كان الكثير من المغاربة يُقدرون أن الحسن الثاني غير قابل للموت ، وقد اعتمدوا في ذلك على الحيوية التي كانت تميزه والتفاؤل الذي كان أحد أبرز صفاته ، وأيضا فصاحته وثقته الكبيرة بالنفس ، ولأن الحسن الثاني غير قابل للموت ، كما كان يُقدّرُ الكثير من المغاربة ، فقد كان يؤجل أغلب الأمور إلى الغد ، يدفعها إلى المستقبل ، حتى استقر به المقام أخيرا إلى حكومة يقودها المعارض السابق عبد الرحمان اليوسفي ، لكن الحسن الثاني رحل في صيف 1999 تاركا لابنه محمد السادس إرثا سياسيا وصفحات أيضا من ماض أليم. محمد السادس يصفي تركة والده وينفض الغبار عن المغرب غير النافع دشن الملك محمد السادس لدى تسلمه الحكم في 23يوليوز 1999 "عهده" بتخفيف الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وإحداث بعض القطائع مع ممارسات تعود لعهد الملك الراحل الحسن الثاني سابقة، وتم رفع شعار "العهد الجديد"، ومقولة "المفهوم الجديد للسلطة" حتى تكهن البعض بموت "المخزن" في المغرب. ثم أزاح محمد السادس وزير الداخلية القوي إدريس البصري ، وسمح بعودة المعارض إبراهام السرفاتي ورفع الإقامة الجبرية عن الشيخ عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان . وعمل الملك الجديد على تصفية تركة عهد الحسن الثاني في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة التي عهدت رئاستها إلى المعارض الراحل إدريس بنزكري . ولم تتوقف مبادرات محمد السادس على التصالح مع التاريخ، بل وانخرط في مبادرات تروم التصالح مع الجغرافيا من خلال زيارته ونفض الغبار عن مناطق من المغرب ظلت مهمشة ومستبعدة من أية تنمية كعقاب لها على مواقفها منذ فجر استقلال المغرب. محمد السادس وغورباتشوف:بدايات متشابهة ! ثمة أوجه تشابه متعددة بين بداياتمحمد السادس علىعرش"المملكة السعيدة" وتسلم ميخائيل غورباتشوف مقاليد حكم دولة بحجم الاتحاد السوفيتي ، فكما "وجد" محمد السادس مغربا يئن تحت وطأة سنوات الرصاص وانتهاكات حقوق الإنسان ، وجد غورباتشوف نفسه في مارس 1985 أمام دولة تحولت من قلعة للثورة إلى بيت عتيق تنخره البيروقراطية والإرهاب البوليسي . حاول غورباتشوف إنعاش الاقتصاد السوفيتي واستعادة ثقة الشعب وتلميع صورة البلاد في الخارج عن طريق سياستي إعادة البناء " البيروسترويكا" ، وحرية التعبير " الغلاسنوست" حيث حطمت وسائل الإعلام السوفيتية "صنم" ستالين ، لكن "شهر عسل" غورباتشوف لم يدم طويلا في الكرملين ، فبمجرد اختفاء السكر والملح والخبز والسجائر وقناني الفودكا من الأسواق حتى بدأ التذمر يعود إلى السوفيت ويسود صفوف المحافظين والمعارضين وتعرض غورباتشوف إلى نقد شعبي وحزبي مرير طار على إثره من السلطة . لقد فشل غورباتشوف في سياسته الإصلاحية ، لأنه ابن النظام الذي حاربه ،ولأنه منح السوفيت جرعات من الإصلاح لا تكفي لإرواء ظمئهم الدفين ولا لإشباع تطلعاتهم الديمقراطية والاجتماعية ثم إن إصلاحات غورباتشوف لم تسر إلى نهايتها بعد أن جابهت أصنافا من المعارضين والمحافظين والمتعطشين للسلطة . ورغم أن بدايات عهدي محمد السادس وغورباتشوف متشابهة فإن المآل الفاشل لتجربة غورباتوشف في الاتحاد السوفياتي لا يمكن تصوره بأي حال من الأحوال في المغرب ، فثنائية الملك