الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة في الدار البيضاء    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    الناظور بدون أطباء القطاع العام لمدة ثلاثة أيام    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نُبْلُ ياسر عرفات والقضية الفلسطينية    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد السياسي في المغرب

الحلقة الأولى: المشهد السياسي في المغرب: رصد لواقع الحال واستشراف للمآل
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين
يقول الحق سبحانه:{ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)} الأعراف.
ويقول أحد الحكماء: (إن الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بأن يعيدوا تمثيل أحداثه)، أي محكوم عليهم بأن يعيدوا تجرع إخفاقهم أو إخفاق غيرهم فيه. لأن تذكر الماضي بتجاربه عصمة من الخطأ في الحاضر ودعامة بناء للنجاح في المستقبل.
إن ذاكرةً قويةً يقظةً لدى الأمم والشعوب والأفراد والجماعات وقايةٌ لها من الانحراف، ومناعةٌ ضد الفساد، وحمايةٌ من تكرار الأخطاء، وأداةٌ للإبداع والاختراع، ودليلٌ على تماسك مراحل تطورها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ونِبْراسٌ لوضوح رؤيتها وسلامة نهجها ورشد تصرفها وصلابة بنائها.
لذلك كان ضرب الذاكرة وسيلة مثلى لمن يريد تخريب حياة أمة أو جماعة، وتحويلها إلى كائن بليد غبي جاهل ينكر أباه وأمه وأخاه ونفسه، كائن لا هم له إلا التردد بين مائدة الطعام وأريكة النوم والخمول.
المرء يولد ثم يشب ويعرب عن نفسه سفيها أو عاقلا، بشرا سويا أو بهيمة على قدمين، وحينئذ يعرف من هو...
جرو الأسد وجرو الكلب متشابهان في أول خلقهما، فإذا شبا عن الطوق تميز كل منهما عن الآخر، ببروز صفات" الأسدية " في الأول وصفات "الكلبية" في الثاني.
قد يطلق المرء لقب "إنسان " على جروٍ مَّا، ولكن هذا لا يغير من الطبيعة الحيوانية التي خلق عليها وجبل من أجلها، فإذا شب ظهر على حقيقته ضبعا أو ذئبا أو خنزيرا...
كذلك الأحزاب السياسية، قد تضفي على نفسها صفة " الإٍسلامية " أو " الماركسية " أو " اللبرالية"، تفاؤلا أو أحلام يقظة أو نفاقا ونصبا وتدليسا؛ لكن حقيقة أمرها لا تظهر إلا بعد أن يَتَتَامَّ بناؤها ويكتمل منهجها وتبرز تصرفاتها ميدانيا وعلى صعيد التعامل مع تطورات الأحداث ومعالجة الِشؤون الخاصة والعامة. حينئذ تنكشف حقيقة هذه الأحزاب تمثيلا داخل الأمة وتمثلا للشعارات المرسومة، ووفاء بالوعود المعطاة والأهداف المعلنة.
كذلك الدولة... أي دولة، قد تطلق على نفسها صفة " الإسلامية " أو " الاشتراكية " أو " القومية " أو " الوحدوية "، ولكن الممارسة اليومية ومنهج السير العام والتعامل مع المستجدات والتطورات والمواقف، ومعالجة التدبير العام إدارة وتعليما واقتصادا وسياسة وإعلاما وعدالة ومساواة...تكشف حقيقة دعوى الإسلامية أو الاشتراكية أو القومية أو الوحدوية.
إننا لا نستطيع عقلا ومنطقا وشرعا أن نطلق على الخنزير اسم " خروف " ليصير حلالا، ولا على الفاحشة اسم " زواج " لتصير مباحة، ولا على الخيانة اسم " مصلحة " لتصير جائزة.
من هذه الزاوية وهذا المنطلق نلقي نظرة رصد واستشراف للمشهد السياسي المغربي حالا واستقبالا، فنسمي الأشياء بأسمائها ونصفها بما خلقت عليه ومن أجله.
