جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوفاليك: "فرق الموت" نشيطة ..والعرب على "كف عفريت"
نشر في هسبريس يوم 23 - 01 - 2013

قال دانيال كوفاليك، أستاذ جامعي أمريكي يُدرس قانون حقوق الإنسان الدولية بجامعة بتسبرغ الأمريكية، إن "الربيع" العربي وُلد من الشعور بالاستياء العارم لدى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الدكتاتوريات التي ترعاها الولايات المتحدة، وعلى الأخص في مصر وتونس، مضيفا بأن الولايات المتحدة نجحت بالفعل في "قلب السحر على الساحر".
ووصف كوفاليك مستقبل العالم العربي بأنه يوجد فوق "كف عفريت" بسبب تدخل الولايات المتحدة المتواصل في شؤون الدول العربية الداخلية، وبقية دول العالم، مشيرا إلى حالة إيران التي قال عنها كوفاليك بأنها توجد "على لائحة المسلخ لتقطيع أوصالها إربا إربا، وهذا أمر مثير للقلق جدا".
وكشف المتحدث في الحوار ذاته بأن "فرق الموت" تأسست أول مرة بواسطة إدارة الولايات المتحدة الأمريكية في كولومبيا، في أوائل الستينيات من القرن الماضي لدعم الاغتيالات السرية، مؤكدا بأنها لاتزال نشطة بدعم من أمريكا في كولومبيا إلى يومنا هذا" يقول الناشط والمثقف الأمريكي..
وفي الحوار مع دانيال كوفاليك قضايا أخرى...
هل لك أن تأخذنا إلى الوراء والى مبدأ جيمس مونرو عام 1823 تحديدا؟ هل يشبه هذا المبدأ الاتفاق الذي أبرمته النازية مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية؟
حدد مبدأ رئيس الولايات المتحدة السابق جيمس مونرو (Monroe Doctrine) عام 1823 السياسة الخارجية للولايات المتحدة في القارة الأمريكية (نصف الكرة الأرضية الغربي) واعتبرت على أساسه أن محاولات الدول الأوروبية استعمار المزيد من أراضي دول الأمريكتين أو "التدخل" في شؤونها ستعتبره الولايات المتحدة عملاً عدائياً يتطلب "تدخلا" أمريكيا. وتم الاتفاق بالفعل بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية على أن لا تتدخل أمريكا في المستعمرات الأوروبية المتواجدة خارج القارة الأمريكية أو في الشؤون الداخلية للبلدان الأوروبية. وكان المقصود من هذا الاتفاق إخراج أوروبا من جزء كبير من هذا النصف للكرة الأرضية. ووفقا لمبدأ مونرو، اعتبرت الولايات المتحدة المكسيك، وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية "حديقتها الخلفية" التي شعرت معها بالتدخل في شؤونها في أي وقت لحماية مصالحها، والتي، مع مرور الوقت، ترجمت، من بين أمور أخرى كثيرة، إلى حماية مصالح الشركات متعددة الجنسيات، مثل "الفواكه المتحدة" United Fruits (الآن تشيكيتا Tchiquita). هذا المذهب لا يزال مفعوله ساريا حتى يومنا هذا.
وفي عام 1977 تبلور مبدأ الرئيس جيمي كارتر ( (Carter Doctrineوخرج إلى الوجود عام 1980 اثر التحولات السياسية السائدة (الثورة الإيرانية) ودعا إلى تشكيل قوة عسكرية متنقلة قادرة على التدخل السريع في الشرق الأوسط لحماية المصالح النفطية.
وحقيقة هذين المبدأين أنهما أداة لحصول الإدارة الأمريكية على القواعد العسكرية والتسهيلات في كل دول العالم لتامين "مصداقية الإستراتيجية"، التي اعتمدتها الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها مصالحها الحيوية. وتعزيز مثل هذه المبادئ هي الطريقة الوحيدة التي تمكن أمريكا من بسط سيطرتها على العالم واستغلال ثرواته الطبيعية بطريقة جائرة حيث إن مجموع سكان الولايات المتحدة لا يشكل سوى 5 في المائة من مجموع سكان العالم لكنها تهيمن على 30 في المائة من موارد العالم الطبيعية. هذا النظام الجائر لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا عن طريق العنف والقوة العسكرية السافرة ونشر الرعب على نطاق عالمي.
