أشاد فضيلة الدكتور القرضاوي بالاستبسال والمقاومة الفلسطينية في المقابل ندد بموقف القادة العرب في كل مكان من الاستسلام و"ترك إخوتنا يأكلون العلقة ويخوضون المعركة وحدهم" نافيا أن يكون هذا من أخلاق الإسلام، ولا من أخلاق العرب أو من اخلاق الإنسانية، في ظل استمرار الطغيان الصهيوني وما يقوم به من تدمير وتخريب وتقتيل. جاء ذلك في الخطبة الثانية ليوم الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه . واستنكر فضيلته تصريحات قس أميركي لشبكة تلفزيونية هاجم فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصفه فيها بأنه عليه الصلاة والسلام كان رجل عنف وحرب وإرهابي ، وأبان بطلان كلامه من جهتين الأولى ما قدمه القس فالويل من تنازلات لدعاة الإباحية والشذوذ عندما قال بأن هجمات 11 سبتمبر كانت غضبا من الله لكنه تراجع ومن خلال وقوفه إلى جانب الصهاينة بأبناء فلسطين . أما الجهة الثانية فقد استشهد بمواقف رسول الرحمة للعالمين من سيرته عليه الصلاة والسلام. وبعد ان قارن فضيلته بين عدد القتلى في حروب المسلمين في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سرايا الصحابة والذين لم يتعدوا بضع مئات ذكر أن تاريخ الحروب التي خاضها الآخرون بلغت عشرات الآلاف، ونفى تعطش الرسول للدماء وهو الذي يحمد الله أن انتهت غزوة الأحزاب بغير دماء، ويعتبر القرآن الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلح الحديبية فتحا من السماء، تيمنا على السلام بنعمة السلام رغم انتصارهم فعلا على الكفار.. كما تحدث فضيلته أمس في خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب عن حب الرسول للرفق والرحمة وهو ما بدا في سيرته صلى الله عليه وسلم واضحا جليا.. مؤكدا على أن شخصية الرسول هي أعظم شخصية في التاريخ، الذي انشأ أمة من عدم وأقام دينا هو خير الأديان وأسس دولة قامت على العدل والإحسان، وطبقت أفضل مناهج تقوم على التكامل والتوازن وتجمع بين المثالية والواقعية، بين الحقوق والواجبات، وتمزج الروح بالمادة، والعقل بالقلب، والأرض بالسماء والدنيا بالآخرة، فإذا تطاول واحد من هؤلاء على مقام محمد فإن من حقنا أمة الإسلام أن نغضب لرسولنا ولمحمدنا ولمقدساتنا، ومن حقنا أن نثور على هؤلاء، ونقول لهم: قفوا عند حدكم ولا تتطاولوا على أعظم مقام بشري في تاريخ هذا العالم.. وصدق الله العظيم إذ يقول (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره، ولو كره الكافرون. هو الذي أرسله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). في بداية الخطبة الأولى تحسر فضيلة الدكتور على تعزز الذليل على أمة الإسلام وتأسد الجبان وتذأب الحمل وتطاولهم على أقدس مقدساتنا ، وذكر حكاية جيري فالويل الذي قال بان أحداث 11 سبتمبر كانت غضبا من الله على التحلل الذي ساد المجتمع الأميركي والإباحية والشذوذ لكن هيئات مدافعة عن هذه الأمراض هاجمته فتراجع عن الحق إلى الباطل! وقال فضيلة الدكتور كذبت أيها القس، فإن محمدا كما وصفه ربه فقال "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فلم يقل رحمة للعرب وحدهم فقط أو للشرقيين.. وإنما للعالمين وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه "إنما أنا رحمة مهداة" فهو رحمة الله إلى هذه الأمة، ورحمة الله إلى البشرية كلها، فقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليدعو الناس إلى صراط الله المستقيم بالحجة والاقناع والموعظة الحسنة والدعوة بالتي هي أحسن، وظل يجاهد بالكلمة والدعوة ثلاثة عشر عاما كما أمره ربه في سورة الفرقان "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا". وظل يدعو بالقرآن والكلمة والبيان بمكة حتى عُذِّبَ من عُذِّب وحوصروا ثلاث سنوات اجتماعيا واقتصاديا حتى أكلوا أوراق الشجر، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بكف الأيدي وإقامة الصلاة