على أننا في رصدنا واستشرافنا لا نتهم هذه المؤسسات السياسية عامة أو شبه عامة، بالكذب والنفاق والنصب عندما انتحلت ما انتحلت من صفات سجلتها في وثائقها الرسمية وجاهرت بها في المحافل العامة، ولا نعيب عليها أنها تطلعت يوما ما إلى أن تكون على تلك الصفات التي انتحلتها. إلا أن الأماني وأحلام اليقظة إذا تجاوزت المخيلة إلى التوثيق الرسمي والالتزام العلني تضع صاحبها الذي لم يستطع بلورتها في واقع سيره وبرامج عمله وميدان إنتاجيته بين اتهامين لا ثالث لهما:
تهمة الكذب والنصب والتدجيل.
أو تهمة الجنون والسفه.
وكلا التهمتين نحاول أن نقنع أنفسنا بأن هذه المؤسسات بريئة منهما.
على الصعيد الحزبي بدأت الحكاية في مغرب الاستقلال بالشعارات الاشتراكية والشيوعية التي زرع خميرتها في عهد الاستعمار الفرنسي كل من مازيلا وميتر سلطان، ورعاها في عهد الاستقلال كل من أسيدون صهيون وبراهام سرفاتي، متخذين من طموحات المهدي بن بركة وعلى يعطة ترسا وحصان طروادة. ثم وظفت هذه الشعارات لتجييش فقراء الأمة ومستضعفيها من أجل قدح زناد الصراع الطبقي للوصول إلى ما دعي " ديمقراطية البروليتاريا الموجهة "، أو استبداد الحزب الشيوعي الواحد كما هو مرسوم لنهاية المسيرة. ثم اتخذت لتحقيق هذه الغاية عمليات انقلابية ومحاولات تمرد منظمة لا يعنينا في هذه العجالة مدى خطئها وصوابها، أو نجاحها و فشلها بقدر ما يعنينا مدى صدق القائمين بها وعليها. وكمثال بسيط على ذلك لم يسبق أن رأينا أحد رواد هذا الاتجاه يعيش بساطة الرجل العادي البسيط المتواضع، أو " البروليتاري " الكادح، إلا عندما يريد أن يلقي خطابا في محفل شعبي أو يظهر في جمع عام، ولا تسأل عن معيشتهم في القصور والخمور والمفاسق والدعارة والفجور؛ مما أثار سخرية التقدمي " ميشيل عفلق " عندما زار المغرب في أوائل الاستقلال ودعاه المحجوب بن الصديق للغذاء في بيته، وفي الطريق أمطره المحجوب بوابل من الشتائم للطبقة الرأسمالية المستغلة الكمبرادورية الأوليغارشية ومصاصي دماء الأمة، وعندما دخل الضيف قصر المضيف تبسم " ميشيل عفلق" وخاطب المحجوب قائلا : ( أراك يا محجوب تعيش معيشة هذه الطبقة التي تشتمها). والمثل هذا ينطبق على جميع رواد هذا الاتجاه بدون استثناء.
ومن خلال صراع الدولة مع هذه الأحزاب فرخت الأجهزة الأمنية من بعض متساقطيها قادةً وأتباعاً، تنظيمات يساريةً موازيةً تأتمر بأمرها وتعمل لصالحها؛ فتقلص بذلك حجم اليسار الحدي المتشدد لحساب الأجهزة الحزبية الأمنية المتياسرة، مما أدى بالتيار كله إلى التشرذم والضعف، والانشطار وحدات متعددة تطبعها في التعامل مع بعضها مظاهر الريبة والشك والتقوقع والتفسيرات الذاتية والتحليلات الساذجة والمزايدات العنترية الجوفاء؛ وإن كان تصنيفها الجامع يؤدي – في النهاية – إلى منظومة حقائق على الأرض، منها:
1 - فصائل اليسار التي أسستها الأجهزة الأمنية ومولتها ومهدت لها سبل الوصول إلى السلطة، وسخرتها لضرب اليسار الراديكالي تجعل طبيعةُ نشأتها ومهامِّها، عمليةَ التَّوَحُّدِ التي تسعى لها مع غيرها من الفصائل السياسية اليسارية الأخرى مستحيلة ومتعذرة. ولئن تحققت شكلياً في أحزاب دعيت وحدوية، فلن يتعدى الأمر حالة العقم التي أصابت اليسار المغربي منذ انزرع في البلاد.
