائية؟ ما هي إستراتيجيته على هذا المستوى حتى نضمن استمرارية القطاع السينمائي ببلادنا او استمرارية ما تبقى من قاعات العرض ببلادنا؟ هل إنشاء مركبات سينمائية هو الحل الوحيد والكفيل بإرجاع المشاهد إلى السينما(هذا في حالة تحقق هذا الحلم)؟ أم أن المسالة لها علاقة بثقافة سينمائية تعمم على المجتمع ككل آخذة بعين الاعتبار خصوصية المجتمع المغربي ومرجعيته اللغوية والثقافية عوض التغريب اللغوي والفكري التي تكرسه مجمل الأشرطة المغربية؟ فتعميم وتشجيع هذه الثقافة السينمائية سيساعد على الحد من انتشار ظاهرة القرصنة، لان المواطن سينخرط هو الآخر في محاربتها، عوض الاكتفاء ببعض الحملات المناسباتية من طرف السلطات أو الجهات المعنية. أما ما يخص المشاركة المغربية في المهرجانات السينمائية الدولية، فالملاحظ أن تتويج الأفلام المغربية يقتصر على دول الجوار وبعض الدول العربية، وأيضا بعض المهرجانات الأوروبية الخاصة بالسينما العربية أو المتوسطية. أي أن الأفلام المغربية لم تخترق بعد كبريات المهرجانات الدولية، وهذا مع عيناه مع إخفاق شريط "وداعا أمهات" لمحمد إسماعيل (رغم انه يضرب على الوتر الحساس لهوليوود المتمثل في اليهود) و "كازا نيكرا" لنورالدين الخماري، للمشاركة في جوائز الأوسكار. وحتى إذا سلمنا بشراكة ايجابية، وهذا مطمح الجميع، فالملاحظ أن الأفلام التي تمثل المغرب في الخارج هي أفلام لا تعكس حقيقته ولا هويته ولا تطوره أو صورته الايجابية. بل تكرس صورة نمطية عنه بثقافة هجينة تعكس استلاب مخرجها أمام عين غربية تحب أن تظل سينما شعوب العالم العربي الإسلامي على تلك النمطية. وهنا المسؤولية ملقاة على عاتق المركز السينمائي الذي هو جهاز عمومي يمثل المغاربة في الداخل والخارج، ويعيش بفضل ضرائبهم. ومن ثم فمسائلتهم له أمر ضروري وطبيعي، سواء حول الدعم وكيفية تصريفه او نوعية الأفلام المنتجة او التي تمثل المغرب في التظاهرات السينمائية الدولية. وبخصوص إبرام اتفاقيات التعاون السينمائي الثنائي، فهذا الملف تشوبه الضبابية لكون الأمور لا يتم الإعلان عنها كليا، حتى بين السينمائيين أنفسهم، حيث أن البعض يستفيد منها والبعض الآخر يجهلها. على أن اخطر اتفاقية هي التي تخص اتفاقيات "اورو ميد او ميدا" المتعلقة ببلدان البحر الأبيض المتوسط، والتي تنص بنودها على التعامل مع الكيان الصهيوني. بل إن جوهرها هو التطبيع مع العدو الاسرائلي. وهذا مفاده فتح الباب على مصرعيه للأفلام الاسرائلية او الغربية التي تخدم الحركة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية، كما رأينا عدة مرات مع قاعة "ميكاراما" بالدارالبيضاء التي عرضت أشرطة أجنبية بهذا الشأن. وبالتالي غلق الباب أمام أي إنتاج سينمائي يخدم القضية الفلسطينية، أو حتى بعض الملفات الخاصة بحقبة الاستعمار. والحقيقة انه أمام الوضع الراهن الذي تمر منه القضية الفلسطينية التي يتعاطف معها كل الشعب المغربي وكل الضمائر الحية، يجب على المركز السينمائي ألا يبقى في معزل عن الحدث، ويساير إرادة الشعب المغربي بتشجيعه على بعض المشاريع التي تصب في هذا الاتجاه. وفي ما يتعلق بالمهرجانات، فالواقع يؤكد على أنها بالفعل وكما عبرت عن ذلك ادارة المركز خلقت "دينامية" في المشهد القطاع السينمائي، لكن في بدايتها او في دوراتها الأولى. أما الآن فقد أصبحت محطة للاستجمام وللسياحة وأحيانا لتبذير المال العام، فضلا عن عزوف الجمهور عنها، خاصة في المدن الكبرى. فخطة الزيادة في المهرجانات قد تكون غير صحية، سيما وان اغلب المهرجانات لا تواكبها حملة تواصلية جبارة مع محيطها ومع المواطن المنشغل بقضايا معيشية أخرى. ولعل الجمهور الذي يجب أن يستفيد من هذه المهرجانات هو جمهور التلاميذ والطلبة الذين هم مستقبل هذا البلد، إضافة إلى الأساتذة اللصقين يوميا معهم. فهل تتواصل المهرجانات مع وسط المؤسسات التعليمية او الجامعات والمعاهد عند انطلاقها؟ وأخيرا وليس آخرا، فان استقطاب الاستثمارات السينمائية الأجنبية يعد شيء ايجابي على المستوى الاقتصادي والسياسي والسينمائي، لكن ليس على حساب ثوابت هذا البلد وصورته أمام العالم، وليس على حساب علاقته مع العالم العربي والإسلامي التي تربطه به أواصر قوية، والتي يراد لها أن تفتت عبر قبول تصوير أشرطة تضرب في هذا الكيان الملتحم وقضاياه المصيرية. من هنا ضرورة إعادة النظر في كيفية التعامل مع هذا الملف الحساس. وهكذا يتضح أن المركز السينمائي المغربي أمام وضعية سينمائية تحتاج إلى طفرة نوعية كي تخرج من مأزقها من خلال استراتيجية واضحة وواقعية، وهذا لن يتأتى إلا بتضافر الجهود من طرف جميع الجهات المعنية، بمعية المواطن المغربي الذي يجب ألا يظل في الهامش وبعيدا عما يجري في الساحة السينمائية. ولعل "الروح الرياضية" أي روح تقبل النقد التي أبانت عنها ادارة المركز السينمائي في عدة لقاءات سيكون لها الأثر الايجابي في إشراك الجميع في هذا الملف الوطني والذي يتطلب منا إعطاؤه كل الأهمية المرجوة. مصطفى الطالب ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة