في الصورة الإعلامي المغربي محمد سعيد الوافي مع هيلاري كلينتون تابعت ولا أزال مع نخبة من الصحفيين المراسلين المغاربة والعرب مسار الإنتخابات التمهيدية الأميركية , تنقلنا من ولاية إلى ولاية , من أقصى شمال الولاياتالمتحدة إلى أدنى جنوبها . لم يكن معظمنا يتوقع أن يطول أمد هذه الحملة ولم يتصور حتى أكثرنا خبرة في القضايا الأميركية أن يتحول الصراع بين صفوف المرشحين الديموقراطيين إلى معركة استعملت فيها كل الأسلحة السياسية من عرق وفصيل إثني ومعتقد ديني,ولم يتوانى اي مرشح في الإستفادة من تكنولوجيا الإتصالات والإعلاميات وطبعا جاء على رأسها يوتوب بالصوت والصورة ومواقع إلكترونية تنافست في جمع ملايين الدولارات لتمويل هذه الحملة التي اكد معظم من يتابعها أنها تعد أشرس المعارك الإنتخابية في تاريخ الولاياتالمتحدة..ليس هذا فقط بل والأكثر تشويقا واستهلاكا للمادة الإعلامية وصناعاتها المتعددة. "" وإذا كان الترشح بين أوساط الجمهوريين لم يحمل أي مفاجئات تذكر كما لم يستقطب كثيرا اهتمام الناخب الأميركي لأسباب سنأتي على ذكرها فيما سيلي فإن المعسكر الديموقراطي دخل هذه الإنتخابات وهو يحمل على عاتق مرشحيه آمال الشعب الأميركي الذي أجمعت كل استطلاعات الرأي أنه يعارض سياسة الرئيس الأميركي جورج بوش ولم يعد يطيق أربع سنوات أخرى من حكم الجمهوريين.
آمال بدأت تتبدد عند أول جولة بولاية أيوا .. إذ وبمجرد فوز المرشح الشاب ذي الأصول الإفريقية باراك أوباما في هذه الولايات ذات الأغلبية التسكانية من البيض حتى أحس صناع القرار داخل الحزب الديموقراطي أن خطرا ما يتهدد خططهم للوصول بمرشح من مرشحيهم إلى البيت الأبيض..لا لشيئ سوى لأن المفارقة باتت تفرض نفسها وقواعد اللعبة الإنتخابية تغيرت وبدات عناصر المفاجئة تلقي بثقلها وبواقعها على كاهلهم .. تفطن الكثيرون أن بوادر التشقق بدات تتسرب إلى بنيان الحزب فالمرشحة الأوفر حظا وأقصد هيلاري كلينتون لم تنجح في تجاوز المرتبة الثالثة في ولاية أيوا فيما تصدر أوباما القائمة حاملا لشعارات التغيير ومهاجما بشكل متكرر مدبري السياسة في واشنطن, مسلحا بحماس الشباب ومدججا بجيش من المدونين والمتطوعين الذين تجاوزوا في نظرتهم إليه لون بشرته وأصوله الإفريقية وديانة أجداده (الإسلام.!؟).
لكن وعلى نقيض هؤلاء انزوى الإستراتيجيون الديموقراطيون وبينهم المندوبون الممتازون وكبار الحزب يقيسون مصالح الحزب الإنتخابية بميزان الربح والخسارة بل وفي أحيان كثيرة بأدوات تغلب عليها اعتبارات وأدوات لا يتعاطى معها الشارع الأميركي والشباب منه على وجه التحديد ( على الأقل علنا).
توالت إنتصارات أوباما وعقبتها انتكاسات وانتبه الأميركيون من أصول إفريقية أن باراك أوباما أولى بأصواتهم من مرشحتهم المفضلة ( هيلاري كلينتون ) ..فانبرى الناخبون الديموقراطيون البيض للإلتفاف حول هيلاري كلينتون فيما تقاسم الإثنان أصوات غير المتحزبين من هؤلاء, لتبرز جليا علامات الفرقة في صفوف أنصار الحزب الديموقراطي وتتحول الإنتخابات التمهيدية إلى خنجر يمزق في بنيان هذا الحزب فيما انفرد جون ماكين يروج لبرنامج حزبه مستفيدا بصورة مطلقة من هذا التمزق.
