ما تزال قصص فجر الدعوة وبدايات البعثة طرية ندية شجية تطرب السمع وتسيل الدمع، وتنير الأفئدة والألباب. أفراد اختاروا الله فاختارهم، سلموا له فأسلموا، آمنوا به فأَمِنوا، وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم، أموال هو رزقها، وأنفس هو خلقها، حتى أتاهم اليقين. أولئك هم السابقون السابقون، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين. وآخرون اختاروا الكفر والحرب وتعذيب المستضعفين، فأحرقوا الديار بالنار، وعذبوهم بالصخور والأحجار، تحت الشمس الحامية في وضح النهار، أمام جميع الأنظار، فما وهن المستضعفون لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد) البروج 8-9. ومن هؤلاء من ندم على كفره وفجوره، وجهله وجاهليته، وحربه لله وللرسول وللمؤمنين، فعاهد الله على أن يكفر عن سوابقه السيئة، فقبل الله الأوبة والتوبة وفتح المجال أمامه فأبلى البلاء الحسن وربما سبق غيرهم. وممن سارت به صحائف الزمان والأذهان عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب ووحشي وغيرهم، ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه. إن هذه القصص التي تحول العذاب إلى عذوبة، والكفر إلى أكذوبة، وتمحص وتفتن، تعيد نفسها في كل وقت وحين، وفي كل عصر ومصر. ها هي اليوم تتعدد وتتلون وتبرهن وتبين، أن سنة الله ماضية، وأن الإسلام دين ظاهر طائر، ونور باهر قاهر، لا يستطيع أحد مهما طغى وتجبر، وغلب وقهر، أن يطفئ بريقه، أو يحرف طريقه، بل منهم من يقضي حينا من عمره يحاربه ويصده ويصد الناس عنه، فما يلبث أن يصير من أهله المحبين العابدين الناصرين المنتصرين. ومما يذهب بالعقل القاصر الذي أحاطت به الشهادة فلا يعلم الغيب المكنون وراءها، أن ينتشر الإسلام في الوقت الذي يقصف فيه بكل الأسلحة القديمة والجديدة الممنوعة والمشروعة، وفي الوقت الذي تتأكد فيه الأحزاب المقاتلة القاتلة جميعهم أنه لن تقوم له بعد اليوم قائمة، وفي الوقت الذي يشتد فيه الظلام واليأس وتبلغ قلوب المؤمنين الحناجر ويزلزلون زلزالا شديدا ويقولون متى هو. في ذلك الوقت البئيس التعيس ينقلب الوضع رأسا على عقب، ويأتي نصر الله ونور الله من حيث لا يحتسب الظالمون والمظلومون، ولا المقتولون والقاتلون، ولا الضعفاء والكبراء. وصدق الله العلي العظيم إذ يقول ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( التوبة 32-33 فهذا دين مثخن تاريخه بالمكائد والمؤامرات، والبغضاء والعداوات، والحروب المتتاليات، وبالأعداء الذين سفكوا دماء الأنبياء والشهداء والصالحين، وبلائحة طويلة من التهم والافتراءات، والسباب والشتيمة، ومحاولات التحريف والتزييف، وفرق الباطنية والنفاقية، ولكن ذلك لم يزده إلا طلوعا وسطوعا، ونورا وظهورا. واليوم في زماننا هذا، وعالمنا هذا، رأينا تلك الآيات تتكرر أمام أعيننا. فلنذكر بعض الأمثال منها، فالمقام لا يسمح بالإحصاء والاستقراء. في عام 2010 ميلادي، قامت في العالم كله ضجة كبرى حول منع بناء صوامع المساجد في سويسرا، وقاد دانيال ستريش أحد رموز اليمين في تلك البلاد حملة توجت باستفتاء شعبي وافق فيه السويسريون بأغلبية معتبرة على المنع. وكان الرجل مسيحيا ملتزما يداوم على قراءة الإنجيل وحضور صلاة الأحد وموعظته بالكنيسة. لكنه ما لبث أن اعتنق الإسلام بعد سكوت دام عامين، وصار يحضر الصلوات الخمس ويداوم على قراءة القرآن الكريم، ويقول إن هذا الكتاب قدم لي أجوبة شافية عن أسئلة حارقة لم أجد نظيرا لها في الإنجيل والمسيحية. فانظر كيف انقلب رجل يريد أن يطفئ نور الله بفمه إلى ناصر له وناشر ومن عدو لئيم إلى ولي حميم. فهل من تفسير أيها العالمون؟ في سبتمبر 2001، استفاق العالم على هجوم تعرضت له الولاياتالمتحدة اتهمت به القاعدة وزعيمها بن لادن وشكك فيه الكثيرون، ثم أعقبه هجوم غربي عالمي على العالم الإسلامي باحتلال أفغانستان والعراق وحرب شرسة على الحركات الإسلامية بتهمة محاربة الإرهاب، لكن ذلك العام الميلادي كان بداية الاهتمام البشري الغربي بالإسلام وكتابه ونبيه وحضارته، وفيه حطمت الأرقام القياسية في بيع الكتب الإسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم، ثم سجلت حالات كثيرة من الدخول في دين الله أفواجا. ومنهم المهتدين الجدد من فقد أفرادا من عائلته في الحادث المشؤوم، مثل إيليزابيثتاورز (صفية أقصبي بعد إسلامها) تلك اليهودية الأمريكية التي تعرفت على الإسلام في عطلة سياحية بالمغرب انهارت أمام نور الله وهي ترى المسجد وتدخله، وفقدت ثمانية (8) من أفراد عائلتها يوم 11 سبتمبر 2001، فما غيرت ولا بدلت، ولا مردت أو كفرت، فهل من مفسر؟ وهل من مدكر؟ ومثلها أنجيلا كولينز التي ذابت بدورها أمام النور المبين عندما سمعت الأذان بتركيا، وعندما وقعت واقعة 11 سبتمبر أرادت أن تقدم شهادتها في الدين الإسلامي وبراءته من التطرف والمتطرفين، فرفضت كثير من الاستوديوهات أن تستقبلها لربط الاتصال بالمكتب الرئيس لقناة الجزيرة الفضائية في برنامج حول "الذين اعتنقوا الإسلام بعد الحادي عشر من سبتمبر"، فقادت سيارتها بنفسها للحضور إلى الاستويديو. فدافعت عن الإسلام وأبلت بلاء أحسن من كثير من ذوي اللحى الطويلة والنظرات الحادة. فهل من مفسر؟ وهل من مدكر؟ ومثل آخر من بلاد الهند والهندوسية. إنهراجو، بطل الهند في الكاراتيه الذي كان وراء إحراق المسجد البابري، حيث قضى كثير من المسلمين نحبهم. ثم ما لبث أن فر هاربا من شرطة بلاده إلى الكويت، وهناك جاءه النداء من السماء،فاعتنق الإسلام، وأقسم أن يقضي ما بقي من حياته في الدعوة إلى الإسلام، وأسلم على يديه ألف وثمانمئة (1800) شخص من بني قومه في الكويت. فهل من مفسر؟ وهل من مدكر؟ وهذا بلال عبد الله محمد، الأمريكي الأسود، شهد ضجة الرسوم الدانماركية الساخرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب غضبا شديدا رغم أنه غير مسلم، ثم اندفع يبحث عن هذه الشخصية، ولما عرف دهش وانبهر و سال دمعه وانهمر، وهام على وجهه يبحث عن مسجد للمسلمين لينطق بالشهادتين ويتعلم الإسلام، وأقسم أن يقضي حياته متبعا هذا النبي العظيم وداعيا لدينه القويم. فهل من مفسر؟ وهل من مدكر؟ وبالإمكان سرد آلاف من الأحوال والأمثال للنساء والرجال، والفتيات والفتيان، والشيوخ والعجائز، الذين اختارتهم العناية الربانية بالهداية والرعاية، من مختلف الأجناس والأجيال، والألوان والأوطان، والفئات، والفقراء والأغنياء،والسادة والضعفاء، والعامة والعلماء، ولكن البعض يغني عن الكل. والحاصل أن آلافا من قصص المهتدين للدين القويم في هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين الميلادي، أجمعوا على أن "موجة الكره والتعصب تزيد في الدعاية للإسلام وتدفع الناس للبحث عنه"، وصدق الله العلي العظيم إذ يقول عن نبيه وخليله إبراهيم (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين)، والقائل (إنهم يكيدون كيدا واكيد كيدافمهل الكافرين أمهلهم رويدا) الطارق 15-16-17، والقائل أيضا (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال 30. وإني لعلى يقين، لا ريب فيه، أن هذا الدين سيفاجئ العالمين -سواء أهله المؤمنين به، وقد حاصرتهم المؤامرات الخارجية والعلل الداخلية، أو المحاربين له الراغبين في إطفاء نوره- بما لم يحتسبوا، ومن يدري قد يخرج من بين الرافضين المحاربين أئمة في الإيمان والعلم والدعوة يقيمون الحجة ويعيدون الخلق إلى خالقهم راغبين عابدين مخبتين منيبين، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.