الأرصاد الجوية تنذر من جديد.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة بالمغرب    الاتحاد الأوروبي يحذر من رسوم ترامب.. ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد العالمي    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    أخبار الساحة    الدوري الاحترافي يستأنف نشاطه    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    مصالح مديرية الضرائب تضع حسابات مقاولات "العجز المزمن" تحت المجهر    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    ولي عهد السعودية يستقبل الرئيس الشرع    الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين تحتج ضد تجاهل الزيادة في المعاشات    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    تحولات "فن الحرب"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد السياسي في العالم الإسلامي

الحلقة الثانية - الأنظمة الإسلامية المعاصرة: أسد علي وفي الحروب كما ترى
نحن في شهر رمضان المبارك سنة 1425من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وقد وضعت الحرب على العراق أوزارها كما قدر مسعروها أو توهموا، وتم احتلال جزء عظيم من بلاد الإسلام، واستذلال شعب عزيز من المسلمين، فارتعشت فرائص حكام الأمة الإسلامية، من عارض منهم الأجنبي ومن كان يعيش في حضنه.
من كان يعارضه أيقن أن دوره يأتي لا محالة...
ومن عاش في حضنه تيقن أن لا وفاء له إلا لمصلحته، وأن يوما تأكل فيه القطة المجنونة أبناءها بالتبني غير بعيد...
والنتيجة الحتمية هيمنة مطلقة للاستعمار المتدثر بما دعي ديمقراطية، والمدجج بالقطب الأوحد، على بلاد الإسلام السائرة إلى ردة عظيمة وتشرد للمسلمين أعظم.
فماذا دهى هذه الأمة، وما سر اندحارها إلى هذا الحضيض المزمن؟
يبادر بعضنا بالإشارة إلى انحراف الحكام والمحكومين عن منهج الله في الاعتقاد والإعداد، وهذا حق لاشك فيه، فالله لا يبارك أمة حملت أمانته وسارت على غير هديه، أو عملت على غير مرضاته.
لكن مقاييس الدنيا وسننها المادية جعلت أمما غير مسلمة ترقى مراقي العز الدنيوي وتتسنم قمم القوة وتحفظ دنياها وإن أضاعت آخرتها. فلم لم نكن في أقل تقدير على مستواهم وفي قوتهم ومنعتهم؟
نستبعد من المسؤولية الشعوب بدءا، فالشعوب معتقلة في أقفاص الجهل والجوع والخوف والانضباط الصارم للأجهزة الأمنية ما ظهر منها وما خفي، وهي بذلك في حكم القاصر، فاقدة لأهلية التصرف ، مضطرة للخضوع لقوانين الحجر.
نستبعد العلماء ثانيا، فمنهم طائفة في السجون والمنافي، وأخرى سفرت إلى الآخرة على أعواد المشانق، وطائفة أخرى أكرهها الخوف والحاجة إلى التزلف وعبودية الدرهم والدينار، وضعوا بين خيارين لا ثالث لهما، الخدمة أو التسفير للآخرة، فهم لا حيلة لهم ولا محاولة... اختاروا بطونهم على كرامتهم، وسلامة حاضرهم على مجد دنياهم وآخرتهم.
يبقى بين أيدينا في مسؤولية ما حدث، حكامنا ( الأعاظم)على رؤوسنا، الفئران تحت أرجل أعدائنا!
فماذا دهى هؤلاء الحكام حتى تعاظموا وانتفشوا على هامات شعوبهم، وتصاغروا خائفين مذعورين، بين أقدام الغزاة والمستعمرين؟
إنه بغض النظر عن مهازل وضعهم، وشطحات قفزهم ونطهم في جمهورياتهم الوراثية، وممالكهم الاستبدادية، وما ارتكبوه في حق شعوبهم من آثام وجرائم ، أفقدت الأمة كل عناصر المنعة والقوة، وبددت طاقاتها العلمية والاقتصادية والخلقية، وروضت أو صفت أشد رجالها صلابة وصدقا، فإن خط سيرهم في الحكم، عندما خلا لهم الجو فباضوا وصفروا،ما كان ليبلغهم إلا إلى هذا المصير وهذه النتيجة.
في البدء، زمن الثنائية القطبية في حكم العالم،انقسم حكامنا فئتين:
فئة ارتمت في حضن معسكر الرأسمالية، استدفؤوا بدثارها، واستطابوا ثمارها، عجرها وبجرها، فاحشتها وخمرها وقمارها ودعارتها. ونسوا أنهم مجرد خرفان سمينة في مزرعة مهما رعاها مالكها واسترعاها، وأطعمها وسقاها، فلابد أن يأتي يوم يحتاج فيه إلى لحمها اللذيذ وصوفها الدافئ.
وتوهموا أن هذا المعسكر منظمة خيرية، بلغت به السذاجة حد الدفاع عنهم لوجه الله تعالى، أو في سبيل الإنسانية، فناموا بقضهم وقضيضهم، واستناموا جيوشهم بعدتهم وعديدهم، واعتقدوا جازمين أنه لا ملجأ منه إلا إليه. وهو لا يلهو ولا يلعب، إنه يعد المأدبة لنفسه، ويهيئ قصعة المسلمين لسد جوعته.
أما الفئة الثانية من حكامنا فقد لوحوا في مرحلة ما، بقبضة التحدي، ورفعوا شعارات التحرر والتقدم والقوة، ولكن شاب ما أعلنوه من أهداف، وما استهدفوه من غايات، ثلاث خطايا وعاهات:
أولاهن تكبيلهم شعوبهم وقمعها واضطهادها، فتحولت طائفة كبيرة من هذه الشعوب لفراغها الروحي والعقدي وما جثم عليها من مظالم إلى أدوات رخيصة للأجنبي، همها الوحيد الانتقام للنفس واستئصال الظالم ولو بأظلم منه. وتحولت طوائف أخرى لدعوة الإصلاح واليقظة فكان نصيبها القمع والاعتقال وأعواد المشانق. وفقد بذلك هؤلاء الحكام تأييد شعوبهم وعونها وتضامنها ومؤازرتها في عملية التحرر المعلنة شعاراتها.
ومن أجل مواجهة عدوانية المعسكر الرأسمالي حالفوا المعسكر الشيوعي بكل صدق ووفاء وبلادة وغباء، ولم يهتبلوا فرصة هذه العلاقة الطارئة لبناء قوتهم الذاتية علما واختراعا وصناعة وتسليحا ذاتيا متطورا ورادعا، بل عكفوا عل استيراد ما تقادم وتلاشى وتجاوزه الزمن من الأسلحة، فتحولت بذلك ثكناتهم إلى مقابر لنفايات الصناعة السوفيتية، ومدارسهم الحربية إلى مصادر رزق( لخبراء ) الاتحاد السوفيتي من الدرجة العاشرة أو الحادية عشرة. وبطاناتهم إلى مكامن لرجالات "الكاجيبي".
وثانيتهن التوهم بأن الاتحاد السوفيتي يتفضل عليهم بمبيعات ( خردوات ) أسلحته، جهلا منهم بأبسط قوانين التعامل السياسي والاقتصادي بين الأمم.
وثالثة الأثافي ظنهم أن استيراد الفكر الشيوعي صرفا معتقا أو مموها مشوبا أدعى لاستمرار التعاون مع معسكره، واستدامة عونه وحمايته، ففتنوا بذلك شعوبهم المسلمة التي انتفضت للدفاع عن عقيدتها، وانشغلت عن البناء في معارك حامية ضد العقيدة الغازية الوافدة على أسنة الدبابات المشتراة، ورماح الأحزاب الشيوعية الملحدة.
وكانت نتيجة هذا التحالف الغبي الطائش، هزيمة منكرة سموها نكسة، على أكثر من جبهة
ثم طفت على السطح على التوالي فئتان أخريان، فئة ثارت على حكم الشاه في إيران وأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفئة في السودان، أطلقت على نفسها لقب حركة الإنقاذ الإسلامية، وأسست نظاما سياسيا دعوه إسلاميا.
وأمل المسلمون خيرا ونصرا للأمة قاطبة، ببروز نجم نظام سياسي إسلامي في إيران، إلا أن هذا الأمل خبا وانطفأ، بتراكم أخطاء قاتلة ذاتية من صلب تفكير القائمين على الجمهورية الوليدة، في مقدمتها ما صرح به أقطابها فرادى وجماعة، من أن الهدف الأول في استراتيجيتهم بناء محور صلب يمتد من طهران إلى لبنان عبر سورية، لاكتساح المنطقة العربية، وتحرير مكة والمدينة أولا، وفلسطين آخرا وأخيرا، معتبرين العراق" سدادة القنينة العربية " التي لابد من انتزاعها. وبتعاظم مؤامرات خارجية كانت بعض الدول العربية غطاء لها وترسا ومخلب قط.