- فما هي يا ترى العوامل التي ساهمت في تشتت الصوت الديموقراطي ودت إلى عجز أي من المرشحين في الحصول على العدد المطلوب من المندوبين لحسم الترشح باسم الحزب؟
- هل تراها شعبية باراك أوباما مجرد زوبعة في فنجان ؟ ام انها في الحقيقة إنقلاب على النخبة السياسية التقليدية في واشنطن.؟
- هل ستتوقف حالة الصراع بين أنصار أوباما وأنصار هيلاري أم أن الإنقسام تجاوز مراتب الرجعة وأن انتصار الديموقراطيين في الإنتخابات الرئاسية أصبح ضربا من ضروب المستحيل؟
· عوامل الإنقسام
إن الميكانيزمات التي تحكم أسلوب الحزب في اختيار مرشحه للرئاسة معقدة وتشوبها عيوب مسطرية كثيرة. فبينما تقر اللوائح التنظيمية للحزب الجمهوري بفوز المرشح المنتصر في أية ولاية بكافة المندوبين لتلك الولاية للمؤتمر الوطني نرى أن الحزب الديموقراطي يعتمد أسلوب الحصصية حيث يتقاسم الفائزون عدد المندوبين كل حسب النسبة المئوية التي انتصر بها , وهو العائق الذي أخر الحسم وراكم الإحساس لدى كل مرشح بفرضية فوزه ودفع أنصاره إلى التعلق بأمل أن يتمكن مرشحهم من الفوز رغم خسارته في هذه الولاية أو تلك. ومع تكرار هذا الأمر بات واضحا أن الإنسحاب هو إقرار بالهزيمة وحل غير مستساغ إذا كان الفرق في الأصوات والمندوبين ضئيلا جدا.
ثم إن ترشح باراك أوباما ذي الأصول الإفريقية حوم حوله الأفارقة الأميركيين وحول النزاع إلى صراع عرقي قد لا يبدو جليا في الظاهر لكنه عميق ومتجدر في المجتمع الأميركي وللتاريخ في هذا الشأن قول وقول كثير. الأمر الذي قوى الصراع وستر نوايا عنصرية دفينة.وهو أحد أهم أسباب الإنقسام في نظري رغم تعمد الكثيرين إنكاره.
إن تشابه البرنامج السياسي والإقتصادي لكل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون جعل الإختيار بينهما أمرا بالغ الصعوبة فكلاهما ينوي إيقاف الحرب والإنسحاب من العراق, وكلاهما له برنامج للرعاية الصحية يدغدغ مشاعر حوالي 45 مليون أميركي ليس له تأمين صحي. ثم إن كل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما يخطب ود اللوبي اليهودي بل إن باراك أوباما صرح امام مجموعة من المتدينين اليهود في ولاية فلوريدا مؤخرا أن إسمه مشتق من باروخ وهو البركة باللغة العبرية.
كلها أوجه تطابق وضعت الناخب الديموقراطي أمام إختيار صعب بين أنثى تعتبر الأولى التي تخوض الإنتخابات الرئاسية بهذه الجرأة وشاب من أصول إفريقية تحدى كل العوائق من لون ودين وعرق واستطاع فرض نفسه على كبار الحزب مستفيدا من ذكورية المجتمع الأميركي الذي لا زال يرى أن منصب الرئيس هو حكر على الرجال.
لقد ادى التأخر في الحسم بين هيلاري كلينتون وباراك اوباما إلى لجوء مديري حملة كل منهما إلى إستعمال الدعايات السلبية بل لقد وصلت الأمور بكل منهما إلى إستعمال نعوت وأوصاف بعيدة كل البعد عن اللياقة والدبلوماسية..معارك أدت إلى تراكم الأحقاد وانعكس ذلك جليا على نفسية الناخب الذي لم يعد يفكر في الإنتخابات العامة بل اقتصر اهتمامه على المرحلة التمهيدية وتلك قمة الإنقسام.
