مازال ملف الغرف المهنية للصيد البحري يثير نقاشا ولغزا عميقا في كل تجلياته السياسية والتدبيرية والاقتصادية والتنظيمية خصوصا في ظل تنوع الكوابح الذاتية والموضوعية التي حالت دون تحقيق الجدوى و الفعالية المطلوبة من هذه التنظيمات التمثيلية العمومية لمختلف القطاعات والأصناف المهنية الإنتاجية لقطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية وفي ظل تضخم تجليات عوائق التدبير المهني والإداري والمالي العمومي المنوط بها تبعا لنتائج تحقيقات سابقة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات. وعلى ضوء تشخيص وخلاصات مخطط استراتيجية أليوتيس لدعم تنافسية قطاع الصيد البحري القائمة على ضرورة إعادة النظر في إشكالية التمثيلية المهنية لقطاع الصيد البحري وتأهيل التنظيم المهني بما يضمن المساهمة في تحقيق شروط تمثيل المهنة والتفاوض والاستشارة و الشراكة والتعاون مع الإدارة في تدبير وتنمية قطاع الصيد البحري. وفي غمار النقاش المفتوح حول سبل التنزيل الدستوري الديموقراطي بما يحقق ربط المسؤولية المهنية العمومية بالمحاسبة عنها ويساهم في تعزيز آليات الديموقراطية التشاركية ومبادئ الحكامة التي يقوم عليها الدستور الجديد طبقا لفصله الأول. ولئن كان الدستور الجديد قد أعاد تحديد التموقع الدستوري الإستراتيجي لغرف الصيد البحري كباقي الغرف المهنية وحصر دورها والغاية منها في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي تمثلها وفقا للمنطوق الصريح للدستور فإن ورش إعادة النظر في الترسنة القانونية والتنظيمية الشاملة لهذه المؤسسات ينبغي أن يثار بإلحاح وجرأة سياسية ومسؤولية دستورية في جدول أولويات السلطات العمومية ومخطط التشريع الحكومي والبرلماني ونضال المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحزبية والمهنية وفي صدارة المطالب الملحة والآنية لمهنيي الصيد البحري من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف التنموية لإستراتيجية النهوض بقطاع الصيد البحري والمحافظة على الثروة السمكية الوطنية إن منطق الحكامة ومقتضيات الانسجام مع التوجه الدستوري الديموقراطي الجديد تفرض ضرورة إعادة النظر في الإختصاصات والمهام المنوطة بغرف الصيد البحري بما يحقق شروط ووسائل الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الفئات التي ينبغي أن تمثلها أحسن تمثيل وبمعيار الإنصاف والتوازن المفقود بين مختلف الأصناف المهنية لمختلف أنشطة الصيد البحري مع وضع لوائح انتخابية جديدة لجميع الغرف المهنية للصيد البحري على قاعدة شروط اقتصادية مهنية حقيقية قادرة على إفراز نخب مهنية تمثل مختلف أصناف الأنشطة المهنية للصيد البحري مع الإشارة إلى ضرورة إعادة النظر في المرسوم المتعلق بتعيين هذه الغرف ومقراتها وتوزيع مقاعد دوائرها الانتخابية بما يحقق المشاركة والتوازن الموضوعي لمختلف الأصناف المهنية الممثلة فيها وبما يحقق انسجام التوزيع الجغرافي لغرف الصيد البحري ونفوذها مع مستجدات التنظيم الترابي للملكة الذي أصبح تنظيما لامركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة – الفصل الأول من الدستور-. لذلك يتعين ضمان الانسجام في عدد وتوزيع غرف الصيد البحري مع التقطيع الترابي الجهوي المرتقب وسياسة عدم التمركز الإداري التي ينبغي أن تشمل تجلياتها إعادة النظر في النفوذ الترابي لكل غرفة على حدة لتفادي شساعة المجال البحري الحالي لكل غرفة وصعوبة تحقيق الإستشارة والمشاركة التمثيلية المناسبة للمهنيين والدفاع عنهم في نطاق المصلحة