اختتمت أشغال الندوة الحقوقية الدولية المنعقدة بين مدينتي الحسيمة وبلدة بني آيت بوعياش تحت شعار "جميعا من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين". الندوة التي نظمت من طرف منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، جاءت لاستحضار مسؤولية الحركة الحقوقية في التفاعل مع قضايا الشأن العام الوطني والجهوي وتقييم أدوارها وآفاقها خاصة بعد الحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب منذ 20 فبراير 2011، حسبما جاء في أرضية المنظمين. عشية يوم السبت اكتظت قاعة عبد الكريم الخطابي بآيت بوعياش بالمدعوين، ضيوف المنتدى صعدوا الى منصتهم، طيف من الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين تتوسطهم هند عروب أستاذة العلوم السياسية. عبد الرحمان النوضة وهو معتقل سياسي سابق، قال إن المرحلة السياسية المقبلة ستتميز بتفاقم الأزمة المجتمعية بأبعادها الاقتصادية والمالية والسياسية.. مبرزا عناصر تحليله من خلال الحديث عن تكاثر البطالة المزمنة و التضخم وارتفاع عجز الميزان التجاري وغلاء المعيشة مع تراجع في عائدات السياحة و تحويلات مغاربة الخارج.. مما ينذر حسب المتدخل بمزيد من الاحتجاجات التي ستليها خروقات إضافية في مجال حقوق الإنسان من طرف الدولة التي لا تملك جوابا للمطالب، يقول المعتقل في سبعينيات القرن الماضي. من جهته بدأ مصطفى المانوزي، رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف، مداخلته بالحديث عن الحكامة الأمنية والأمن القاضي في علاقتها بحماية الحق في التعبير والحق في التظاهر، موضحا أن العقل الأمني يستفيد من الأوقات التي يحدث فيها تخريب، فهو "ينتعش عندما يختزل شهورا من الاحتجاج السلمي في ساعات من العنف" يقول المانوزي. رئيس المنتدى قال في قاعة أثثتها لوحة زيتية لأمير الريف عبد الكريم الخطابي، إن المغرب أدى ثمنا كافيا لكي يكون واحدا من أحسن البلدان في العالم على المستوى الحقوقي، مع تلميحه (أي المانوزي) للعثرات، حيث استشهد بمشروع القانون المعروف ب"قانون حماية العسكريين" الذي كان يحمل في المادتين 6 و 7 ما اعتبره الفاعل الحقوقي "انتكاسة كبرى". اسماعيل اجباري الكرفطي، ممثل منظمة العفو الدولية بملتقى أيت بوعياش، أوضح أن منظمته "لا تدين و لا تستنكر"، بل تشتغل على التوصيف وصياغة التقرير التي يتم إرسالها إلى الحكومة في شخص رئيسها أو وزير العدل أو وزير الداخلية، والهدف أخد التوضيحات من الجهاز التنفيذي فيما تضمنته التقارير من "مزاعم"، مع طلب إجراء تحقيقات وتحريات وفق الآليات الدولية. الكرفطي وفي سياق حديثه هذا، أشار أن زيارة معتقل "تمارة السري"، التي قام بها الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ووكيل عام للملك صحبة بعض البرلمانيين، لم تراعي المعايير الدولية في التقصي.. ممثل المنظمة الدولية قال إن "أمنيستي" ومن خلال تتبعها للمحاكمات الأخيرة، خاصة في صفوف شباب حركة 20 فبراير ، استنتجت أن المنطق الأمني هو الذي تحكم في المنطق القضائي، "بدءا من الاستنطاق عند النيابة العامة وصولا إلى قضاء التحقيق الذي تحولت مسطرته إلى سلطة اتهام ثانية". عضو أمنيستي خلص إلى أن المغرب لن يؤسس إلى قطيعة ثانية مع انتهاكات حقوق الإنسان، إلا من خلال الاحتكام إلى فصل السلط و القانون وإعلان الحقوق أمام الموقوفين ثم تفعيل الرقابة القضائية. يحي الحلوي، عضو مركز "عدالة"، تحدث عن الحقوق الممنوحة في الدستور من خلال التفصيل في الفصلين 19 و 24 مع إشارته إلى أن المنظومة الدستورية تؤكد على أن التعذيب و الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري، تعد من أخطر الجرائم. "حينما نقول أن الجريمة أخطر إذن فالعقوبة أشد خاصة وسط العاملين في أسلاك الدولة.." يقول ممثل "عدالة" المشارك في الندوة. علي الطبجي، القيادي في صفوف منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، قدم في مداخلته تشخيصا لحركة 20 فبراير واصفا إياها بالحركة العفوية التي غاب عنها التنظيم و التي انعدمت ثقتها في الفاعل السياسي من خلال تأكيدها على الاستقلالية، ثم الأبيسية على مستوى المطالب. الخصائص الثلاث حسب الطبجي (العفوية، انعدام الثقة، الابيسية) بينت أن الحركة كانت تعيش حالة من الهشاشة، وضع كان يستوجب دخول الفاعل السياسي قصد التأثير و التأطير يقول الفاعل الحقوقي بمنطقة الريف. الطبجي قدم انتقادات لاذعة للحركة الحقوقية المغربية في تفاعلها مع حركة 20 فبراير بالقول أن "دورها اقتصر على المؤازرة من خلال توفير محام والحضور في محاكمات البعض من شباب الحركة". الحقوقي المنتقد عاب على الجمعيات الحقوقية انحصار فعلها في خطابات التضامن مع المعتقلين وإدانة العنف مما جعل الحركة الحقوقية متجاوزة و غير قادرة على تأطير الحراك الشبابي. منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب اختتم أشغاله بندوة صحفية زوال الأحد بفندق الأمير على شاطئ مدينة الحسيمة تلا فيه المنظمون بيانا تضمن الدعوة لتنظيم مناظرة وطنية ثانية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب. يشار أن الندوة الدولية شهدت دورة تكوينية لفائدة عدد من الشباب، كان موضوعها "الترافع و صياغة التقارير الحقوقية"، أطرتها الأستاذة الجامعية هند عروب، كما شهدت الندوة الدولية تنظيم مائدة مستديرة حول موضوع "أي دور للإعلام في إبراز المطالب الديمقراطية للحراك الاجتماعي وفضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" أطرها كل من محمد أمزيان (إذاعة هولندا الدولية)، علي أنوزلا (مدير موقع لكم)، أحمد الخمسي (كاتب صحفي) والمنهدس أحمد بن الصديق. ندوة الصحفيين تخللتها شهادة مؤثرة لعائشة صرصار والدة عماد أولقاضي، وهو واحد من الشباب الذي وجدت جثثه متفحمة في وكالة بنكية بالحسيمة فجر الاثنين 21 فبراير 2011.