قال دانيال كوفاليك، أستاذ جامعي أمريكي يُدرس قانون حقوق الإنسان الدولية بجامعة بتسبرغ الأمريكية، إن "الربيع" العربي وُلد من الشعور بالاستياء العارم لدى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الدكتاتوريات التي ترعاها الولاياتالمتحدة، وعلى الأخص في مصر وتونس، مضيفا بأن الولاياتالمتحدة نجحت بالفعل في "قلب السحر على الساحر". ووصف كوفاليك مستقبل العالم العربي بأنه يوجد فوق "كف عفريت" بسبب تدخل الولاياتالمتحدة المتواصل في شؤون الدول العربية الداخلية، وبقية دول العالم، مشيرا إلى حالة إيران التي قال عنها كوفاليك بأنها توجد "على لائحة المسلخ لتقطيع أوصالها إربا إربا، وهذا أمر مثير للقلق جدا". وكشف المتحدث في الحوار ذاته بأن "فرق الموت" تأسست أول مرة بواسطة إدارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في كولومبيا، في أوائل الستينيات من القرن الماضي لدعم الاغتيالات السرية، مؤكدا بأنها لاتزال نشطة بدعم من أمريكا في كولومبيا إلى يومنا هذا" يقول الناشط والمثقف الأمريكي.. وفي الحوار مع دانيال كوفاليك قضايا أخرى... هل لك أن تأخذنا إلى الوراء والى مبدأ جيمس مونرو عام 1823 تحديدا؟ هل يشبه هذا المبدأ الاتفاق الذي أبرمته النازية مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية؟ حدد مبدأ رئيس الولاياتالمتحدة السابق جيمس مونرو (Monroe Doctrine) عام 1823 السياسة الخارجية للولايات المتحدة في القارة الأمريكية (نصف الكرة الأرضية الغربي) واعتبرت على أساسه أن محاولات الدول الأوروبية استعمار المزيد من أراضي دول الأمريكتين أو "التدخل" في شؤونها ستعتبره الولاياتالمتحدة عملاً عدائياً يتطلب "تدخلا" أمريكيا. وتم الاتفاق بالفعل بين الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية على أن لا تتدخل أمريكا في المستعمرات الأوروبية المتواجدة خارج القارة الأمريكية أو في الشؤون الداخلية للبلدان الأوروبية. وكان المقصود من هذا الاتفاق إخراج أوروبا من جزء كبير من هذا النصف للكرة الأرضية. ووفقا لمبدأ مونرو، اعتبرت الولاياتالمتحدةالمكسيك، وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية "حديقتها الخلفية" التي شعرت معها بالتدخل في شؤونها في أي وقت لحماية مصالحها، والتي، مع مرور الوقت، ترجمت، من بين أمور أخرى كثيرة، إلى حماية مصالح الشركات متعددة الجنسيات، مثل "الفواكه المتحدة" United Fruits (الآن تشيكيتا Tchiquita). هذا المذهب لا يزال مفعوله ساريا حتى يومنا هذا. وفي عام 1977 تبلور مبدأ الرئيس جيمي كارتر ( (Carter Doctrineوخرج إلى الوجود عام 1980 اثر التحولات السياسية السائدة (الثورة الإيرانية) ودعا إلى تشكيل قوة عسكرية متنقلة قادرة على التدخل السريع في الشرق الأوسط لحماية المصالح النفطية. وحقيقة هذين المبدأين أنهما أداة لحصول الإدارة الأمريكية على القواعد العسكرية والتسهيلات في كل دول العالم لتامين "مصداقية الإستراتيجية"، التي اعتمدتها الولاياتالمتحدة في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها مصالحها الحيوية. وتعزيز مثل هذه