أعلن مؤخرا الحبيب المالكي (الصورة) عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة ترشيحه لمنصب الكاتب الأول للحزب أن ترشيحه جاء "على أساس من التعاقد وبروح من الوحدة والتجديد ".وقال المالكي في ذات السياق "إننا اشتراكيون ديمقراطيون" , مؤكدا أنه يتعين على الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يجسد هذا الاختيار المرجعي وهو اختيار "دينامي وليس جامدا ". "" وتدفعنا مثل هذه التصريحات إلى طرح أسئلة كثيرة من بينها ما ذا يقصد الحبيب المالكي ب"الاشتراكيين الديمقراطيين"، إذ اختلطت على الشعب المغربي كثرة المصطلحات والمفاهيم خاصة تلك التي باتت تعكس تناقضا صارخا بين النظرية والممارسة؟ . ومن خلال هذه التصريحات، تتضح لنا بجلاء كبير حالة الفوضى الأيديولوجية التي يعيشها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتي تتجسد على سبيل المثال لا الحصر في حصيلة أداء الحزب أثناء تجربته الحكومية وفي مشاريع الخصخصة التي قادها منذ سنوات "وزير المالية والخصخصة" فتح الله ولعلو، وهو أيضًا عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحد منظري الفكر الاشتراكي سابقًا، وهي حصيلة تتنافى مع أيدلوجية وقيم الاشتراكية الديمقراطية. وهكذا بات من الضروري تدقيق وتحديد مفهوم "الاشتراكية الديمقراطية" وإزاحة اللبس والضبابية و التلفيق الذي أصابه. ولتحديد هذا المفهوم وتدقيقه لا بد من الرجوع إلى أصول ومنابع هذه الكلمة حتى لا تكون مقاربتنا مجانية و مجانبة للصواب، إن "الاشتراكية الديمقراطية" في أصلها مكونة من كلمتين "الاشتراكية" و "الديمقراطية" وتعني الديمقراطية اصطلاحا حكم عامة الناس، أما تطبيق مبدأ الحكم الديمقراطي فله عدد من الوسائل تعتبر الديمقراطية الاشتراكية أحدها و كان لينين قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية هو من وضع أسس الديمقراطية الاشتراكية حيث أن هذا الأخير رفض فكرة الديمقراطية البرلمانية بشكل قاطع معتبرا أن وجود أقلية لا تتجاوز خمس مئة شخص تمثل الشعب وتوضع مصالح الشعب بيدهم و هم عدد قليل من الممكن شرائهم و يصبحون جزء من الحكومة بشكل غير مباشر و رفض مبدأ فصل السلطات الذي كان سائدا في الدول التي تعتمد الديمقراطية البرلمانية و كانت التجربة اللينينية في تطبيق الديمقراطية هي وضع سلطة تنفيذية تشريعية واحدة بدون فصل تسمى مجلس السوفييت الأعلى و يتم انتخاب هذا المجلس بشكل هرمي حيث تبدأ الانتخابات من مجالس السوفييت انطلاقا من الأحياء و ثم مجالس أعلى تنتخب من مجالس الأحياء و هي مجالس المناطق و القرى و هكذا لتصل إلى المجلس الأعلى للسوفيت لكن مع ولادة التجربة بدأت تنهشها البيروقراطية و تحول ممثلو الشعب إلى قيادات ثابتة لمدة أربع سنوات فكتب لينين " لقد تحول ممثلي السوفييت إلى برلمانيين لا يتم تغيرهم إلا كل أربع سنوات لذلك يجب أن يكون عضو السوفييت قابلا للسحب أي تحويل مجالس السوفييت إلى مؤتمر مفتوح ليكون كل منتخب قابل للمراقبة و السحب عندما يفقد ثقة ناخبيه مباشرة دون انتظار المؤتمرات" و تعتبر تجربة رائدة لكنها لم تدم خصوصا بعد دخول ما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية أثناء تولي ستالين لمقاليد السلطة. ولقد نشأت الديمقراطية الاشتراكية أو الديمقراطية الاجتماعية كإيديولوجيا سياسية في أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين على يد عدد من أنصار الماركسية و في بداياتها كانت الديمقراطية الاشتراكية تضم عددا من الاشتراكيين الثوريين بما فيهم روزا لوكسمبورغ وفلاديمير لينين، لكن لاحقا بعد الحرب العالمية الأولى و الثورة الروسية أصبح مصطلح الديمقراطية الاشتراكية ينحصر في دعاة التغيير التدريجي ورفض الثورية لتغيير النظام الرأسمالي ومحاولة جعله أكثر مساواة وإنسانية. إن المبادئ الأساسية للديمقراطية الاشتراكية تتلخص في الحرية والمساواة والعدالة التي تؤدي إلى التضامن ومن ثم الأمان فالرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي في مجتمع ديمقراطي اشتراكي حُر. انه طرح عصري علماني أي علمي وعولمي . إن الديمقراطية الاشتراكية هي أساس لدولة القانون التي تضمن إجراء الانتخابات الحرة النزيهة و حرية الرأي، لان جميع هذه المبادئ السياسية