لما طلبوا منه الاذن بالجهاد حتى هاجروا إلى المدينة، وأذن الله عز وجل لرسوله وأصحابه بالدفاع عن أنفسهم "أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". فهذه أول آيات نزلت في ذلك. والآيات تبين أن المسلمين إن مُكِّن لهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ورعوا حق الله وحق الضعفاء بإعطاء الزكاة.. وعرض الدكتور القرضاوي لبعض ملامح دعوة المسيح عليه السلام وقال إنها دعوة لطائفة محدودة تصلح لزمن مؤقت لا تصلح تشريعا عاما للبشر في كل زمان ومكان فهناك قابيل وهناك هابيل وهناك ابن آدم الشرير وابن آدم الخير. وقرر ما في الإسلام من عدل وفضل وحكى موقف النبي صلى الله عليه وسلم فأحيانا يعاقب وينتقم ممن ظلم وأساء وأحيانا يعفو حسب الموقف ففي فتح مكة عفا عن أهل مكة جميعا وقال "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" اذهبوا فأنتم الطلقاء. ولكن في غزوة بني قريظة لم يعف ولم يسامح لأن الجريمة كانت فظيعة حيث نقضوا العهد في أشد اللحظات وأحلك الظروف. ووصف الشيخ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كانت جامعة شاملة وأنه خاض المعارك بالحق لا بالباطل وخاضها ليقيم العدل ويطرد الظلم. وقال الشيخ إننا لو تتبعنا الغزوات المحمدية وهي نحو سبع وعشرين غزوة والسرايا النبوية والتي بعث بها أصحابه وهي بضع وخمسون سرية لو بحثنا عن نتائج هذه المعارك سنجدها بضع مئات من القتلى من صفوف المشركين ولو نظرنا في التوراة وفي سفر التثنية وقرأنا ما يتعلق بالحرب والقتال لشاب رأس القارئ فالتوراة تبيح الدماء وتبيح قتل الأطفال والنساء والحمير والبهائم.. ومن يقرأ التوراة يجد فيها ضحايا القتال الذي قام به موسى أو يوشع أو قام به داود.. عشرات الآلاف من الضحايا والقتلى فأين هذا من غزوات محمد صلى الله عليه وسلم وسرايا أصحابه، هؤلاء يضللون الناس إما أنهم جهلة لم يقرأوا ولم يعرفوا الحقائق وإما أنهم كذبة يعرفون الحقائق ثم ينكرونها ويكذبون على خلق الله.. ونفى الشيخ أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم متعطشا للدماء. وتناول فضيلته تعقيب القرآن على غزوة الخندق حيث انتهت بلا قتال ولا دماء، قال الله سبحانه "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا" وفي الحديبية التي انتهت بصلح أنزل الله عز وجل سورة الفتح وقال الله فيها "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" وقال عمر أفتح هو يارسول الله؟ قال: "نعم هو فتح" ويقول الله عز وجل في السورة "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم". معنى هذا أنه يمتن عليهم بنعمة السلام. وقال الشيخ القرضاوي :كنا نود أن ينكر على بني إسرائيل ما يفعلونه بإخوتنا في فلسطين، أن ينكر قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين وتدمير المنازل وتحريق المزارع وهدم المدارس والطرقات والمساجد. كنا نود من هذا القس أن يشجب هذه الأعمال الوحشية التي لا يقرها دين في السماء ولا قانون في الأرض ولكن القس يشارك الصهاينة بكل قوته. واستنكر فضيلته موقف القس حينما استنكر دعوة بوش لليهود بالانسحاب من المدن الفلسطينية مضيفا أهذا هو الحب وهذا هو السلام؟! وحيا فضيلته في خطبته الثانية الاخوة في فلسطين، وترحم على الشهداء مباركا موقف الآباء والأبناء والنساء قائلا لهم: اصبروا ورابطوا لعلكم تفلحون، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب.. مطالبا الإخوة سلطة ومعارضة بالوقوف صفا واحدا وجبهة متراصة ولا يسمحوا بكيد الكائدين أن يصطدم بعضهم ببعض، فهذا كل ما تريده إسرائيل وأميركا محذرا من ذلك كله، ومعبرا عن ألمه أشد الألم حينما وقع صدام بين فتح وحماس الأسبوع الماضي، راجيا ألا يتكرر هذا، وأن يكون إخوتنا أعقل وأكيس من أن يقعوا في الفخ الذي نصب لهم، فعدوهم واحد ولا ينبغي أن توجه رصاصة إلا إلى صدره. الدوحة - عبد الحكيم أحمين