العامة والمقتضيات القانونية لتتفرغ لتدبير العلاقات المحلية والجهوية والمساهمة بفعالية في إعداد وتنفيذ مخططات التنمية الجهوية والمحلية فيما يتعلق بقطاع الصيد البحري والمجافظة على البيئة البحرية والدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها وللفئات التي تمثلها بموانئ ونقط التفريغ ومراكز الصيد البحري على مستوى كل جهة يكون لها امتداد بحري مهم وكذا تحقيق سياسة القرب المهني من أجل المساهمة في تنزيل مختلف البرامج والمشاريع الطموحة لتنمية قطاع الصيد البحري وتأهيل الموانئ والبنيات التحتية لقطاع الصيد البحري على المستوى الجهوي ولتكون المخاطب الإيجابي التشاركي المفضل للسلطات العمومية ولمختلف المصالح والإدارات المعنية ولتسهم في وظائف التأطير والتكوين والتحسيس والتعاون المهني المهني. من هنا يمكن أن نتصور في ضوء التقسيم الجهوي الوارد في تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية وتوصيته فيما يتعلق بالمقاربة الجهوية في تعيين وتشكيل مجموعات الغرف المهنية وباستحضار المقتضيات الجديدة الواردة في القانون التنظيمي لمجلس المستشارين ومن خلال الإطلاع على مشروع القانون المتعلق بتحديد قواعد ومبادئ التقسيم الترابي لمختلف الجماعات الترابية إحداث غرف جديدة للصيد البحري بمدن أهم موانئ الصيد البحري التابعة للجهات الترابية البحرية المقبلة ويتعلق الأمر بالناظور، القنيطرة، آسفي، أكدير، العيون و طانطان لتنضاف للغرف الأربعة الحالية المتواجدة بطنجة ،الدارالبيضاء، أكدير والداخلة فضلا عن جامعة غرف الصيد البحري التي تحتاج إعادة النظر فيها بشكل جذري على مستوى طريقة تشكيلها بشكل ديموقراطي منصف ومتوازن بين مختلف الأصناف المهنية لقطاع الصيد البحري وعلى مستوى وظائفها واختصاصاتها لتنتقل من مستوى الفعل البروتوكولي الشكلي إلى مستوى الفعالية التمثيلية المهنية الفعلية والمنتجة. أما طريقة التدبير المهني لهذه المؤسسات والتعبير عن اختياراتها التمثيلية ومطالبها ومواقفها من مختلف قضايا وشؤون الصيد البحري فتبقى في حاجة إلى الجرعة المفقودة من الديموقراطية والمشاركة المهنية والنجاعة والفعالية حتى لا تبقى مطية انتخابية ظرفية ومؤسسة عمومية شكلية في وجودها القانوني والعملي وجوهرية في توظيفها بشكل مباشر وغير مباشر لتصريف الدفاع المحدود عن مصالح اقتصادية واجتماعية ضيقة. كما أن ضرورة الانسجام مع روح الدستور وميثاق الحكامة بالمؤسسات والمنشئات العمومية تقتضي الفصل بين التدبير الإداري والمالي لغرف الصيد البحري والتدبير المهني وأجهزته التداولية والإستشارية التي ينبغي إعادة تقنينها بما يراعي التوجه الديموقراطي الدستوري الجديدة وعناصر الشفافية والحكامة المفقودة وربط المسؤولية بالمحاسبة ووفق منطق قانوني وعملي جديد يراعي الاختيار التشاركي لتحقيق توازن جميع المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الفئات والأصناف المهنية التي تمثلها كل غرفة على حدة إن المنطق الديموقراطي والموضوعي الجديد يقتضي أن يتفرغ المعنيون بالتدبير المهني بالغرف المهنية للصيد البحري لقضايا مهنهم وشؤونهم الاقتصادية والاجتماعية المثقلة بكوارث المشاكل وعوائق تحد من عناصر التحفيز على تشجيع مصالحهم الاستثمارية ودعم الدولة والسلطات العمومية بعناصر الاستشارات المهنية الحقيقية المعبرة عن حقيقة المصالح المهنية لمجموع الفئات التي تمثلها. [email protected] باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري والإداري والسياسة العمومية بقطاع الصيد البحري