كانت تلك دهشته .. ولأن الدهشة لا يمكن أن تأتي إلا من عقل يقظ، فقد كان سؤاله عن أسرار الكتابة عفويا في حوار طويل مثل قصائد محمد الماغوط الحزينة .. ومع الأسف، فليست للكتابة أسرار .. ! ما عليك سوى أن تكتب بشكل يومي، حتى تصبح الحروف كالواجبات المنزلية، أو هي على أبعد تقدير كالهواء الذي تتنفسه .. يبدو أنه تعبير مبالغ فيه، طيب لنقل حتى تصبح الكتابة ملكا للجميع، عندها كم حرف ستحتاج هنا حتى تصبح الكتابة ملكا للجميع ! مع تقدم التقنية الإلكترونية أصبح كل من يقرأ يكتب .. ولكن كتابة عن كتابة تختلف ! فالذي يكتب عن الطبخ وأخبار الفن ونميمة السوق وعن أسرار غرف النوم وعن فضائح التماسيح والعفاريت، و«كيف تصبح مليونيرا في خمسة أيام بدون معلم» تجد آلاف الآلاف تتابعه بشغف وتنتظر جديده على أحر من الجمر، أما من يكتب عن الفلسفة والسياسة والدين والمدنية والإنسان المفرط في إنسانيته فنادرا ما تجد له قراء .. وحتى إن وجدت فهم قلة قليلة مقارنة مع الآخرين .. والمجد دائما للأقلية. كتابة مقالات الرأي تبدو لي هي الأصعب على الإطلاق، لأنك وبدون أن تقصد تجد نفسك قد زرعت أمامك أعداء، وأصدقاء، قد تعرفهم .. أو لن تعرفهم أبدا، فقط هم أعداء وأصدقاء. وكل إنسان، إن لم يكن يكتب معنا في هسبريس أو في أي مكان آخر، فهو يكتب صفحة حياته كل يوم .. وكل إنسان كاتب بهذا المعنى العام، وأعظم الكتاب هو الزمن. إنه يكتب بلا ريشة أو قلم أو لوحة مفاتيح .. لكن الزمن يكتبنا ! ولب الزمن الوقت؛ وإن قوما قالوا : الوقت ما بين الزمانين، يعني الماضي والمستقبل. وبداية الطريق تكون بمعرفة الوقت .. فلكل زمن وقته وكلمته .. وها هو ذا النفري يحدثنا في 'المواقف والمخاطبات' : كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة .. وكيف أكتب، وأصل كل الحروف والكلمات كلها، صغيرها وكبيرها .. نقطة ! والنقطة إشارة .. وكم من نقط نحتاج لنرفع بها ظلم وضلال أحرف من وقتنا. فآفهم ! https://www.facebook.com/belhamriok