هذا المؤلف للدكتور سعد الدين العثماني في طبعته الصادرة سنة 1433ه 2012م . ومن خلال القراءة الأولية لهذا المؤلف تطرح مجموعة من المحاور نوجزها فيما يلي: _ دلالة السنة وامتداداتها. _ علاقة السنة بالوحي. _ تنوع التصرفات النبوية. ومن خلال تحليلنا لبعض مضامين هذا المؤلف نستنتج أنه يساهم في بناء فكر إسلامي متزن، لاضرر فيه ولا تسيب. وكون الدورة الحضارية اليوم بدأت تتشكل باستحضار المنظومة الإسلامية، فمن الضروري النبش في مثل هذه الموضوعات التي تنير درب الإصلاح وترشده. لذلك لايجب التعامل مع هذه الأطروحات بنوع من الترف الفكري ولكن باعتمادها منهجا عمليا يرشد فعلنا الإصلاحي في خضم هذا الحراك السياسي والفكري. وكنت أحبذ أن يعتمد المؤلف على بعض الوقائع التي نعيشها في علاقتها بما طرحه حتى يدرك الأمر جيدا. وإني واثق أن الأمر صعب والتنزيل متداخل وله تداعياته الفكرية والسياسية وحسبنا أن نقتصر على البعد العلمي واللبيب بالإشارة. والتنزيل ذو امتدادات. والممارسة عنوان كبير للقاعدة الفكرية والهداية من الرحمان. دلالة العنوان: يتحدث العنوان على منهج وهو بذلك في نطاق الاجتهاد الفكري. ومن صفة هذا المنهج أنه وسط. يعنى أن غير الوسط موجود. ومن تم تتباين الرؤى وتنتج تصرفات كل من زاوية نظره. والأمر عميق الدلالة. لأن الذي يقابل الوسط هو الغلو. وامتداداته التشدد والتسيب والتقصير وهذا خطير لأنه يخرق الإيمان ويفسد العمران. ويعيش بين متاهات الإفراط والتفريط، لأن الوسطية في العمق خير وعدل. أمام هذه الثنائية الضدية يحاول المؤلف التأصيل لمفهوم المنهج الوسطي في التعامل مع السنة وعلاقتها بالوحي وتنوع تصرفات النبي عليه الصلاة والسلام. كل هذا كلفه جهدا علميا مأجورا عليه انطلاقا من منظومة علمية دقيقة لأن الاتقاء في العلم وبالعلم يفضي إلى الارتقاء كما أكد على ذلك الدكتور محمد خروبات الذي قدم لهذا المؤلف... إذن تحمل الوسطية في دلالتها الخيرية، والعدل المناهض للجور والتفريط. وكلمة التعامل الموظفة في العنوان مؤشر على العلم والعمل: في الدين والتدين والحياة والدعوة والسياسة والتواصل الاجتماعي...إنها بناء عقلي متزن يقف في وجه (تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) كما جاء في الحديث النبوي الشريف...لكن بأي أسلوب يواجه الغلاة، والمبطلون والجاهلون؟ بالعلم والعمل وهذا هو المنهج الوسطي الذي حاول المؤلف أن يثبته من خلال رحلته العلمية في هذا الكتاب النفيس.... السنة:الدلالة والامتداد: ينصب الحديث على السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني لتلقي الدين، فهي الأسوة والقدوة والمثل الأعلى والشرح والبيان...لكن الملاحظ أن التخصص يغلب أثناء التعريف كما أكد على ذلك المؤلف. فأهل الحديث يعتبرون السنة ما نقل عن النبي عليه السلام من أخبار وشمائل كيفما كان تصنيفها...بلغة مشهورة أقواله وأفعاله وتقريراته وتصرفاته وصفاته الخلقية والخلقية...لذلك جرت العادة أن مجموعة من الكتب عنونت بالسنن ثم يضاف لها أسماء مؤلفيها غالبا...أما الأصوليون فركزوا بحثهم في السنة النبوية على ما له علاقة بالشرع...تحت عنوان كبير"الرسول عليه السلام المشرع". أي استنباط الأحكام الشرعية من أقواله عليه السلام وأفعاله وتقريراته..