2 - انقسام اليسار إلى طائفتين أولاهما وكبراهما أداة في يد السلطة، وثانيتهما الأضعف أشد أصولية، يجعل انتظار توبة الأولى عن عمالتها أمراً مستحيلاً؛ لارتباط مصالحها بالأجهزة الأمنية، ومستقبلها بمستقبل النظام. أما ثانيتهما الأصولية الراديكالية، فيفرض عليها واقع فشلها وانحسار مدها ضرورة مراجعة أمرها عقيدةً ومبادئ وخطَّ سيرٍ وأهدافاً.
3 - اليسار الأصولي الملتزم الذي يكاد يتلاشى يرى – للخروج من مأزقه – أن التحالف مع اليسار العميل أولوية آنية ملحة ينبغي اعتمادها، نظراً لخطورة الحالة الإسلامية، وينسى أنه في تحالفه مع الأجهزة – عبر عملائها اليساريين المزيفين – إنما ينحر نفسه، ويجهز على ما بقي من أشلائه التي تنتقل إليها بهذه العلاقة الجديدة فيروسات الخيانة والعمالة والتكالب على المكاسب الفردية التي تُميز حلفاءهم الجدد.
4 - اليسار الأصولي واليسار العميل كلاهما يريان حالياً – بسبب رفض الشارع المغربي لهما – ضرورة التحالف مع جميع القوى الظلامية التي تتمثل في اللوبيات الفاسدة المنزرعة في المغرب ورواد علب الليل وطائفة عباد الشيطان ودعاة العرقية الفرانكفونية الموالية للاستعمار الفرنسي ومختلف الشراذم الأمنية المتدثرة بالنظم الحزبية، من أجل القضاء على ما سموه الأصولية الإسلامية، التي هي في واقع الأمر وجذور التاريخ وأعماق القلوب عقيدة الأمة ودين الإسلام. بل أخذ هذا التحالف الوسخ أيضاً – بتسلله إلى مراكز السلطة – يحاول أن يتخذ من الدولة نفسها سيفاً في يده لنفس الغاية والهدف، وهم في هذه المحاولات يعيدون دور "سيزيف" في الأسطورة اليونانية المعروفة.
ذلك أن الأمة الإسلامية – عبر التاريخ – حاولت غزوها عقدياً عشرات الملل والنحل، متسترةً بمختلف الدعاوى، ومتدثرةً بأنواع الأضاليل، ومدججةً بأرتال الجيوش، حشاشين وقرامطة ومغولاً، واستعماراً غربياً في القرنين التاسع عشر والعشرين ؛ وكان النصر في نهاية كل مطاف لعقيدة الأمة ودينها الحنيف.
5 - اليساران الحدي والحزبي الأمني المتياسر عندما حوصرا بالمد الشعبي الملتزم بدينه، يحاولان الآن أن يلقيا على رأس ماركس عمامةً ويرسلا به لأداء العمرة. ولكن بقي خطابهما وسلوكهما وعقيدتهما على ما كان عليه الأمر زمن المد الشيوعي، وكان عليهما أن يصالحا ربهما ويؤوبا بصدق إلى دينهما يتعلمانه من مصادره، لا عبر تحاليل خصومه وأعدائه. يتعلمانه ويلتزمان به ويدعوان إليه. وحينئذ سوف يكتشفان الشعب المغربي حقاً، وسوف يعرفان أن المد الأصولي الإسلامي- كما يسمونه - ليس إلا عودة شعب أصيل إلى دين حنيف نزل به الروح الأمين، وأن الأصولي المسلم الحق لا يعد نفسه عدوا لأحد من أبناء وطنه، وإنما هو دعوة طيبة إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي على أسس لا تتنكر للدين، ولا تحقد على أحد من المواطنين، ولا تتعامل مع أعداء الأمة.
6 - اليساران الأصولي والمرتزق في سعيهما "السيزيفي" لاستئصال التيار الإسلامي الصادق، رأيا أن يرفعا مرحلياً ومسايرة للنظام شعار المذهب المالكي البريء منهما معا، لضرب ما سموه بالمذهب الوهابي والسلفي، ثم بعد أن توهموا الانتصار أخذوا يخففون من دعوة " المذهبية المالكية"، ليفرغوها من محتواها الإسلامي، ويشترطون فيها مسايرتها "للحداثة"، وخضوعها " للعلمانية "، ثم أضافوا شرطاً جديداً: أن تحاصر" المذهبية المالكية" في المؤسسة الملكية، وتنحسر دعوتها عن الأمة وتنسحب من المجتمع المغربي الذي لا ينبغي له أن يتحدث باسمها...