المبادئ هي الطريقة الوحيدة التي تمكن أمريكا من بسط سيطرتها على العالم واستغلال ثرواته الطبيعية بطريقة جائرة حيث إن مجموع سكان الولاياتالمتحدة لا يشكل سوى 5 في المائة من مجموع سكان العالم لكنها تهيمن على 30 في المائة من موارد العالم الطبيعية. هذا النظام الجائر لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا عن طريق العنف والقوة العسكرية السافرة ونشر الرعب على نطاق عالمي. منذ تمرير مبدأ مونرو لم يكف الكونغرس الأمريكي على إصدار "مبادئ" أخرى تلتصق بأسماء الرؤساء الأمريكيين لتبني الولاياتالمتحدة حق إما "احتواء الشيوعية" أو القيام بالانقلابات العسكرية ضد الرؤساء أو الوزراء المنتخبين ديمقراطيا (سلفادور اليندي في الشيلي، محمد مصدق في إيران على سبيل المثال لا الحصر)، أو الغزو العسكري للبلدان ذات السيادة (العراق، أفغانستان، الصومال، ليبيا، اليمن ولا نعرف إن كانت إيران ستكون هي التالية). ولن أسألك هنا عن "قانون التجسس" أو "قانون المواطنة"، ولكن سؤالي لك هو: ألا تعتقد أن جدول توسع الولاياتالمتحدة العسكري هو نوع من "المجال الحيوي Lebensraum" الألماني؟ جوهر مفهوم "المجال الحيوي" الألماني نظرية سياسية تعطي أهمية كبيرة وخاصة للحدود السياسية لتحقيق الأهداف والغايات الوطنية ومن تلك السياسات الإستراتيجية الوطنية النابعة من السياسة الوطنية العليا للمحافظة على المصالح من دون التدخل العسكري المباشر. لكن الفارق الكبير هو أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تشكل خطرا اكبر من المجال الحيوي الألماني لأنها تسعى إلى الهيمنة المباشرة بالقوة العسكرية على كل العالم. إن انهيار الاتحاد السوفيتي مكن الإمبراطورية الأمريكية، ولأول مرة في تاريخ البشرية، إن تتواجد عسكريا في أكثر من 120 دولة وساعدها على إقامة 700 إلى 800 قاعدة عسكرية في كل بقاع المعمورة. وهذا انجاز عظيم قد تحسده عليه الأباطرة الرومانيون أو الامبريالية البريطانية التي لم تملك أكثر من 30 قاعدة عسكرية في عز أوجها. لقد قرأت للتو، على سبيل المثال، خبرا يفيد بأن الولاياتالمتحدة تخطط لإرسال قوات إلى 35 بلدا أفريقيا هذا العام. هذا النوع من التوسع، الذي يبعث على القلق الشديد، لم نسمع به من قبل، بكل بساطة، في كل تاريخ البشرية. يبدو أن "فرق الموت" بخير ولا تزال على قيد الحياة بل نشطة في بعض أجزاء أمريكا الجنوبية. متى ولماذا تم تأسيسها؟ تأسست "فرق الموت" أول ما تأسست على يد إدارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في كولومبيا، في أوائل الستينيات من القرن الفارط لدعم الاغتيالات السرية. واستثمرت أمريكا بشدة في "فرق الموت" في الحرب الفيتنامية التي تضمنت فظائع لا حصر لها. لكن أشهر عمليات القتل الجماعية التي نفذتها "فرق الموت" برعاية الولاياتالمتحدة حصلت في أمريكا الوسطى وتحديدا في السلفادور. و لا تزال "فرق الموت" نشطة بدعم من أمريكا في كولومبيا إلى يومنا هذا. كما أسست الولاياتالمتحدة مؤخرا "فرق الموت" في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 بمبادرة قادها السفير الأمريكي جون