منذ تمرير مبدأ مونرو لم يكف الكونغرس الأمريكي على إصدار "مبادئ" أخرى تلتصق بأسماء الرؤساء الأمريكيين لتبني الولايات المتحدة حق إما "احتواء الشيوعية" أو القيام بالانقلابات العسكرية ضد الرؤساء أو الوزراء المنتخبين ديمقراطيا (سلفادور اليندي في الشيلي، محمد مصدق في إيران على سبيل المثال لا الحصر)، أو الغزو العسكري للبلدان ذات السيادة (العراق، أفغانستان، الصومال، ليبيا، اليمن ولا نعرف إن كانت إيران ستكون هي التالية). ولن أسألك هنا عن "قانون التجسس" أو "قانون المواطنة"، ولكن سؤالي لك هو: ألا تعتقد أن جدول توسع الولايات المتحدة العسكري هو نوع من "المجال الحيوي Lebensraum" الألماني؟
جوهر مفهوم "المجال الحيوي" الألماني نظرية سياسية تعطي أهمية كبيرة وخاصة للحدود السياسية لتحقيق الأهداف والغايات الوطنية ومن تلك السياسات الإستراتيجية الوطنية النابعة من السياسة الوطنية العليا للمحافظة على المصالح من دون التدخل العسكري المباشر. لكن الفارق الكبير هو أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تشكل خطرا اكبر من المجال الحيوي الألماني لأنها تسعى إلى الهيمنة المباشرة بالقوة العسكرية على كل العالم. إن انهيار الاتحاد السوفيتي مكن الإمبراطورية الأمريكية، ولأول مرة في تاريخ البشرية، إن تتواجد عسكريا في أكثر من 120 دولة وساعدها على إقامة 700 إلى 800 قاعدة عسكرية في كل بقاع المعمورة. وهذا انجاز عظيم قد تحسده عليه الأباطرة الرومانيون أو الامبريالية البريطانية التي لم تملك أكثر من 30 قاعدة عسكرية في عز أوجها.
لقد قرأت للتو، على سبيل المثال، خبرا يفيد بأن الولايات المتحدة تخطط لإرسال قوات إلى 35 بلدا أفريقيا هذا العام. هذا النوع من التوسع، الذي يبعث على القلق الشديد، لم نسمع به من قبل، بكل بساطة، في كل تاريخ البشرية.
يبدو أن "فرق الموت" بخير ولا تزال على قيد الحياة بل نشطة في بعض أجزاء أمريكا الجنوبية. متى ولماذا تم تأسيسها؟
تأسست "فرق الموت" أول ما تأسست على يد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية في كولومبيا، في أوائل الستينيات من القرن الفارط لدعم الاغتيالات السرية. واستثمرت أمريكا بشدة في "فرق الموت" في الحرب الفيتنامية التي تضمنت فظائع لا حصر لها. لكن أشهر عمليات القتل الجماعية التي نفذتها "فرق الموت" برعاية الولايات المتحدة حصلت في أمريكا الوسطى وتحديدا في السلفادور. و لا تزال "فرق الموت" نشطة بدعم من أمريكا في كولومبيا إلى يومنا هذا. كما أسست الولايات المتحدة مؤخرا "فرق الموت" في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 بمبادرة قادها السفير الأمريكي جون نيغروبونتي وباعتراف أمريكا نفسها في إطار ما سمي ب"الخيار السلفادوري" نسبة إلى "فرق الموت السلفادورية".
ومن المعروف أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي أرسل فريقا عام 1962 إلى كولومبيا يرأسه الجنرال وليام ياربورو William Yarborough وتلخصت مهمته في تأسيس "فرق الموت" المكونة من الجيش الكولومبي وتدريبه على تنفيذ أعمال تخريب وأنشطة إرهابية ضد المؤيدين للشيوعية وضد النشطاء من اجل حقوق الإنسان وأولئك الذين يناضلون من أجل السيطرة الوطنية على مواردها الخاصة. هكذا تم خلق "فرق الموت" أصلا، من أجل حماية مصالح كل من السلطات الكولومبية والأمريكية. واستمرت الولايات المتحدة في استخدام "فرق الموت" ولا تزال، كوسيلة وكوكيل، لقمع شعوب جنوب الكرة الأرضية، سرا، من أجل الحفاظ على هذه البلدان الأكثر فقرا آمنة لرؤوس الأموال الأمريكية.
وفي الوقت نفسه حاولت الولايات المتحدة إخفاء يدها والتبرؤ من مستنقع القتل والجريمة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدان جنوب أمريكا.