وهذه خطوة واضحة تبين أن النوايا الانقلابية ضد المؤسسة الملكية لدى اليساريين شكلاً، الشيوعيين جوهراً، لم تتغير مطلقاً...فالخطوة الأولى لديهم أن يُقدم الملك على سحب بساط الدين من شعبه، ثم الخطوة الثانية أن يسحب الشعب غير المتدين البساط من المؤسسة الملكية...
وأمرهم في ذلك شبيه بالمخطط العرقي الذي رسمه الاستعمار الفرنسي فيما سمي بالظهير البربري، كما أعرب عن ذلك كاتب فرنسي، وخلاصته أن يُخير الملك – في نهاية المطاف – بين أن يكون بربريا أو عربيا... إن كان عربياً فالشعب بربري لا يحكمه إلا أبناؤه، وعليه أن يخرج من البلاد مع كافة العرب، وإن كان بربريا فليطرد العرب من البلاد. والنتيجة معروفة في كلا الاحتمالين...
هناك فئة أخرى من الأحزاب اليمينية، وهي على صنفين:
أولهما: أحزاب ذات جذور وطنية، أهمها وأقواها والباقي منها على الساحة هو حزب الاستقلال. ولئن كانت إسلاميته منحصرةً في قيادته التاريخية "علال الفاسي" – رحمه الله – وثلة تعد على رؤوس الأصابع ، فإن توجهه الحقيقي الحالي رأسمالي ليبرالي علماني تقتصر إسلاميته على تمجيد تراثه المختزل في قيادته التاريخية، وهو بذلك وعاء فارغ من المحتوى الشعبي بشرياً والتزاماً دينياً، لا يستغني عن الحقن الرسمية في كل انتخابات يشارك فيها، لاسيما بعد أن تورط أمينه العام السابق "بوستة" في صياغة مدونة علمانية للأسرة ألغت المدونة الإسلامية السابقة التي ساهم في وضعها مؤسسه "علال الفاسي".
أما الصنف الثاني، فهو أحزاب أسستها السلطة في ظروف خاصة للدفاع عن مؤسساتها ولضرب أعدائها؛ وهي – بذلك – أجهزة أمنية موازية تقوم بما تعجز عنه الأجهزة الرسمية. ويقوم بالإشراف عليها عبد الكريم الخطيب ومخلفاته، بمساعدة أصهاره وأقاربه في الاستخبارات الداخلية والخارجية ومختلف الأجهزة الأمنية، وشأن هذه الأحزاب كلها أن تضخمها السلطة في وقت الحاجة إليها وتحجمها تمثيلا وممارسة في فترات الاستغناء عنها.
وتأتي بعد ذلك عملية تفريخ لأحزاب وحركات أطلقت على نفسها صفة "الإسلامية" لم نر من إسلاميتها في المجال السياسي والدعوي إلا قشوراً ومظاهر من قمصان وكحل وتعطر، مع تصرفات ثعلبية يحسدها عليها الذئاب.
أشرف على تفريخ هذه الفئات وزير الداخلية السابق إدريس البصري من شراذم المتساقطين والمذعورين والمتكالبين على المصالح الشخصية، بعد ضرب الحركة الإسلامية المغربية في سنة (1975م)، بتنسيق مع الجهاز الأمني المدني الموازي الذي يشرف عليه عبد الكريم الخطيب وأمثاله. وكان من جملة ضباط الاستخبارات المساهمين في هذه العملية مفتش الشرطة المسمى "الخلطي" المسيِّر المباشر لأقرب هذه الشراذم إلى السلطة في الرباط؛ حيث كان يصلي معهم في مسجد "حي المحيط"، وعندما اعتُقلت من نفس المسجد مجموعة لم تسايرهم، كان هذا الضابط هو الذي تولى تعذيبهم واستنطاقهم في الزنازين كما ذكر ذلك أحد هؤلاء المعتقلين وهو الأستاذ: حسين المؤذن في موقعه على الإنترنت.