نيغروبونتي وباعتراف أمريكا نفسها في إطار ما سمي ب"الخيار السلفادوري" نسبة إلى "فرق الموت السلفادورية". ومن المعروف أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي أرسل فريقا عام 1962 إلى كولومبيا يرأسه الجنرال وليام ياربورو William Yarborough وتلخصت مهمته في تأسيس "فرق الموت" المكونة من الجيش الكولومبي وتدريبه على تنفيذ أعمال تخريب وأنشطة إرهابية ضد المؤيدين للشيوعية وضد النشطاء من اجل حقوق الإنسان وأولئك الذين يناضلون من أجل السيطرة الوطنية على مواردها الخاصة. هكذا تم خلق "فرق الموت" أصلا، من أجل حماية مصالح كل من السلطات الكولومبية والأمريكية. واستمرت الولاياتالمتحدة في استخدام "فرق الموت" ولا تزال، كوسيلة وكوكيل، لقمع شعوب جنوب الكرة الأرضية، سرا، من أجل الحفاظ على هذه البلدان الأكثر فقرا آمنة لرؤوس الأموال الأمريكية. وفي الوقت نفسه حاولت الولاياتالمتحدة إخفاء يدها والتبرؤ من مستنقع القتل والجريمة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدان جنوب أمريكا. ومن المثير للاهتمام، أن الدافع الحقيقي وراء إنشاء "فرق الموت" في أمريكا اللاتينية لم يكن لردع التهديد المزعوم للشيوعية، ولكن في الحقيقة كان لمجابهة "حركة اللاهوت التحريرية" وهي حركة دينية كاثوليكية أخذت على عاتقها "مساعدة الفقراء" بأمر من الفاتيكان. وعلينا أن لا ننسى أن الرئيس كينيدي نفسه كان كاثوليكيا ومع ذلك وقفت إدارته وراء إنشاء "مؤسسة فرق الموت" للقضاء على الحركات الدينية التحررية عن طريق العنف. ونشطت "فرق الموت" وزرعت الرعب والخوف والدمار في كل من كولومبيا وغواتيمالا والسلفادور والأرجنتين والبرازيل والشيلي، على سبيل المثال، وكانت فعالة للغاية في القضاء، إلى حد كبير، على حركات اللاهوت التحريرية، بقتل عشرات القساوسة الكاثوليك. ومرة أخرى، لاحظ معي، المفارقة الغريبة التي تتفوه بها الولاياتالمتحدة حيث أعلنت أنها تحاول إنقاذ المسيحية من الشيوعيين ومن المتطرفين المسلمين، لكن ما حصل في الواقع هو أن الولاياتالمتحدة جسدت أكبر خطر الذي يتهدد المسيحية والمسيحيين الذين يكرسون وقتهم لمساعدة الفقراء. وكمثال على ذلك ما نعيشه حاليا في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا، حيث أن الولاياتالمتحدة تدعم الجماعات التي تستهدف المسيحيين في محاولة للإطاحة بنظام بشار الأسد الذي يعتبر الدرع الواقية للمسيحيين في سوريا. وسوريا هي واحدة من الأماكن القليلة في العالم التي يتحدث فيها بالآرامية، لغة السيد المسيح. إلا أن هذه القلة المسيحية التي تتحدث هذه اللغة النادرة مهددة بالانقراض الكامل من الوجود من قبل، ليس أكثر من الولاياتالمتحدة، التي تدعم وتدجج بالسلاح القوات المناهضة لنظام الأسد. وليس هذا سوى مثال آخر على أن الولاياتالمتحدة التي تدعي أنها تناضل من أجل القيم النبيلة (الديمقراطية والحرية والمسيحية)، عن طيب خاطر، لكنها في نفس الوقت تضحي بهذه القيم لفائدة حفنة من المال. مثال آخر هو تيمور الشرقية حيث دعمت الولاياتالمتحدة الحملة العسكرية الاندونيسية للتدخل والقضاء على عشرات الآلاف من