ومن المثير للاهتمام، أن الدافع الحقيقي وراء إنشاء "فرق الموت" في أمريكا اللاتينية لم يكن لردع التهديد المزعوم للشيوعية، ولكن في الحقيقة كان لمجابهة "حركة اللاهوت التحريرية" وهي حركة دينية كاثوليكية أخذت على عاتقها "مساعدة الفقراء" بأمر من الفاتيكان. وعلينا أن لا ننسى أن الرئيس كينيدي نفسه كان كاثوليكيا ومع ذلك وقفت إدارته وراء إنشاء "مؤسسة فرق الموت" للقضاء على الحركات الدينية التحررية عن طريق العنف. ونشطت "فرق الموت" وزرعت الرعب والخوف والدمار في كل من كولومبيا وغواتيمالا والسلفادور والأرجنتين والبرازيل والشيلي، على سبيل المثال، وكانت فعالة للغاية في القضاء، إلى حد كبير، على حركات اللاهوت التحريرية، بقتل عشرات القساوسة الكاثوليك. ومرة أخرى، لاحظ معي، المفارقة الغريبة التي تتفوه بها الولايات المتحدة حيث أعلنت أنها تحاول إنقاذ المسيحية من الشيوعيين ومن المتطرفين المسلمين، لكن ما حصل في الواقع هو أن الولايات المتحدة جسدت أكبر خطر الذي يتهدد المسيحية والمسيحيين الذين يكرسون وقتهم لمساعدة الفقراء.
وكمثال على ذلك ما نعيشه حاليا في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا، حيث أن الولايات المتحدة تدعم الجماعات التي تستهدف المسيحيين في محاولة للإطاحة بنظام بشار الأسد الذي يعتبر الدرع الواقية للمسيحيين في سوريا. وسوريا هي واحدة من الأماكن القليلة في العالم التي يتحدث فيها بالآرامية، لغة السيد المسيح. إلا أن هذه القلة المسيحية التي تتحدث هذه اللغة النادرة مهددة بالانقراض الكامل من الوجود من قبل، ليس أكثر من الولايات المتحدة، التي تدعم وتدجج بالسلاح القوات المناهضة لنظام الأسد. وليس هذا سوى مثال آخر على أن الولايات المتحدة التي تدعي أنها تناضل من أجل القيم النبيلة (الديمقراطية والحرية والمسيحية)، عن طيب خاطر، لكنها في نفس الوقت تضحي بهذه القيم لفائدة حفنة من المال. مثال آخر هو تيمور الشرقية حيث دعمت الولايات المتحدة الحملة العسكرية الاندونيسية للتدخل والقضاء على عشرات الآلاف من الروم الكاثوليك، بينما تقول عملة الولايات المتحدة "نحن على ثقة في الله" لكن الواقع أن الولايات المتحدة لا تعبد إلا الجشع.
ومن المعروف أيضا أن شركات الولايات المتحدة المتعددة الجنسيات ساعدت على إنشاء "فرق الموت" ولا تزال تدعمهم إلى يومنا هذا، ومرة أخرى وعلى الأخص في كولومبيا. على سبيل المثال، نحن نعرف أن تكساكو ساعدت على تمويل "فرق الموت" في كولومبيا في العام 1982. وبالإضافة إلى ذلك، أقرت "تشيكيتا" الشركة الأمريكية المتعددة الجنسيات بذنبها في تمويل وتسليح قوات "فرق الموت" في كولومبيا بين عامي 1997 و 2004. واتهم وزير العدل الكولومبي السابق ماريو اغويرن "تشيكيتا" وعزا دعمها ل"فرق الموت" بالتسبب في قتل الآلاف من المدنيين فضلا عن قدرة "فرق الموت" بترسيخ وجودها في جميع أنحاء كولومبيا. وكان تأثير نشاط "فرق الموت" مدمرا على كولومبيا، مع عشرات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا واختفوا، وأكثر من 5 ملايين من المشردين داخليا. ومع ذلك عبرت الولايات المتحدة عن تعاطفها وأظهرت تسامحها مع "تشيكيتا" وغرمتها 25 مليون دولار لا أكثر وسمحت لها أن تدفع هذه الغرامة على مدى 5 سنوات. والعجيب في الأمر، انه لم يتم ملاحقة ولو مسؤول واحد من شركة "شيكيتا"، وأغرب ما في الأمر أن محامي الدفاع والممثل القانوني بالنيابة عن شركة "تشيكيتا" كان "اريك هولدر"، المدعي العام الأميركي حاليا، وهو أسمى منصب للدفاع عن القانون في الولايات المتحدة.