ويركزون في تعاريفهم على مصطلح "ما صدر" والتي لها إيحاءات الأحكام الشرعية..لذلك إطلاق السنة على ما ورد فيه نظر عند المؤلف وهذا ما أكده تحليله انطلاقا من العناوين التالية: مفهوم السنة: تفيد السنة معان متعددة منها السيرة والطريقة والطبيعة والدوام والعادة والعمل المتواصل وتقديم الشيء الجديد...واعتبر الصحابة رضوان الله عليهم السنة ماكان للاقتداء والاتباع... وما لم يفد ذلك فهو ليس بسنة...وإنما شيء فعله الرسول عليه السلام لسبب خاص كما جاء عند أبي سليمان الخطابي...وبالتالي لا يدخل في الدين ولا في الشرع اتباعها أو الاقتضاء بها..كما أكد على ذلك المؤلف...لذلك فالسنة عند العلماء "ما رسم ليحتذى" إذن فهو قول أو فعل يقتدى به فيه ويداوم عليه.. وبذلك يستثنى ما كان جبليا بحكم تصرفاته عليه السلام، أو ما كان لسبب خاص... ومن أجل إعطاء نفس لهذا المعنى فرق المؤلف بين السنة الحكم والسنة المصدر. فالأولى تصرف نبوي من قول أو فعل أو تقرير الذي قصد منه الاتباع والاقتداء وتشريع يطلب من المسلم تطبيقه...والسنة المصدر هي مجموع الأحاديث النبوية التي يبحث فيها لاستنباط الحكم الشرعي... اعتمادا على ما ذكر يطرح السؤال التالي: ماهي العلاقة بين السنة النبوية والتصرفات النبوية؟ خلص المؤلف من أقوال العلماء أن ما صدر عنه عليه السلام بوصف الجبلية أو بحكم العرف والعادة أو كانت اجتهادا وتقديرا دنيويا لا يسمى سنة..نخلص مما سبق: 1/ التصرفات النبوية هي عموم التدابير القولية والفعلية والتقريرية التي صدرت عنه عليه السلام سواء كانت في الدين أو الدنيا وسواء قصد منها التشريع أو لم يقصد.... 2/ السنة تصرفات نبوية يقصد بها التشريع أو الاتباع والاقتداء... ومن أجل تعزيز هذه الخلاصة عرج المؤلف على بعض الأمثلة التي تؤكد ما ليس سنة من التصرفات النبوية.... - ماكان وليد العادة والعرف نحو العمامة والرداء. وكم من معارك اشتعلت بسبب شرعية اللباس أو غير ذلك؟ - ما كان ناتج عن الجبلية والعادة مثل أكله للثريد والحلوى والعسل...لذلك قال مراقي السعود في ألفية الأصول: وفعله المركوز في الجبله كالأكل والشرب ليس مله ومن الأمثلة كذلك وجوب قيام الليل وجواز الوصال في الصوم ووجوب الضحى...في حقه عليه الصلاة والسلام.. علاقة السنة بالوحي: هل جميع أقواله وأفعاله عليه السلام وحيا؟ الذين اعتبروا الأمر كذلك أخذوا بنصوص من القرآن والسنة دون البعض..ف'هو' الواردة في قوله تعالى "إن هو إلا وحي يوحى" المقصود بها القرآن الكريم وليس كل ما ينطق به الرسول عليه السلام. والعلة أن الآية مكية، ولا علاقة للآية بالخطأ المحتمل في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام العادي... ويؤكد هذا ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم:"إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر...." وتتجلى هذه البشرية في الدعاء على معاوية بن أبي سفيان بقوله"لا أشبع الله بطنه" وتبئير النخل..حيث قال صلى الله عليه وسلم"لا تؤاخذوني بالظن"...وقد بوب الإمام محيي الدين النووي هذا المقام بقوله'' وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي''...وكونه عليه السلام يشاور أصحابه إذن ليس كل مانطق به وحي... مقابل ما سطر فإن كثيرا من الأقوال والأفعال والتقريرات تصدر عن وحي.