يعيش مجتمعنا حراكا سياسيا غير مسبوق منذ بداية الربيع العربي الإسلامي الذي تعامل معه المغرب والمغاربة بطريقتهم الخاصة. وذلك شأنه شأن جميع البلدان التي وقع فيها حراك. فكل بلد بلد، رسَم نموذجه في التعامل مع الشعوب التي خرجت للشارع مطالبة بإسقاط أو إصلاح النظام. فهناك أنظمة سقطت في أربع أسابيع مخلفة ورائها خسائر بشرية طفيفة. وفي النقيض، نجد أنظمة ما زالت خارج سياق التاريخ، تكابر وتريد من شعوبها أن تؤدي ثمنا باهظا للتخلص من الاستبداد ومعانقة الحرية. في بلدنا المغرب، أخرج المخزن نفسه من عنق الزجاجة بأقل الخسائر مستعينا، على مضض، بالحزب الوحيد الذي له رصيد من المصداقية في عيون الشعب المغربي، بعد أن عصفت رياح الربيع العربي المباركة بمشروع حزب الدولة. فالأحزاب الأخرى اضمحل رصيدها من المصداقية بعد أن مارست الحكم وعرفها الشعب على حقيقتها. أو هناك أحزاب أخرى لها بعض المصداقية ولكنها لا تشارك في الإنتخابات، لأنها إن فعلت فستحصل على نتائج هزيلة نظرا لبعدها عن ثقافة وهوية المجتمع. في إطار المشهد السياسي والحزبي هذا، نلاحظ أن مستوى المعارضة في المؤسسات هزيل لدرجة تثير الشفقة. فالسيد رئيس الحكومة مثلا، لا يجد حرجا في مهاجمتها والرد بقوة على نقدها مستشهدا برصيدها في الماضي لما مارست الحكم أم لما حاولت الهيمنة على المشهد السياسي بطريقة غير شرعية. كل هذا يجعل من حزب العدالة والتنمية ومن المخزن اللاعبان الأساسيان والرئيسيان، إن لم نقل الوحيدان، حاليا في المشهد السياسي المغربي. وهذا الوضع، لسوء الحظ، لن يسمح بتغيير سريع للأوضاع في بلدنا نظرا لعدم وجود طرف معارض قوي وذو مصداقية حاليا في المشهد السياسي. فاللاعب الوحيد الذي يمكنه لعب هذا الدور، في نظري المتواضع، هو المجتمع ومن خلاله الشارع. خاصة إذا مارس هذا الدور بطريقة حضارية سلمية نابذة للعنف وراسمة لأهداف صائبة ومحددة. الأكيد والمؤكد هو أن حزب العدالة والتنمية لن يدخل في أي صراع مع المخزن. وما يؤكد طرحي هذا هو أن الحزب رغم المضايقات المذلة التي تعرض لها من طرف المخزن، كمنع مهرجانه الخطابي في طنجة أو الاعتداء البدني على أحد برلمانييه و أحد نقابييه، استعمل سياسة النعامة وترك الأمور للزمن والنسيان. يؤكد طرحي كذلك، تصريح قيادي بارز في حزب المصباح، قبل بضعة أسابيع من انتخابات 25 نوفمبر، قال لي بالحرف أن أقوى حكومة في المغرب لا تتعدى سلطتها ال 40% ، وأن تقدير الحزب هو إن مارس هذا القدر من السلطة بطريقة جيدة سيكون مكسبا مشرفا للحزب ومهما للمغرب والمغاربة. وهذا بالمناسبة اجتهاد محترم ومقدر للحزب وقيادته. لهذا وخاصة مع وجود السيد عبد الإله على رأس الحزب، لن تلعب الحكومة، عن طواعية واقتناع، خارج الإطار والحدود المرسومين لها، مهادنة بذلك السلطة المخزنية. وأود أن أشير أن الحكومة تؤدي في هذا الإطار الضيق الذي رسمته لنفسها، عملا جيدا وتبلي فيه بلاء حسنا رغم كل العراقيل التي تتعرض لها. وما الإصلاحات التي بلورتها في التعليم والصحة وإصلاح صندوق المقاصة وفرض الرقابة على بعض الصناديق السوداء بالإضافة إلى مشاريع قوانين البنوك والتسنيد ، إلا دليل واضح على جودة عملها. فهذه الإصلاحات لم تكن لتتم لولا تواجد حزب المصباح في الحكومة وعلى رأسها. ولكن هذه الإصلاحات يمكن نعتها بالنخبوية والبعيدة المدى لا تُرى نتائجها آنيا. فما يُرى الآن هو التضييق على الحريات بالسجن في حالة مناضلي حركة 20 فبراير مثلا أو التعنيف القمعي الغير المبرر، أو منع الممارسة السياسية لأطراف ناشئة وبديلة كحزب الأمة مثلا. وهنا يأتي دور المجتمع والشارع الذي أرى أنهما الوحيدان القادران في وضع حد لهذا التعسف الذي يمارسه المخزن على مناضلي المجتمع والضمائر الحية فيه. ولن يتأتى لهما ذلك إلا برفع شعارات وعناوين دقيقة وأهداف محددة، وأن يتجنبا الشعارات الفضفاضة التي تفرق بين الناس بدل أن تستقطب أكبر عدد ممكن من الناس. وأرى ثلاثة أولويات كعناوين رئيسية لحراك المجتمع : - إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي : فهدف المخزن من خلال سجن المناضلين هو زرع الخوف في الناس لكي لا يحتجوا ويطالبوا بحقوقهم السياسية والإقتصادية، - المطالبة بالمواطنة الكاملة والحرية السياسية التامة والكاملة. فلا يعقل في ظل الدستور الجديد أن يُتَحكم في المشهد السياسي عبر منع المواطنين من تأسيس الأحزاب والعمل داخل المؤسسات، - المطالبة بتحريك المسطرة القضائية في من اتهمتهم هيئات وطنية أو إعلامية بالفساد. فلا يعقل مثلا أن لا تحرك المتابعة في ملف السيدة ياسمينة بادو والهيئة الوطنية لحماية المال العام تتهمها صراحة بالفساد، فتكريس مبدأ الإفلات العلني من العقاب لن يزيد الوطن إلا فسادا وإفسادا.