أما أسطورة جبهة الإنقاذ وحكومتها الإسلامية في السودان فيكفي لبيان حقيقة إسلاميتهم إخفارهم ذمتهم الإسلامية ومساهمتهم في تصفية أحد أقطاب المعارضة العراقية من آل الحكيم كان في ضيافتهم وأمانهم على يد استخبارات صدام حسين، ثم انقلابهم على بعضهم، وما يجري بينهم من بأس شديد وتهديد ووعيد، ومطاردة وتشريد.
أما جوهر ما قدموه بديلا لنظم الحكم السائدة في الأرض فلا يتجاوز حكما فرديا مغلفا بشعارات جوفاء لشورى على نهج ديمقراطي مزيف، وعدوانية ذات بأس شديد، أهدرت فيها دماء المسلمين عربا وعجما.
ومع ذلك فإننا لا ننكر انطلاق دعوات للرشد والتوبة والوحدة وإعداد القوة بين فترة وأخرى، لكن ضجيج الباطل أخفتها، والقوم في الضلال سادرون، وما أنت بمسمع من في القبور.
هكذا تحول العالم إلى عرينين لأسدين مفترسين، لكل أسد أعوانه الذين ينتظرون فتات مائدته، وما يفضل عنه من جيف الفرائس في بلاد المسلمين. وكلاهما يتنازعان على ثلاثة قطعان أغنام من حكام المسلمين وشعوبهم المعتقلة لديهم.
قطيع في الحظيرة الشيوعية ينتظر الذبح.
وقطيع في الحظيرة الرأسمالية ينتظر السلخ.
وقطيع نظامين إسلاميين مفتونين بحسابات صغيرة وأطماع تافهة، ينتظر المسخ.
ثم بعد اندحار المعسكر الشيوعي سقطت القطعان كلها بيد الأسد الرأسمالي ، واكتشف حكامنا أن القطة المجنونة تتأهب لأكل أولادها بالتبني، حكامنا اليمينيين أصحاب" الفخامة والجلالة والسمو والعظمة"، وأبناء غيرها بالتبني حكامنا اليساريين "المهيبين الأماجد"، ومنقذينا الإسلاميين (الأعاظم)،
وكل القطعان مصطفة لا حول لها ولا قوة أمام مجزرة التاريخ ومقصلة الغباء والجهل .
والحال كما نرى:
استُنْوِقَتْ جمالُنا...
واستُذِلت نساؤنا، وانتُهكت أعراضنا، واحتُلت بلادنا، وأهينت معتقداتنا.
وركع حكامنا، من استدفأ منهم في حضن المعسكر الرأسمالي، ومن استنار بنار المعسكر الشيوعي.. لم يجدوا مغارة أو مهربا إلا أن يحتموا بما احتمي به أحدهم في يوم عصيب، من سيف الإمام علي رضي الله عنه، والقياس مع الفارق... لكن ليس للعدو عفة الإمام ولا حياء الإمام، ولا إباؤه وشهامته، ولا إعراضه عما يخل بالمروءة ويخدش الحياء.
هكذا انكشف الغطاء، وظهر حكامنا على حقيقتهم:
أسود على شعوبهم... ومع العدو فئران...!
في هذه الظروف القاسية يتساءل ذوو النوايا الطيبة: أين الدعوة الإسلامية؟ أين الدعاة الصادقون؟ ماذا شغلهم عن نصرة الأمة وإنقاذ البلاد والعباد؟
والجواب يعرفه القصي والداني، لقد سلط عليهم القتل والسحل والاغتيال والمطاردة، بل حتى التسليم للأجنبي حينا، أو تكليفه بقصفهم وسحقهم والتمثيل بهم، وتحول الحكام العظام بذلك مخبرين من الدرجة العاشرة للأجهزة الأجنبية شرقا وغربا
وبعد، فهذه أرضية وصفية موجزة وتوطئة مختصرة لما نحن بصدد التأريخ له من أمر نِشأة الحركة الإسلامية المغربية. وللتاريخ كما هو معلوم طريقتان للسرد والتدوين، طريقة طردية تبدأ من الماضي متجهة للحاضر، وطريقة أخرى عكسية تتجه من الحاضر للماضي، هي التي آثرتها في هذه العجالة، لما لها من مزايا أقلها معرفة أرضية الانطلاق الحالية واتخاذها مسبارا لمدى نجاح المسيرة أو فشلها، وتسجيل شهادة للتاريخ على حال الأمة ومآلها.
ذلك أن معرفة واقع الحال شرط ضروري لاستقامة النهج وصدق الشهادة وثبات الخطو.