كقوله "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"... وذهب القاضي عياض إلى أنه عليه الصلاة والسلام"قد يرى الرأي في أمور الدنيا ويظهر خلافه، أو يكون منه على شك بخلاف أمور الشرع".. التصرفات النبوية : انطلاقا مما سبق يمكن تقسيم التصرفات النبوية إلى ما يلي: 1/ تصرفات في الدين ويتلقاها النبي عليه السلام وحيا.. 2/ تصرفات في الدين اجتهد فيها النبي عليه السلام، فهي ليست وحيا.لكن ترعى من قبله.. 3/ تصرفات في أمور الدنيا وهي ليست وحيا. إذن فالمقام هو المحدد للدلالة التشريعية أو غيرها للتصرف النبوي...والمعتمد في هذا المجال ما يلي: - تنوع تصرفاته عليه السلام.بناء على مقامات متعددة نحو البشرية والجبلية والعادة والمألوف والخبرة البشرية أو الرأي والاجتهاد مراعاة للمصلحة...وأحيانا بناء على الحجج والبينات المتوفرة...أو المشورة والإرشاد..أو الخصوصية ...ولكل هدف مذكور يستدل المؤلف بأدلة من السيرة النبوية... وهذا ما أكد عليه الصحابة رضوان الله عليهم اعتمادا على ما يلي: - مراجعتهم أحيانا لقرارات النبي صلى الله عليه وسلم. عندما يتعلق بالرأي... - أثناء مشورتهم من قبل النبي عليه السلام قد يشيرون عليه برأي يخالف رأيه.. - تصرفات معينة اتخذت طابعا مؤقتا.. - مراجعة تصرفات نبوية بعد موته التي لاتدخل في الوحي... تصرفات تشريعية وغير تشريعية: أي مكان للتشريع وما ليس للتشريع بعبارة أخرى الملزم وغير ملزم...لكن السؤال المطروح: مالمقصود بالتشريع؟ 1/ التشريع هو أصول العقائد والأخلاق المشتركة وهو في هذه الحالة يرادف الدين... 2/ التشريع عبارة عن أحكام تتميز بها الأديان...وعلى المستوى الإسلامي فهو خاضع لمستويين أولهما السنة..وثانيهما مجموع الأحكام العملية باعتبار أن السنة تكون في الدين لا في المأكول والمشروب كما أكد على ذلك ابن قتيبة الدينوري..وهذا علم دقيق فالكراهة مثلا شرعية عندما تتعلق بالثواب عليها وقد تكون إرشادية لمصلحة دنيوية كما أكد على ذلك بدر الدين الزركشي... واعتمادا على هذا التحليل الذي قام به المؤلف يخلص إلى النتائج التالية: 1/تصرفات تشريعية...وهي صادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو للاتباع والاقتداء... 2/ تصرفات غير تشريعية لايقصد بها الاقتداء والاتباع.. السؤال المطروح :ما الفائدة من هذا التصنيف الذي اعتمده المؤلف؟ جوابا على هذا السؤال اعتبر المؤلف أن هذا الأمر له ثمار انطلاقا من معرفة المقامات المحددة للطبيعة التصرفات النبوية...مستشهدا بأقوال متعددة خاصة عندما يقول ابن القيم الجزئية" لا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما، ولا الكلي العام جزئيا خاصا فيقع من الخطأ وخلاف الصواب ما يقع...." وحذار من جعل المتغير والمرن في الشرع والدين ثابتا جامدا والحكم الاجتهادي نهائيا قطعيا... خلاصات: 1. السنة ما صدر بوصفه دليلا شرعيا أو مصدرا منبثقا من مقام التشريع. وغير ذلك لا يدخل في السنة. 2. السنة مصدر للحكم الشرعي... 3. السنة تصرف يقصد به التشريع والاتباع والاقتداء..والتصرفات النبوية تدابير قولية وفعلية وتقريرية ومنها ما هو سنة وأخرى غير ذلك. 4. السنة /الوحي تقتضي العصمة في تبليغ الرسالة وبيان الدين...لكن في أمور الدنيا الاجتهادية فهو بشر مما تحمل الكلمة من معنى..