هل بدأت أمريكا الجنوبية تفلت من "سوط" الإمبريالية الأمريكية؟
للأسف، لا. انظر للدور المتعاظم للولايات المتحدة في كولومبيا ودعمها للقوات العسكرية وشبه العسكرية القمعية التي تواصل تنفيذ انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، ضلوع الولايات المتحدة في الانقلاب الفاشل ضد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز عام 2002. كما أن للولايات المتحدة يد في الانقلابات التي حدثت مؤخرا في هندوراس وباراغواي. وبالطبع، فإن الولايات المتحدة لا تزال تمارس الحصار غير القانوني وغير الأخلاقي المفروض على كوبا، وتستمر في إحباط التغيير الاجتماعي الديمقراطي في هايتي حيث فرضت على الرئيس "أريستيد" المنفى عام 2004. وعلاوة على ذلك، ومن خلال سياساتها التجارية غير العادلة، تحولت المكسيك إلى دولة فاشلة. إن المصائب التي ألمت بشعوب جنوب القارة الأمريكية في تصاعد منذ تمرير "مبدأ مونرو" وإلا الآن.
مرت65 سنة على ولادة إسرائيل ولا يبدو في الأفق أي حل لمشهد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لماذا لا يمكن معالجة هذا النوع من الصراع عندما يمكن للمرء أن يعالج نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟
حسنا، لنبدأ بجنوب أفريقيا. على المرء أن يعي أن الحكومات الأميركية والإسرائيلية، على مر التاريخ، ساعدت بما فيه الكفاية على دعم الفصل العنصري حتى النهاية. ولولا تضافر جهود بقية المجتمع الدولي (بما في ذلك المواطنين الأمريكيين) والهزيمة العسكرية للجيش في جنوب أفريقيا من قبل القوات الكوبية، لما قدر للفصل العنصري أن يسقط في جنوب أفريقيا. وبكثير من الحسرة والأسف، لا بد لنا من الاعتراف بأن الفصل العنصري الاقتصادي لم ينته بعد ومستمر بلا هوادة تقريبا حتى يومنا هذا.
أما فيما يتعلق بفهم استمرارية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فهو بسيط جدا: إن الولايات المتحدة هي التي تقف عائقا أمام حل هذا الصراع ضد مجموع آراء الرأي العام العالمي. الولايات المتحدة تدعم عسكريا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وتحميها من أي عقوبات في الأمم المتحدة. و إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقا في حل هذا الصراع، فلن يستعصي عليها. لكنها لا تريد القيام بذلك لأنها ترى في إسرائيل موطئ قدم لها في أهم منطقة غنية بالنفط.
العالم العربي يمر ب"ربيعه" ويدفع ثمنا باهظا في بعض الأحيان (ليبيا واليمن وسوريا) وينعته بعض المثقفين العرب ب"المؤامرة الأمريكية" بينما يرى آخرون أنه "ثورة حقيقية" ضد الدكتاتوريات العربية. ما هو رأيك؟
من الواضح، أن الربيع العربي ولد من الاستياء الحقيقي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الدكتاتوريات التي ترعاها الولايات المتحدة، وعلى الأخص في مصر وتونس. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن نقر أن هناك بالتأكيد معارضة مشروعة للنظام السوري كما أن الأمر كان صحيحا بالنسبة لليبيا. وفي كل الأحوال، ما هو صحيح أيضا أن الولايات المتحدة نجحت في قلب السحر على الساحر. بالنسبة إلي، ليبيا هي أفضل مثال على ذلك. في حين كانت هناك معارضة مشروعة لنظام القدافي، كان هناك أيضا دعما كبيرا للحكومة الليبية من طرف الولايات المتحدة، واظهر القذافي أكثر من مرة استعداده لحل خلافاته مع المعارضة. لكن الولايات المتحدة رفضت أي تسوية سلمية للنزاع في ليبيا لأنها عزمت منذ زمن بعيد أن تخلع القذافي من الحكم الذي اعتبرته عائقا أمام السيطرة على حقول النفط والتنمية في ليبيا والى حد كبير تأثيره على أفريقيا. ومهما اختلفنا في تقييم شخص القذافي، فالحقيقة انه كان قوميا عربيا ومتحمسا لتحرير أفريقيا من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية من قبل الغرب. لهذه الأسباب، ساندت الولايات المتحدة المعارضة لتغيير نظام القدافي في ليبيا. وكانت النتيجة كارثية على ليبيا حيث تم زعزعة الاستقرار، فضلا عن دولة مالي التي تأثرت كذلك بما حصل في ليبيا. وتتبع الولايات المتحدة دينامية مماثلة في سوريا حيث تسعى لاستغلال سخط الشعب السوري لفرض تغيير النظام بالطرق العنيفة من أجل التخلص من نظام مستقل في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المفارقات الغريبة، في حالة كل من ليبيا وسوريا، أن الولايات المتحدة انحازت إلى جانب القوى المتطرفة جدا التي سوف تعتبرها "إرهابية" في سياقات أخرى. وهذه حقيقة ثابتة تفضح بجلاء سياسة الولايات المتحدة الخارجية القائمة على مكافحة "الإرهاب" أو حتى عن الدفاع الوطني الحقيقي، وأنها ليست أكثر من إستراتيجية عدوانية للهيمنة والسيطرة على بقية دول العالم من أجل الحفاظ على حصة الأسد الأمريكية من موارد العالم وكذلك لخدمة مصالح شركاتها المتعددة الجنسيات. الولايات المتحدة، عكس كل ما تدعيه، كانت ولا تزال أكبر عدو للحكم العلماني والديمقراطي في الشرق الأوسط. وهذا ما حصل بالفعل عندما أطاحت بالحكم الديمقراطي في إيران على عهد محمد مصدق، ومعارضتها لحكم جمال عبد الناصر في مصر، وإسقاطها لنظام القذافي في ليبيا (والمعروف عن القذافي انه واحد من أشرس أعداء تنظيم القاعدة)، ومحاولتها إسقاط الأسد الحالية في سوريا، وليست هذه الأمثلة سوى أمثلة قليلة لما يمكن أن تلحقه أمريكا من ضرر بالعالم.