والمخزن تشكل لحمة السلطة في المغرب وسداها . " البيروستريكا" و"الغلاسنوت" على الطريقة المغربية لقد قسمت دراسة أمريكية "الإصلاح العربي : دروس من المغرب" والتي أجراها باحثون في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن العام الماضي -قسمت-الإصلاحات التي أطلقها الملك محمد السادس إلى فئتين أساسيتين أولهما يتعلق بعلاقة الأفراد بالمجتمع ككل وبالحكومة، وتشمل التعديلات التي تم تبنيها في هذا الإطار تعديل مدونة الأسرة التي تعتبر إنجازا كبيرا في مجال حماية حقوق المرأة وتشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة ومبادرة التنمية البشرية وفسح المجال بشكل متزايد أمام الإسلاميين وغيرهم من الجماعات السياسية بالمشاركة في الحياة السياسية. أما الفئة الأساسية الثانية للإصلاحات فتشمل تركيبة وعمل الحكومة المغربية ذاتها، وتتركز الإصلاحات التي تم تبنيها في هذا الإطار على الإصلاحات الاقتصادية مثل الخوصصة وفتح القطاعات الاقتصادية أمام الاستثمارات الأجنبية وتقليص القيود المفروضة على الاستثمار ومراجعة قانون الصحافة والإصلاح البرلماني والقضائي. وخصلت الدراسةالأمريكية إلى أن المغرب يتقدم بشكل سريع نحو الإصلاح في ظل الملك محمد السادسغير أنها تشدد على أن الوقت وحده الكفيل بإثبات ما إذا كان المغرب يتحرك بالسرعة الكافية في هذا المجال، وتضيف بأنه من السابق لأوانه وصف الإصلاحات التي يتبناها المغرب بأنها قصة نجاح، وإن المؤشرات الرئيسية للنجاح ستظهر خلال الأعوام القادمة. مطالب بتعديلات دستورية وصديق الملك يرفضها إنالمبادرات الاقتصاديةالتي يقودها الملك محمد السادس ومليارات الدراهم المخصصة للمشاريع التنموية والاستثمارات الأجنبية بوسعها أن تغير وجه المغرب خلال السنوات العشر القادمة ، لكن تدهور الأوضاع الاجتماعية واحتقانها بإمكانه أن يخلف ندوبا في وجه المغرب خلال السنوات القادمة. ورغم مطالب مثقفين ومفكرينسياسيين مغاربة وأجانب بإصلاح دستوري يؤسس لنظام ملكية برلماني يحول المغرب إلى أول ملكية برلمانية فعلية في العالم العربي فثمة "صمت مطبق" من طرف الملك محمد السادس و"مستشاريه" حول التعديلات الدستورية. ويقترح الكثيرون احتفاظ الملكمحمد السادس بالكلمة الأخيرة والعليا في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية، وكذلك بصلاحيات معينة في مجال السياسة الداخلية. وقدأظهرت انتخابات شتنبر 2007 أن الناخب المغربي لم يكن مقتنعا بأن صوته سيكون حاسما في تغيير طبيعة السلطة، في إشارة إلى محدودية الصلاحيات المخولة للمؤسسة البرلمانية بغرفتيها، مما ينتج عنه صعوبة للناخب المغربي حالت دون تحديده للماسك حقيقة بزمام السلطة التنفيذية ،لكن إشارات واضحة بعد ضعف المشاركة في انتخابات 2007 وتعيين عباس الفاسي وزيرا أولا تشير إلى أن شيئا ما يُعدُّ في ركن قصي من المطبخ السياسي المغربي ، فالصعود المدوي لصديق الملك فؤاد عالي الهمة والذي يصف المطالبين بتعديل الدستور ب"المتآخرين جدا" كما جاء في جريدة المساء يجعلنا نصدق أن الحسن الثاني غير قابل للموت،فالأفكار والمشاريع التي كان يدفعها الملك الراحل نحو الغد ، إلى المستقبل ، لا يمكن لأحد غيره أن ينوب عنه في إنجازها. [email protected]