هذا ما سرت عليه منذ فكرت في تأسيس الحركة الإسلامية المغربية في أواخر ستينات القرن الماضي، قمت أولا بدراسة الساحة السياسية والدينية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية زمن التأسيس، ثم دونت ذلك في دراسات حالفها الصواب عند محاكمتها لتطورات ما جاء بعدها من أحداث، وشانها هامش بسيط من الخطأ شأنها في ذلك شأن الدراسات المستقبلية، وشابتها حدة مرحلة الشباب واندفاعاته، كما بذلت ما وسعني من جهد لدراسة نفسيات الفاعلين في الحقل السياسي يسارا ويمينا ومعرفة خبايا توجهاتهم وخلفيات سلوكياتهم، ساعدني على ذلك تخصصي في المجال التعليمي تربية وإعادة تربية وعلم نفس وطرق تعليم وتعلم، ولعل القارئ الكريم يعود إلى بعض ما نشر في ستينيات القرن الماضي وأول سبعينياته، مما لم تتلفه ثلاثينيات الغربة والهجرة والمطاردة ومصادرة الحريات والممتلكات، وفي مقدمة ذلك مقالة نشرتها بدون توقيع في مجلة الغرباء اللندنية بعنوان " المغرب في دوامة الصراع "، حول الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحزبي ببلادنا حينئذ، ودراسة مستقبلية أخرى مطولة عن الحالة التربوية والتعليمية ومآلها، وعن واقع الناشئة المدرسية وما ينتظرها من مخاطر إن لم يتدارك الأمر بإعادة بناء المنظومة التربوية على أسس سليمة، نشرتها كذلك بدون توقيع، على حلقات متوالية في الصفحات الأولى من صحيفة "المحرر" الناطقة باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في موسم الدخول المدرسي لسنة 1965م، قبيل اختطاف المهدي بن بركة بأيام، وكان الداعي لعدم مهرها بتوقيعي تجنب المتابعة القانونية والإدارية ، لكوني أتحمل إذ ذاك مسؤولية في قطاع التعليم الرسمي، ومازلت أذكر عندما أحيلت هذه الدراسة إليَّ لتصحيحها في مطبعة الجندي روش، كيف جلس بجانبي الأستاذ عبد القادر الصحراوي رحمه الله تعالى، وكان من كتاب الجريدة ، قبل أن يلتحق رئيسا لتحرير مجلة " دعوة الحق " التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، واقترح علي نشرها في كتاب مستقل. هذا بالإضافة إلى ما نشرته قبل ذلك باسم مستعار في جريدة الأهداف عن الوضع التعليمي بمختلف مناطق المغرب منطقة منطقة. وما حاولت به النصح المباشر للمسؤولين فكان عاقبة أمري لديهم الاضطهاد الإداري والنقل التعسفي، بل والشتائم العلنية، مثلما وقع في مدرج كلية العلوم، وقد عين وزير للتعليم جديد هو الأستاذ عبد الهادي بوطالب، ودعا كافة المسؤولين في التعليم - وكنت منهم- لندوة طلب منهم مصارحته فيها بالواقع كي يستطيع إصلاحه، فصدقت كلامه وأعلنت له على مرأى من جميع الحاضرين ما ينوء به القطاع التعليمي من مشاكل تربوية وإدارية ومالية تهدد مستقبل الناشئة، وبدلا من استماع النصح والمصارحة انطلق في شتائم مقذعة أقلها قوله : " نحن دعوناك بصفتك التربوية لا بصفتك النقابية"، لولا أن الأخ الأستاذ أحمد بن اليمني مدير ديوانه – وكان يعرفني حق المعرفة في حزب الاستقلال مع الزعيم الراحل علال الفاسي رحمه الله تعالى - سرب إليه أثناء حديثه وريقة اطلع عليها فغير لهجته فجأة إلى نوع من العتاب المتودد، وختم كلمته بمخاطبتي قائلا : هل لك من تعقيب يا أخ عبد الكريم؟ فلزمت الصمت ولم أجب. وبعد حوالي أسبوع من الحادثة دعاني إلى مكتبه للمناقشة والحوار والمصالحة كما ذكر لي أثناء اللقاء. ثم تبين لي بعد ذلك بقريب من الزمن أنه صدقني في تلك الجلسة الاستماع والانتصاح، وكان مما نفذ من اقتراحاتي إعفاء المجندين المثقفين من الخدمة العسكرية وتكليفهم بأداء واجبهم الوطني تدريسا في المعاهد والمدارس الرسمية.
وللحديث بقية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.