الروم الكاثوليك، بينما تقول عملة الولاياتالمتحدة "نحن على ثقة في الله" لكن الواقع أن الولاياتالمتحدة لا تعبد إلا الجشع. ومن المعروف أيضا أن شركات الولاياتالمتحدة المتعددة الجنسيات ساعدت على إنشاء "فرق الموت" ولا تزال تدعمهم إلى يومنا هذا، ومرة أخرى وعلى الأخص في كولومبيا. على سبيل المثال، نحن نعرف أن تكساكو ساعدت على تمويل "فرق الموت" في كولومبيا في العام 1982. وبالإضافة إلى ذلك، أقرت "تشيكيتا" الشركة الأمريكية المتعددة الجنسيات بذنبها في تمويل وتسليح قوات "فرق الموت" في كولومبيا بين عامي 1997 و 2004. واتهم وزير العدل الكولومبي السابق ماريو اغويرن "تشيكيتا" وعزا دعمها ل"فرق الموت" بالتسبب في قتل الآلاف من المدنيين فضلا عن قدرة "فرق الموت" بترسيخ وجودها في جميع أنحاء كولومبيا. وكان تأثير نشاط "فرق الموت" مدمرا على كولومبيا، مع عشرات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا واختفوا، وأكثر من 5 ملايين من المشردين داخليا. ومع ذلك عبرت الولاياتالمتحدة عن تعاطفها وأظهرت تسامحها مع "تشيكيتا" وغرمتها 25 مليون دولار لا أكثر وسمحت لها أن تدفع هذه الغرامة على مدى 5 سنوات. والعجيب في الأمر، انه لم يتم ملاحقة ولو مسؤول واحد من شركة "شيكيتا"، وأغرب ما في الأمر أن محامي الدفاع والممثل القانوني بالنيابة عن شركة "تشيكيتا" كان "اريك هولدر"، المدعي العام الأميركي حاليا، وهو أسمى منصب للدفاع عن القانون في الولاياتالمتحدة. هل بدأت أمريكا الجنوبية تفلت من "سوط" الإمبريالية الأمريكية؟ للأسف، لا. انظر للدور المتعاظم للولايات المتحدة في كولومبيا ودعمها للقوات العسكرية وشبه العسكرية القمعية التي تواصل تنفيذ انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، ضلوع الولاياتالمتحدة في الانقلاب الفاشل ضد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز عام 2002. كما أن للولايات المتحدة يد في الانقلابات التي حدثت مؤخرا في هندوراس وباراغواي. وبالطبع، فإن الولاياتالمتحدة لا تزال تمارس الحصار غير القانوني وغير الأخلاقي المفروض على كوبا، وتستمر في إحباط التغيير الاجتماعي الديمقراطي في هايتي حيث فرضت على الرئيس "أريستيد" المنفى عام 2004. وعلاوة على ذلك، ومن خلال سياساتها التجارية غير العادلة، تحولت المكسيك إلى دولة فاشلة. إن المصائب التي ألمت بشعوب جنوب القارة الأمريكية في تصاعد منذ تمرير "مبدأ مونرو" وإلا الآن. مرت65 سنة على ولادة إسرائيل ولا يبدو في الأفق أي حل لمشهد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لماذا لا يمكن معالجة هذا النوع من الصراع عندما يمكن للمرء أن يعالج نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟ حسنا، لنبدأ بجنوب أفريقيا. على المرء أن يعي أن الحكومات الأميركية والإسرائيلية، على مر التاريخ، ساعدت بما فيه الكفاية على دعم الفصل العنصري حتى النهاية. ولولا تضافر جهود بقية المجتمع الدولي (بما في ذلك المواطنين الأمريكيين) والهزيمة العسكرية للجيش في جنوب أفريقيا من قبل القوات الكوبية، لما قدر للفصل العنصري أن يسقط في جنوب