وهيكلياتها القانونية ترتكز على أول مبدأ وأول لبنة من القانون الدستوري ألا وهو صيانة كرامة الإنسان وهذا القانون يتكون من ثلاثة بنود صيانة حرمة الجسد وصيانة حرية الرأي أي حرية العقيدة والدين والرأي السياسي وان التعلُم والثقافة والعلم حق مُشاع لكل مواطن كي يصبح مُعظم الشعب من خريجي الجامعات والمعاهد ولا تكتمل صيانة كرامة الإنسان إلا بدخل شهري نقدي يكفي للعيش بكرامة ولكل إنسان منذ الولادة حتى الموت و الدولة تضمن كل ذلك إذا لم يستطع المواطن تدبيره لنفسه. بناء على هذا التعريف وتأسيسا على ماورد ذكره نتساءل، كيف تنطبق ومبادئ وأهداف الاشتراكية على تجربة الحزب في الحكومتين السابقتين وبالتحديد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والى أي حد ينطبق مفهوم الاشتراكية الديمقراطية على توجهات وانزلا قات حزب الاتحاد الاشتراكي؟ في الواقع إن حصيلة الحزب في تجربته الحكومية، يمكن تقييمها بشيء من الخيبة، نظرا لضآلة المكتسبات، فماذا حقق الحزب على مستوى النضال المشروع لفرض الحريات العامة، و فرض تطبيق القوانين.. و على مستوى تأطير و قيادة نضال الجماهير الشعبية ضد الاستغلال و الاستبداد؟ لهذا أصبح من الضروري، بل من الحيوي أن يقيم الحزب تجربته بشكل موضوعي يتجنب الذاتيات ، حتى يتمكن من استخلاص العبر من أخطائه و حتى يستفيد من إيجابيات تجربته. كما أصبح من الضروري و الحتمي أن يضع الحزب حدا لغموض إيديولوجيته و تدبدب إستراتيجيته و جماهيرية تنظيمه ، إذ أصبح يشعر بضرورة هذه العملية كل واحد من منخرطي الحزب ، لأن أي اتحادي قح لم يعد مستعدا للاستمرار في إطار الغموض . فالاشتراكية الديمقراطية ليست مجرد شعار نرفعه كلما دعت الضرورة إلى ذلك، إذ لا يمكننا فصلها عن الممارسة التنظيمية و العلمية المطابقة لها. فالتحليل العلمي لتطور المجتمعات و الإيمان بالصراع الطبقي، و الإيمان بسلطة العمال و الفلاحين و اشتراكية وسائل الإنتاج، و الإيمان بالمركزية الديمقراطية كأسلوب تنظيمي وبالعدالة الاجتماعية... كلها مبادئ يجب أن نعطيها مدلولها الحقيقي من خلال ممارستنا. و بقدر ما نتشبث بهذه المبادئ، بقدر ما نرفض "الدغمائية" في هذا الميدان و نعتبر أن التحليل العلمي يجب أن نطبقه على مجتمعنا آخذين بعين الاعتبار خصائصه و مميزاته، و آخذين بعين الاعتبار القيم الإنسانية و الثورية لتراث شعبنا. إن الهدف الاستراتيجي لكل اشتراكي ديمقراطي على المدى البعيد لا يمكن أن يكون إلا بتحقيق العدالة والمساواة و التي تؤدي إلى التضامن ومن ثم الأمان فالرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي و السياسي ، و بناء مجتمع اشتراكي خالي من أنواع الاستغلال . غير أن هذا الهدف الاستراتيجي قد قوضته بطبيعة الحال بعض ممارسات التيار الانتهازي الذي تقوى بشكل رهيب في صفوف الحزب ، فكل ما يريد هؤلاء فقط هو تحصيل منصب حكومي هنا أو هناك أو مطلب صغير لهم أو لمقربيهم، سعياً وراء اكتساب شرعية ومصداقية لإذدنابهم ، و إن تحقيق هذا الهدف ،في الواقع ، لن يتم إلا بقطع الطريق عن العناصر الانتهازية التي تسعى فقط إلى قطف الثمرة التي أنضجها النضال لفائدة مصالحها الطبقية. . إن هؤلاء الانتهازيون لم يهتموا بالمساواة و تحقيق الرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي ولم يتعاملوا بجدية مع أبسط مبادئ الاشتراكية المتمثلة في إقامة مجتمع غير طبقي وبذلك أعطوا صورة مشوهة عن " الاشتراكية الديمقراطية". وعليه وللخروج من حالة "التناقض الأيديولوجي" هذه، فأن حزب الاتحاد الاشتراكي ملزم بالقيام بعملية تفكيك صريحة لقواعد مرجعيته الفكرية؛ وجعلها منسجمة مع التطورات خلال السنوات الأخيرة، و على الحزب أيضا دراسة التجارب الاشتراكية في العالم ومناحي اختلاف أفكارها وبرامجها عن بعضها البعض ونشير هنا إلى أن التجربة الإيطالية التي تعتبر رائدة في هذا الاتجاه؛ وذلك لكونها جمعت بين الفكر الشيوعي وبين مبادئ الاشتراكية الجديدة المنسجمة والتطورات الدولية، مما حقق لها شعبية كبيرة في إيطاليا. ولن يتمكن هذا الحزب إطلاقا من تحقيق هذا المبتغى إلا بالتخلص من التيار الانتهازي الذي بات ينخر جسده ويتنامى بشكل سريع كمرض خبيث قد لا ينفع معه علاج إلا الاستئصال وكي جذوره فاخر الداء الكي .