واخيرا ساهم الإعلام والصناعة الإعلامية في تغذية الإنقسام وذلك من خلال النبش في تصريحات كل مرشح وتفسيرها كل على طريقته الخاصة التي تخدم توجهه وميولاته الفكرية وانتماءاته العرقية.. ومع توالي المعركة الإنتخابية تحول مساء الأميركيين ومنذ الفاتح من بناير 2008 إلى فرجة تختلط فيها كل الأحاسيس .. احاسيس بالغبن والتحامل على المرأة بين أنصار هيلاري واحاسيس بالميز والتفرقة بين أنصار أوباما.
· شعبية أوباما .. زوبعة في فنجان أم انقلاب على النخبة في واشنطن؟
ما كادت تنطلق أولى جولات الإنتخابات التمهيدية حتى لمع إسم باراك أوباما محققا انتصارا مفاجئا في ولاية أيوا الشمالية والتي لم يتوقع فوزه فيها تاركا لهيلاري كلينتون المرتبة الثالثة وراء جون إدواردز.. إنتصار حول الأنظار إلى هذا الشاب , أنظار الشباب ومعارضي الحرب وحركات حقوق الإنسان ومختلف مؤسسات المجتمع المدني.
إلا أن هذه الشرائح ما كان لها لتحدث التغيير لولا الإهتمام المبالغ فيه الذي أولاه المرشحون الجمهوريون لبراك أوباما .. فكلنا يتذكر مناظرات الجمهوريين الأولى والتي جعلت عن عمد وتربص من باراك أوباما موضوعا للنقاش وهو الأمر الذي أفرز النتائج التالية:
- هاجم الجمهوريون أوباما فكان هذا الهجوم أكبر دعاية له على حساب هيلاري كلينتون دعاية لم يدفع ثمنها ولم تكلف صندوق حملته دولارا واحدا.
- أكدت الكثير من إستطلاعات الرأي أن العديد من المؤسسات الجمهورية الاكثر يمينية دعمت باراك أوباما خفية للحد من قوة هيلاري كلينتون التي اعتبروها أكثر خطورة عليهم وعلى حلمهم بالمكوث في البيت الأبيض. ( وهنا أتذكر تصريحات أدلى لي بها المرشح الجمهوري السابق والمعلق السياسي اليميني المعروف بات بوكانين وذلك خلال الإنتخابات التمهيدية بولاية نيو هامشر .. ففي مقابلة خاصة أجريتها معه لمؤسسة اسوشيتد بريس أكد لي أهمية المرشح باراك أوباما وأحتمالات فوزه في نيو هامشر وهو الأمر الذي لم يحدث) وبذلك زادت أسهم باراك أوباما الإنتخابية ارتفاعا. إن شهرة أوباما جاءت ضد بوش والجمهوريين وليس لصالح أوباما وهو السناتور الشاب الذي لا تجربة له ولا دعائم سياسية أو تحالفات.
- عملت وسائل الإعلام المعروفة بمساندتها للحزب الجمهوري وإسرائيل على محاربة هيلاري كلينتون وعلى رأس هذه المؤسسات قناة فوكس نيوز إيمانا منها وتكريسا للنظرية القائلة أن الشعب الأميركي قد يكون أكثر استعدادا لقبول إمرأة كرئيس منه لقبول رئيس من أصول إفريقية.. وبالتالي فإن كسر قارب هيلاري كلينتون يحقق لهم هدفين أساسين اولهما قسم ظهر الديموقراطيين وثانيهما الإنفراد بباراك أوباما .. وهي الأهداف التي بدات تتضح جليا في الشهرين الماضيين عندما تحول الدعم لأوباما إلى تشكيك في ديانة المرشح الشاب وخبرته وولائه لأميركا كلها ضربات جاءت اليوم بعد أن تأكد لهم انقسام الديموقراطيين على أنفسهم.