أفريقيا. وبكثير من الحسرة والأسف، لا بد لنا من الاعتراف بأن الفصل العنصري الاقتصادي لم ينته بعد ومستمر بلا هوادة تقريبا حتى يومنا هذا. أما فيما يتعلق بفهم استمرارية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فهو بسيط جدا: إن الولاياتالمتحدة هي التي تقف عائقا أمام حل هذا الصراع ضد مجموع آراء الرأي العام العالمي. الولاياتالمتحدة تدعم عسكريا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وتحميها من أي عقوبات في الأممالمتحدة. و إذا كانت الولاياتالمتحدة ترغب حقا في حل هذا الصراع، فلن يستعصي عليها. لكنها لا تريد القيام بذلك لأنها ترى في إسرائيل موطئ قدم لها في أهم منطقة غنية بالنفط. العالم العربي يمر ب"ربيعه" ويدفع ثمنا باهظا في بعض الأحيان (ليبيا واليمن وسوريا) وينعته بعض المثقفين العرب ب"المؤامرة الأمريكية" بينما يرى آخرون أنه "ثورة حقيقية" ضد الدكتاتوريات العربية. ما هو رأيك؟ من الواضح، أن الربيع العربي ولد من الاستياء الحقيقي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الدكتاتوريات التي ترعاها الولاياتالمتحدة، وعلى الأخص في مصر وتونس. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن نقر أن هناك بالتأكيد معارضة مشروعة للنظام السوري كما أن الأمر كان صحيحا بالنسبة لليبيا. وفي كل الأحوال، ما هو صحيح أيضا أن الولاياتالمتحدة نجحت في قلب السحر على الساحر. بالنسبة إلي، ليبيا هي أفضل مثال على ذلك. في حين كانت هناك معارضة مشروعة لنظام القدافي، كان هناك أيضا دعما كبيرا للحكومة الليبية من طرف الولاياتالمتحدة، واظهر القذافي أكثر من مرة استعداده لحل خلافاته مع المعارضة. لكن الولاياتالمتحدة رفضت أي تسوية سلمية للنزاع في ليبيا لأنها عزمت منذ زمن بعيد أن تخلع القذافي من الحكم الذي اعتبرته عائقا أمام السيطرة على حقول النفط والتنمية في ليبيا والى حد كبير تأثيره على أفريقيا. ومهما اختلفنا في تقييم شخص القذافي، فالحقيقة انه كان قوميا عربيا ومتحمسا لتحرير أفريقيا من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية من قبل الغرب. لهذه الأسباب، ساندت الولاياتالمتحدة المعارضة لتغيير نظام القدافي في ليبيا. وكانت النتيجة كارثية على ليبيا حيث تم زعزعة الاستقرار، فضلا عن دولة مالي التي تأثرت كذلك بما حصل في ليبيا. وتتبع الولاياتالمتحدة دينامية مماثلة في سوريا حيث تسعى لاستغلال سخط الشعب السوري لفرض تغيير النظام بالطرق العنيفة من أجل التخلص من نظام مستقل في منطقة الشرق الأوسط. ومن المفارقات الغريبة، في حالة كل من ليبيا وسوريا، أن الولاياتالمتحدة انحازت إلى جانب القوى المتطرفة جدا التي سوف تعتبرها "إرهابية" في سياقات أخرى. وهذه حقيقة ثابتة تفضح بجلاء سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية القائمة على مكافحة "الإرهاب" أو حتى عن الدفاع الوطني الحقيقي، وأنها ليست أكثر من إستراتيجية عدوانية للهيمنة والسيطرة على بقية دول العالم من أجل الحفاظ على حصة الأسد الأمريكية من موارد العالم وكذلك لخدمة مصالح شركاتها المتعددة