وفي الختام، وكما أشار جان بريكمونت Bricmont Jean في كتابه القيم "التدخل الإنساني"، فإن الولايات المتحدة، على الرغم من "لهجتها الجميلة"، لا تهمها بناء الدول بقدر ما تهمها "الأعمال التجارية" التي تدمر الدول، لأنها ترى في الدول المستقرة في جنوب الكرة الأرضية أكبر تهديد لقدرتها على السيطرة على العالم. إنها تفضل زعزعة الاستقرار والفوضى في الواقع، وما يحصل في الواقع، هو فوضى مبرمجة من قبل الولايات المتحدة لفرض منطقها على العالم. وهذا واضح تماما من خلال نظرة عابرة على الأحداث العالمية الحالية. ليس المهم أن نستمع لنوايا الولايات المتحدة في نشر القيم الإنسانية، لكن المهم بدلا من ذلك، النظر في الإجراءات والنتائج المتسقة للغاية والتي تهدف حتما إلى زعزعة الاستقرار.
كيف ترى مستقبل العالم العربي وخاصة دول الخليج التي لم يتم تحويلها فقط إلى قواعد عسكرية أمريكية بل قد تتحول إلى مسرح لحرب عالمية ثالثة بسبب ملف إيران النووي؟
بطبيعة الحال، مستقبل العالم العربي أصبح على كف عفريت بسبب تدخل الولايات المتحدة المتواصل والدؤوب في شؤون الدول العربية الداخلية، وبقية دول العالم. عندما ننظر إلى ليبيا وسوريا والصومال واليمن ومالي والعراق، وأفغانستان، وهذا غيض من فيض، وهي بلدان في طور التدمير الشامل من طرف التدخل العسكري الأمريكي المباشر. وربما تكون إيران على لائحة المسلخ لتقطيع أوصالها إربا إربا، وهذا أمر مثير للقلق جدا.
وفي حين أن مقاومة التدخل العسكري للولايات المتحدة في العالم العربي وجنوب الكرة الأرضية أمر بالغ الأهمية، يبدو لي أن الشعب الوحيد الذي يمكن أن يضع حدا لهذا الجنون هو الشعب الأمريكي نفسه. فمن الأهمية بمكان أن علينا نحن الأمريكيين أن نقاوم حكومتنا والشركات الخاصة المتعددة الجنسيات لمصلحة إنقاذ كوكبنا والسماح للدول من خارج حدودنا لتطوير مجتمعاتها على الطريقة التي ترغب فيها.
هناك بالتأكيد تقليد عريق يفخر به الأمريكيون وهو النضال ضد الامبريالية الأمريكية، ولكن للأسف، هذه الحركة صامتة تماما في الوقت الحاضر. كما ساعد انتخاب باراك أوباما على إسكات أصوات هذه الحركة، لان الحركة التقدمية في الولايات المتحدة راهنت كثيرا على حملته الرئاسية المفعمة بالنوايا الطيبة، إلا انه انقلب على نفسه من شر أفعاله البشعة.
إن مسؤولية الكتاب والمثقفين الأمريكيين فضح سياسة الولايات المتحدة التوسعية، بغض النظر عمن اعتلى كرسي الرئاسة، وأنا على ثقة أن النخبة المثقفة قادرة على إقناع الشعب الأمريكي بالوقوف تضامنا مع الغالبية العظمى من فقراء العالم ضد حكومتنا. هذا هو بالتأكيد واجبنا ومهمتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.