قصتي الرائعة ما هي إلا أكذوبة كبيرة. هكذا يحكي لانس ارمسترونغ الدراج الأمريكي السابق الذي فاز سبع مرات بطواف فرنسا، مجيبا ببرودة، الإعلامية أوبرا وينفري. نعم، تعاطيت للمنشطات. نعم، خضعت لعمليات نقل الدم وتناولت العقاقير المحضورة، تستوسترون، إريثروبويتين، كورتيزون وهرمونات النمو. نعم، إن المنشطات تجتاح سباقات الدراجات، مضيفاً "لم أخترع هذه الثقافة ولكني أيضا لم أسع لإيقافها". جاء هذا الاعتراف، بعد سنوات من النفي والإصرار على عدم ارتكاب أي مخالفات في هذا الصدد. لم أغش ولكن أديت عملي : يعتقد أرمسترونغ أن تناول المنشطات هو جزء من العمل الاحترافي كما هو الشأن لدى كثير من الدراجين، فالمنشطات وسيلة مقبولة للسعي وراء النجاح، فتعاطيها مفتوح أمام جميع المتبارين على حد السواء، يكفي إتقان استعمالها للظفر بالصدارة. أليس أرمسترونغ هو من أقسم وأنكر في السابق عدم تعاطيه للمحظورات؟ فهو ذاته من يقول لم أغش أبدا. تمادى في الكذب حيث أنكر تعاطيه للمنشطات بعد عودته الأخيرة للسباقات وعلى عكس ما جاءت به تقارير الجهات المسؤولة. سيناريو محبك وتلاعب جلي: عملية إغراء مصاغة في حلقتين يسوق فيها الدراج والاعلامية صورة بطل بفيض من العاطفة يشتري بها عفو الجمهور. فبقدر ما تمتلئ عيناه من الدمع، فهو يتحكم في المعلومة ولا يفصح إلا على ما يرغب في الإدلاء به من سطحيات، فلم لا يعلن عن البرتوكولات المتبعة في تناول المنشطات وإخفائها عن المحققين؟ فبعد أن أصدرت الوكالة الأمريكية لمكافحة المنشطات تقريرها من ألف صفحة في شهر غشت من العام الماضي، المدين لأرمسترونغ، المتهم بتطوير البرنامج الأكثر تقدما للمنشطات في تاريخ الرياضة. وبعد الاعترافات التي أدلى بها عدد كبير من مساعديه، وبشهادة خمسة عشر عضوا من فريقه، لحيازته وتعاطيه وتشجيعه على استعمال المنشطات وخداعه أثناء إجراء الاختبارات. وبعد أن صدر حكم لجنة الرابطة الدولية لسباق الدراجات الهوائية في أكتوبر المنصرم بحضر أرمسترونغ مدى الحياة. وفي انتظار مساءلة القضاء في قضية القسم المضلل للعدالة، يسرع الدراج الأمريكي إلى المقابلة التلفزية كتوطئة للدفاع عن نفسه من العقوبات الجنائية والمالية التي تلاحقه. تجارة مربحة: أرمسترونغ الملياردير الأمريكي الذي تقدر ثروته بمائة وخمسة وعشرين دولارا، عائدات "الإنجازات الرياضية" واستثماراتها، لا شك أنه درس التكلفة المالية لاعترافاته حتى يظل بعدها غانما غنيا. فبعد أن يعوض الأطراف التي جرته إلى ساحة القضاء، وحتى لو طالبته الجهات المحتضنة بتعويضات، فإنها ستكون محدودة لأنها حققت عائدات ضخمة من الصفقات التي أبرمتها معه. (في هذا الصدد، طالبت يو.اس بوستال باسترجاع ثلاثين مليون دولار، ورد عليها محامو أرمسترونغ بأنها جنت أرباحا تناهز مائة مليون دولار كعائدات عن الصفقة. بدورها الأسبوعية ساندي تايمز و شركة التأمين إس.سي.أ تطالبان بعشرة ملايين دولار. كما أن أرمسترونغ لاشك مطالب بتعويض جوائز السباقات). يبقى للدراج السابق أن يمول أعمالا ومؤسسات خيرية تحفظ له ماء وجهه. ولا أخفي على القارئ فضولي لمعرفة ما تقاضاه من أجرمن القناة التي أذاعت المقابلة. فالدراج يبدو أنه لايزال يبيع. فما سمي اعترافا، لم يكن بالشيء الجديد، فهو مدون في تقارير خبراء ومؤسسات أجمعت على إدانته من قبل . طواف فرنسا: الضحية أم المتواطئ؟ منذ 1999 إلى حدود 2005، كيف تمكن أرمسترونغ من تضليل أجهزة محاربة المنشطات طوال هذه المدة؟ لماذا لم تحم الأجهزة الرياضية الفرنسية سمعة طوافها من المواد والممارسات المحضورة؟ وإن دق عدد كبير من المتخصصين ناقوس الإنذار بخصوص أرمستونغ، فلم تمادى وسلم من الرقابة؟ أيحتاج موعد رياضي من مستوى طواف فرنسا للدراجات أمثال أرمسترونغ حتى يعطيه الفرجة اللازمة وحتى يؤدي الطواف وظيفته؟ ولماذا لم تتقاعد المنشطات مع تقاعد أرمسترونغ؟ لماذا سار، من بعده، ألبرتو كانتادور وفرانك شليك على دربه؟ فبين من يستنكر بشدة حضور المنشطات في الرياضة، ومن يسلم بالأمر الواقع تطبيعا مع المنشطات، أي أنه طبيعيا سنوات بعد الميدالية تأتي مقابلة الاعتراف، ومن يطالب بالترخيص لتناولها حتى نكرس قيم الرياضة (فنرى الأقوى والأسرع والأفضل)، نتيجة واحدة هي الثابتة وهي أن هذه التجاوزات سببها تهجين الرياضة بالمال. *دكتوراه في علوم وتقنيات الأنشطة البدنية والرياضية