الجنسيات. الولاياتالمتحدة، عكس كل ما تدعيه، كانت ولا تزال أكبر عدو للحكم العلماني والديمقراطي في الشرق الأوسط. وهذا ما حصل بالفعل عندما أطاحت بالحكم الديمقراطي في إيران على عهد محمد مصدق، ومعارضتها لحكم جمال عبد الناصر في مصر، وإسقاطها لنظام القذافي في ليبيا (والمعروف عن القذافي انه واحد من أشرس أعداء تنظيم القاعدة)، ومحاولتها إسقاط الأسد الحالية في سوريا، وليست هذه الأمثلة سوى أمثلة قليلة لما يمكن أن تلحقه أمريكا من ضرر بالعالم. وفي الختام، وكما أشار جان بريكمونت Bricmont Jean في كتابه القيم "التدخل الإنساني"، فإن الولاياتالمتحدة، على الرغم من "لهجتها الجميلة"، لا تهمها بناء الدول بقدر ما تهمها "الأعمال التجارية" التي تدمر الدول، لأنها ترى في الدول المستقرة في جنوب الكرة الأرضية أكبر تهديد لقدرتها على السيطرة على العالم. إنها تفضل زعزعة الاستقرار والفوضى في الواقع، وما يحصل في الواقع، هو فوضى مبرمجة من قبل الولاياتالمتحدة لفرض منطقها على العالم. وهذا واضح تماما من خلال نظرة عابرة على الأحداث العالمية الحالية. ليس المهم أن نستمع لنوايا الولاياتالمتحدة في نشر القيم الإنسانية، لكن المهم بدلا من ذلك، النظر في الإجراءات والنتائج المتسقة للغاية والتي تهدف حتما إلى زعزعة الاستقرار. كيف ترى مستقبل العالم العربي وخاصة دول الخليج التي لم يتم تحويلها فقط إلى قواعد عسكرية أمريكية بل قد تتحول إلى مسرح لحرب عالمية ثالثة بسبب ملف إيران النووي؟ بطبيعة الحال، مستقبل العالم العربي أصبح على كف عفريت بسبب تدخل الولاياتالمتحدة المتواصل والدؤوب في شؤون الدول العربية الداخلية، وبقية دول العالم. عندما ننظر إلى ليبيا وسورياوالصومال واليمن وماليوالعراق، وأفغانستان، وهذا غيض من فيض، وهي بلدان في طور التدمير الشامل من طرف التدخل العسكري الأمريكي المباشر. وربما تكون إيران على لائحة المسلخ لتقطيع أوصالها إربا إربا، وهذا أمر مثير للقلق جدا. وفي حين أن مقاومة التدخل العسكري للولايات المتحدة في العالم العربي وجنوب الكرة الأرضية أمر بالغ الأهمية، يبدو لي أن الشعب الوحيد الذي يمكن أن يضع حدا لهذا الجنون هو الشعب الأمريكي نفسه. فمن الأهمية بمكان أن علينا نحن الأمريكيين أن نقاوم حكومتنا والشركات الخاصة المتعددة الجنسيات لمصلحة إنقاذ كوكبنا والسماح للدول من خارج حدودنا لتطوير مجتمعاتها على الطريقة التي ترغب فيها. هناك بالتأكيد تقليد عريق يفخر به الأمريكيون وهو النضال ضد الامبريالية الأمريكية، ولكن للأسف، هذه الحركة صامتة تماما في الوقت الحاضر. كما ساعد انتخاب باراك أوباما على إسكات أصوات هذه الحركة، لان الحركة التقدمية في الولاياتالمتحدة راهنت كثيرا على حملته الرئاسية المفعمة بالنوايا الطيبة، إلا انه انقلب على نفسه من شر أفعاله البشعة. إن مسؤولية الكتاب والمثقفين الأمريكيين فضح سياسة الولاياتالمتحدة التوسعية، بغض النظر عمن اعتلى كرسي الرئاسة، وأنا على ثقة أن النخبة المثقفة قادرة على إقناع الشعب الأمريكي بالوقوف تضامنا مع الغالبية العظمى من فقراء العالم ضد حكومتنا. هذا هو بالتأكيد واجبنا ومهمتنا.