ثم اقتضت مصلحة السلطة أن تُضخم إحدى هذه الشراذم بضمها إلى حزب الخطيب ويُطلق عليها اسم "العدالة والتنمية"، فقام ضابط الشرطة " الخلطي " بعملية التسليم والتسلم ، ولم يستحي أحد أقطاب هذه الشرذمة في لقاء مع قناة الجزيرة من أن يقول بأنهم "اكتشفوا" عبد الكريم الخطيب كما اكتشف كريستوف كولمبوس أمريكا.
لقد كان لتضخيم هذه الشرذمة تحت مظلة وعاء حزبي مصطنع أهداف كثيرةٌ، من أهمها:
• محاولة تذويب التيار الإسلامي الصادق واستئصاله من الساحة.
• إذكاء روح التنافس على المناصب والمكاسب لدى الشراذم الأخرى المتساقطة من الحركة الإسلامية، والتي تسعى للحصول على تراخيص حزبية، والتلويح لها بما ينتظرها من نعيم إِنْ دخلت في منافسة جادة وتسابق إلى ( الغنيمة!)مع شرذمة الخطيب.
• التلويح بالتهديد للتيارات اليسارية التي اقتضت مصلحة الدولة مرحليا ضرورة إشراكها في الحكومة وتمكينها من بعض مسؤوليات السلطة التنفيذية والتشريعية.
• تلويث الساحة السياسية، وجعل المواطنين ينفرون من الدعوة الإسلامية وتياراتها التي تتكالب على المناصب والمكاسب المالية، لاسيما وقد رأوا بأعينهم بعض منتحليها ينتقلون بجرة قلم من أكواخ الأحياء الشعبية إلى الفيلات والقصور، ومن ركوب الحافلات العمومية إلى السيارات الفخمة، ومن ضنك المعيشة إلى رفاهية الوفرة والترف.
هكذا ضُخمت هذه الفئة وازَّيَّنَ وضعها وظنت أنها قادرة على أمرها، فأخذ ضغط المتنافسين معها أحزاباً ومشاريع أحزاب يشتد عليها، وزاد من شدة الوطأة عليها خصوم في بعض الأجهزة الأمنية لوزير الداخلية السابق البصري يعدون تضخيمهم من قبله خطأ استراتيجيا،ً لاسيما بعد اكتشاف استغفالهم من طرف عناصر سلفية اندست في عباءتهم وتسترت بالانتماء إليهم فلم ينتبهوا لها.
هذا الوضع الجديد فرض على هذه الشرذمة بتوجيهات فوقية أن تعلن أنها ليست حزباً إسلامياً، وإنما هي حزب ذو مرجعية إسلامية فقط، مثلهم في ذلك مثل سائر الأحزاب اليسارية واليمينية التي أعلنت عن مرجعيتها الإسلامية، وتبعهم في ذلك جميع الشراذم الأخرى التي تساقطت من الحركة الإسلامية المغربية وتنتظر الترخيص الحزبي فأعلنت أنها كذلك ليست إسلامية، وإنما لها مرجعية إسلامية فقط.
ولقد حققت الدولة بهذه الخطوة التضخيمية لهاته الشرذمة وإشراكها في البرلمان بنسبة مرتفعة أخطر أهدافها في المجال الإسلامي، منها:
1 - استخدامهم لكشف الساحة الإسلامية المعارضة ووضع التقارير والدراسات والأبحاث والتحاليل للظاهرة الإسلامية المعاصرة رجالاً وتنظيمات في الداخل والخارج. وأخذ ينافسهم حالياً في ذلك بعض الشراذم الأخرى التي تنتظر الترخيص بتقديم التحاليل والأخبار والتفاسير للأجهزة والصحف المحلية من أجل البرهنة على قدرتهم على القيام بما تقوم به الشرذمة الأولى.
2 - التجسس على الحركات الإسلامية العالمية؛ لأنهم أقرب إلى فهمها ومعرفة شعاراتها، وتحولوا بذلك إلى جهاز أمني مواز ورديف. وهو عين ما ظل يقوم به الخطيب منذ أول عهد الاستقلال ضد الحركات الوطنية والمعارضة يمينية ويسارية وإسلامية.
