أقدمت الحكومة المغربية برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران على إطلاق حملة إعلامية للتحسيس بخطورة الرشوة على جميع مرافق الحياة العامة والخاصة من خلال وصلات إعلانية تحذر من الرشوة وتنبه على آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى سمعة البلاد، وتبين بعض آثارها القانونية على الراشي والمرتشي هذه الحملة اختير لها شعار "وياكم من الرشوة" واستعمل فيها خطاب بسيط بالدارجة المغربية، وحاولت التطرق لأنواع الارتشاء السائدة في المجتمع. ورغم ايجابية هذه المبادرة ونوعيتها باستعمالها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تصل إلى عموم المواطنين إلا أن هناك ملاحظات على هذه المبادرة منها: 1 الاقتصار على الإشارة إلى نوع من الرشوة الصغيرة دون التطرق إلى أنواع أخرى من الرشوة التي تضيع على البلاد مبالغ كبيرة 2 الاكتفاء ببيان بعض حالات الرشوة المعروفة عند المواطنين دون اقتراح حلول قانونية أو بدائل للمواطنين لمواجهة حالات الرشوة. 3.تغييب القيم والأخلاق لمواجهة الظاهرة فلا تسمع آية و لا حديثا يحرم الرشوة بل كلاما جافا كأنه يخاطب مجتمعا ليس له قيم وأخلاق تؤطره. 4 عدم بيان النتائج السلبية المترتبة عن الرشوة بالصوت والصورة والتي قد تضر بالمرتشي مباشرة أو بأحد أقاربه. ورغم هذه الملاحظات وكما يقال فإن أول الغيث قطرة فإنه يمكن أن نعتبر هذه المبادرة خطوة ايجابية لبداية رسمية كي لا ننسى مبادرات كثيرة للمجتمع المدني منذ مدة تعمل في المجال بوسائل محدودة لمحاصرة خطر يهدد البلاد والعباد، لا يمكن إلا أن يستحسنها المنصفون وأهل الغيرة إذا تبعتها إجراءات عملية تشريعية عملية تحاصر الظاهرة وتضرب من حديد على من يمارسها ويشجع عليها. وهنا نذكر أن محاربة الرشوة في المجتمع تندرج في مجال الإصلاح الذي يتطلب بطبيعته وقتا وجهدا كبيرا ولا تظهر نتائجه بشكل سريع ويتطلب رؤية شمولية تستعمل مداخل متعددة قانونية وسياسية وثقافية وفكرية. لكني اعتقد أن المدخل الثقافي والفكري يمثل حجر الزاوية في وصفة علاج ظاهرة الرشوة التي نتحدث عنها اليوم، وذلك بتوعية جمهور الناس بسلبية الظاهرة وآثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع. التوعية لابد أن تشمل كل الجوانب المرتبطة بالموضوع دينيا وقانونيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولابد أن يتولى كذلك هذه المهمة أشخاص يتميزون بصفتي القوة والأمانة في مجالهم، كما يستحسن أن تستثمر كل الوسائل الفعالة في التواصل مع جميع فئات المجتمع ومن أهمها الإعلام والمدرسة والمسجد والفن وغيرها. نخلص إلى أن محاصرة ظاهرة الرشوة في المجتمع والتقليل منها من خلال مدخل التوعية يتطلب إعداد فريق متكامل من العلماء والدعاة ورجال الإعلام المحترمين وخبراء التربية والفن والقانون من أجل مناقشة كل الزوايا المرتبطة بالظاهرة. فهل تمتلك حكومة السيد بنكيران هذه الرؤية؟ ننتظر الأيام لتجيبنا عن ذلك. * باحث في الفكر الإسلامي والحضارة