في مغربنا اليوم، ورثة محترفون يتقنون لغة السطو على التاريخ السياسي لأحزابهم وهم يجيدون باحترافية غير مسبوقة صناعة المريدين والأتباع.فعلى امتداد المؤتمرات الحزبية- التي دأبت الأحزاب المغربية على عقدها، وكان آخرها مؤتمر الإتحاد الاشتراكي – يحدث الشيء نفسه وتتلبد السماء السياسية للحزب بنفس الغيوم، وفي كل مرة يأتي المؤتمرون ليأخذوا مقاعدهم في الصالة الفسيحة ويسرى بالقادة صوب المنصة العالية ليقتعدوا كراسيهم الوثيرة مجللين بقداسة لو رآها فيورباخ لصاح مرة أخرى : علينا أن نستعيد ماضيعه الأسلاف لصالح السماء لتصبح بعد تصريفها في الزمن السياسي المضارع : علينا أن نستعيد ماضيعه الأتباع لصالح الشيوخ.عسانا نئد الصور الكاريزمية للشخصيات الحزبية التي يجري تأليهها في زمن أطيح فيه بعروش آلهة كثيرة. وإذا باللوائح لاتحبل إلا بالأسماء ذاتها وبالوجوه نفسها وكأن أمنا السياسة لاتتوحم إلا على نفس الوجوه . وهنا لابد من وضوح فعراقة حزب ما كامنة في قدرته على أن يطور الفاعلين فيه، أن يصنع من طاقاته البشرية قوة دينامية تدفع به نحو استحقاق الحاضر والغد. قوة الحزب كامنة في قدرته على صناعة القادة باستمرار، والذي لم يفهمه شيوخ الأحزاب المغربية هو أن إصرارهم على البقاء قادة كل هذا الزمن لايعطي إلا انطباعا واحدا هو عقم أحزابهم عن أن تجود بمثلهم. وكأنهم آخر الأنبياء والجميع دونهم إما حاقد مندس أو مسيلمة كذاب. ولقد نسي هؤلاء القادة هذه البديهية المنطقية فاستطابوا وثير الكراسي ولم ينصتوا لنصائح أطبائهم بخطورة الجلوس الطويل على المقاعد وحجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه بمؤخراتهم المبجلة المهددة ببواسير سياسية لاينفع معها إلا الكي. فهل يتأسى قادة الأحزاب المغربية باستوديو دوزيم ويتركوا القافلة تجوب فروعهم القصية بحثا عمن ينتظرون شرف الفرصة لإثبات الذات؟ على أن مسؤولية الأتباع والمريدين أكبر فداحة تاريخيا ( فماكان الذئب ليكون ذئبا لو لم يكن الحمل حملا). لقد استمرأ قادة المشهد السياسي في المغرب فكرة التناوب تلك الصناعة السياسية التي ابتكرتها ماكينة الراحل الحسن الثاني وكان المفروض أن تكون سنة التداول والتناوب فلسفة تسري على داخل الأحزاب أيضا بحيث يجري ضخ دماء جديدة في كل مرة يمر بها الحزب بمنعطفات حاسمة تجدد أسئلته وتختبر رهاناته. لكن الحس المحافظ الذي تشربه الشيوخ شيوخ الأحزاب السياسية المغربية جعلهم يستأنسون بفلسفة الزوايا وآمنوا عميقا أن الحزب زاوية لها شيوخ ولها منخرطون عفوا مريدون. ويبدوا اليوم أن المخزن المغربي لم يفهم الدرس جيدا مثله مثل ديناصورات الأحزاب المغربية فأمن بالثبات، وطفق يفتش في جراب الأمس عن شيوخ لم يغيروا نظاراتهم من رجال العهد السابق وهو أمر يدفع بالمغرب نحو تسميم الأسئلة التي يطرحها الحاضر بدم الأجوبة الفاسدة التي قدمها الماضي. فكيف نستطيع أن نقنع أبناءنا في المدرسة بعد كل هذا أن الدينصورات قد انقرضت؟ http://alaouiomar.maktoobblog.com