3 - تمرير أخطر قانون وأشده إضراراً بالشعب المغربي وهو قانون الإرهاب الذي أقروه في البرلمان ب"جلبابهم الإسلامي".
4 - إقرار أسوأ مخالفة للشرع الإسلامي بموافقتهم – في البرلمان - على قانون الأسرة الذي يلغي أحكام الشريعة من مدونة الأحوال الشخصية ويجعل نظام الأسرة علمانياً سائباً.
وقد يأتي دور لهذه الشرذمة من منتسبي المرجعية الإسلامية في إقرار تشريعات أخرى تخلع الربقة أو تمهد لخلعها، في مقابل مكسب واحد: أن يبقى لهم منصب البرلمان وسيارته وحصانته وراتبه الضخم و"الجلابية والشاشية". وهو ما لم يكونوا يحلمون به – باستثناء بعض قيادييهم من أبناء أعوان الاستعمار وجواسيسه ودعاة القضاء على الحركة الاستقلالية والمقاومة المسلحة للاحتلال الأجنبي الفرنسي ما بين أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته مما لايزال محتفظا به في أرشيفات الحماية الفرنسية وصحفها، وفي تسجيلات الإذاعة الرسمية آنذاك.
إن إعلان المرجعية الإسلامية لدى جميع الأحزاب المرخصة أو المنتظرة للترخيص، يمينية أو يسارية أو مستنبتةً على النكهة الإسلامية، يلغي كل الفوارق بينها ويرصها صفاً واحداً في طابور خدمة العلمانية شكلاً ومضموناً. فهم جميعاً يقصرون مرجعيتهم على حرية التدين الفردي ويمررون في البرلمان مختلف التشريعات المناقضة لأحكام الدين. وهم كلهم حالياً يبدأون خطبهم بالبسملة والحمدلة ويختمونها بالحوقلة، وما بين البسملة والحوقلة أقوال زور وتصرفات بهتان ودعوات تحريف للشريعة. أما صدق التعامل مع الأحداث ومعالجة قضايا الأمة والحرص على إسلامية الدولة وشعبها فكل الأطراف كاذبون ولا أثر لمرجعيتهم الإسلامية في نشاطهم السياسي مناهج وبرامج وتوجهات.
هناك فرق وحيد نستطيع أن نميز به بين ذوي هذه المرجعية، وهو صدق اليساريين في دعوتهم وعملهم لإبعاد الدين عن الدولة والسياسة، وكذب غيرهم من الطوائف المسماة "إسلامية" التي تسير عملياً في طريق فصل الدين عن السياسية، وتبشر به وتعمل به وله ومن أجله.
تبقى في المغرب فئتان صادقتان حقا في سعيهما لهدفيهما المتناقضين، ولكن ديموقراطية المغرب المخزنية لم يتسع صدرها لهما:
فئة اليساريين الأصوليين إِنْ كان بقي لهم وجود فعلي، على رغم أن السلطة تحرص على بقائهم محجمين كخميرة احتياطية لكل غاية يرجى نفعها، وهم صادقون حقاً في سعيهم لإقامة دولة ماركسية لينينية لادينية، تبلور ذلك في أدبياتهم ومناهج عملهم وتكتيكاتهم واستراتيجياتهم، وإِنْ كان بنوع من الصبيانية والمراهقة والاشتغال بالحرائق الهامشية، وقابلية السقوط في مطبات المعارك الجانبية التي تقدح لهم الأجهزة الأمنية زنادها.
أما الفئة الثانية، فتمثلها الحركة الإسلامية المغربية الأصيلة التي ما زالت بفضل الله تعالى وعونه ثابتة الخطو بينة الهدف، سليمة العقيدة واضحة التصور الإيماني، لم ينل منها ما سلط عليها طيلة العقود الماضية من المطاردة والقمع والاضطهاد، بين مطارق الأجهزة الأمنية وسنادين سفهاء الأحزاب المستنبتة على ( نكهة المرجعية الإسلامية )، وعدوانية المنظمات اليسارية والليبرالية، ومشاغبات مراهقي الماركسية وصبيانيتهم وانعدام النضج لديهم، وكراهيتهم المكينة للإسلام عقيدةً وشريعةً ونظام حياة.
وللحديث بقية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.