بدا الحزن الشديد على الرئيس الأمريكي باراك اوباما ولم يتمالك نفسه، حيث انهمرت الدموع من عينيه وهو يقرأ بيانا معدا له في حفل تأبين ضحايا مدرسة ساندي هوك بولاية كناتيكت. ودعا الرئيس مواطنيه إلى التضامن مع عائلات الضحايا، وبكى معه الحضور عندما تلا أسماء الأطفال العشرين على وقع مذبحة إطلاق النار المروعة التي هزت مدينة نيوتاون. كما أشاد بالمعلمات الست "اللواتي قدمن حياتهن لحماية الأطفال الموجودين في رعايتهن" ووصفهن "بالشجاعات". وأضاف الرئيس، وهو يخاطب عائلات الضحايا، "أدرك تماما أن مجرد الكلمات لا يمكن أن تلاءم أعماق حزنكم كما أنها لا يمكنها أن تداوي قلوبكم الجريحة". ولتعلموا أن "قلبي جريح كذلك"، لان الضحايا كانوا من "وجوه الأطفال الصغار الجميلة يلعبون مع بعضهم البعض ويحتفلون بأعياد ميلادهم ويتطلعون كغيرهم إلى مستقبل زاهر". وفي تلك اللحظة امتدت يد الرئيس إلى زاوية عينه اليمنى ليجبر دمعة على التوقف. ولا اعتقد انه يوجد إنسان واحد على وجه الأرض لا يتأثر لمشهد الرعب الذي حل بسكان تلك البلدة الصغيرة. وتابعنا بدورنا الصور الرهيبة المثقلة بالألم والمعاناة لأطفال تلك المدرسة وهم يفرون منها مذعورين. وليس أمامنا أي خيار سوى أن نتعاطف ونحزن ونبكي بشكل جماعي وتضامني مع أسر الضحايا، مع إدانة هذه الممارسة الوحشية، وهذا اقل ما يمكن للإنسان أن يقدم. لكن إذا تأثرنا لحال الأطفال الأمريكيين، هل يتأثر الأمريكيون، وعلى رأسهم الرئيس اوباما، لحال أطفال العرب والمسلمين؟ هل يهدر الأمريكيون الدموع على أطفالنا؟ هل يعتبر الأمريكيون أطفال العرب والمسلمين من بني آدم؟ وهل بكوا ومعهم رئيسهم اوباما، ولو مرة، عندما كان أطفال غزة يذبحون في واضحة النهار بالآلة الحربية الجهنمية الإسرائيلية؟ إذا كنا كبشر نتحلى بذرة احترام للنفس فيتوجب علينا إدانة كل ممارسات القتل التي تستهدف الأطفال في كل مكان ومهما اختلفت الظروف لان الانخراط في قتل الأطفال مع سبق الإصرار لا يسبر غوره ومقت لإنسانية الإنسان. لكن ما لا يدركه الأمريكيون أو ربما يتجاهلونه هو أن المأساة التي حلت ببلدة نيوتاون الأمريكية يتضاعف عذابها آلاف المرات على يد رئيسهم اوباما، وكل يوم وفي كل أنحاء العالم الإسلامي من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان إلى باكستان. وما يجهله الأمريكيون كذلك أن بلدهم أمريكا تتحمل مسؤولية مباشرة في قتل مئات الآلاف من الأطفال المسلمين الأبرياء، ويجب أن تحاسب نفسها على هذه الجرائم الوحشية باعتبارها جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية من الدرجة الأولى. خمس مائة وستة وسبعون ألف طفل عراقي لقوا حتفهم، حسب دراسة مجلة الجمعية الطبية البريطانية "لانسيت"، منذ نهاية حرب الخليج الأولى نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن بأمر وبضغط من الولاياتالمتحدة. ومنذ ذلك الحين وحتى غزو العراق عام 2003 استمر الحصار القاسي وتسبب، حسب تقديرات اليونيسف، في مقتل أكثر من مليون ونصف مليون طفل عراقي، وفي حينها علقت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت": "إن العقوبات المفروضة على العراق تستحق أن يُقتل من أجلها نصف أطفال العراق". وتتوالى الصدمات وتتعاقب التعليقات وهذه المرة على لسان مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب، بروس ريدل، حيث نقلت مجلة "رولين ستون" قوله وموقفه من قتل الأطفال المسلمين في إحدى مقابلاته الصحفية على أنهم مجرد "حشرات وجب تطهير العشب منها". بمعنى آخر، إن الأطفال المسلمين الذين تقتلهم الآلة الحربية الأمريكية ليسوا بشرا. والعجيب في الأمر أن معظم وسائل الإعلام العالمية التي هرولت لتغطية مجزرة نيوتاون، ونقلت إلينا صور الضحايا وتلت علينا أسماءهم حتى حفظناها عن ظهر قلب، لم تفعل نفس الشيء مع أطفال غزة أو أطفال الباكستان أو افغانستان، ولم تعز في موتهم بكلمة واحدة، ليدفنوا في مقابر النسيان بدون اسم أو صورة، لأنهم مجرد "حشرات". وفي حين أننا نبكي مع أمريكا على فقدان أطفالها، التي تسبب فيها واحد من بينهم، ترفض أمريكا أن تبكي معنا على أطفالنا الذين يقتلهم رئيسها اوباما. ومهما كتبت لنا الأقدار، على أمريكا أن تدرك أن العرب والمسلمين، مثلهم مثل جميع بني البشر، يبكون على أطفالهم حتى ولو رفضت أن تبكيهم معنا.