لعلي سأفنى كما سيفنى جميع من على هذه الأرض ساعات قليلة بعد نشر هذا الموضوع، وذلك وفقا لما يقوله أتباع تيار "نيو إيدج" الروحاني الذي يعد من أهم روافد تأويل نبوءات حضارة "المايا"، وهي الحضارة التي حكمت علينا جميعا بالموت هذه الجمعة وتوديع الحياة إلى الأبد، في مشهد قريب جدا من فيلم 2012 الذي خرج إلى القاعات السينمائية قبل قرابة ثلاث سنوات، والذي أرعب العالم بمشاهده المؤثرة عندما صوٌر كيف سينقرض هذا الكوكب كما انقرضت عشرات المخلوقات داخله. هل تنبأت حضارة المايا بنهاية العالم؟ حضارة المايا تعتبر من أشهر وأقدم الحضارات في العالم، فقد قامت في وسط أمريكا ألفي سنة قبل الميلاد، واستمرت حتى قدوم الأسبان الذين قضوا على إرث حضاري وصل عمره إلى 3000 سنة، ولا زالت الاحتفالات بتراث المايا تعم بشكل سنوي في دول المكسيك وغواتيمالا وبيليز والسلفادور وهندوراس، وقد كان شعب المايا يؤمن بفكرة فناء الدنيا وأن البشر يخلق ويموت على شكل حلقات يصل عمر كل منها إلى 5000 سنة، وبالتالي فنحن ننتمي إلى حلقة بشرية ظهرت قبل 3114 قبل الميلاد، وستكون نهايتها هذا العام وبالضبط يوم 21 دجنبر الجاري. ويجد هذا التأويل سنده في حجر عثر عليه منذ مدة في شبه جزيرة "يوكوتان" جنوب شرق المكسيك، يضم بعض المنحوتات التي تصل إلى نفس النتيجة، غير أن الكثير من العلماء نفوا أن تكون حضارة المايا قد تنبأت بنهاية العالم، ولكنها تنبأت في نظرهم بنهاية مرحلة من تاريخ البشرية، وببداية مرحلة جديدة لا تعني بالضرورة فناء السلالة التي ننتمي إليها، وبالتالي فالأمر لا يعدو أن يكون حقبة جديدة من تقويم المايا، شبيه بالتقويم الذي تعتمده مجموعة من الشعوب العالمية. كيف سيفنى العالم؟ و بحسب هذه الشائعة التي انتشرت بشكل كبير لدرجة أن الكثير من الإيطاليين بنوا مساكن تحت الأرض قصد الهرب من الموت، فإننا كبشر سنفنى إما بسبب كوكب كبير سيصطدم بالأرض، أو بسبب نشاط بركاني غير عاد، وهو ما يفنده معهد الأبحاث الفرنسية ووكالة النازا العالمية، فلو كان هناك كوكب قادم نحو الأرض لتم رصده منذ سنوات، ونفس الأمر سيحدث مع النشاط البركاني، غير أن هذا التفنيد لم يمنع "النازا" بدورها من التنبؤ بنهاية العالم وذلك بعد حوالي 400 قرن بسبب نيزك كبير سيصطدم بالأرض. إن إشاعة فنائنا في 21 دجنبر الحالي ليست سوى حلقة في مسلسل من الإشاعات انتشر منذ زمن طويل، والذي بلغ حوالي 183 تنبؤ بنهاية العالم، منها واحد في سنة 2003، بل أن حتى نبوءة المايا تأجلت إلى سنة 2021 كما يقول بعض المؤمنين بها. لكن على الأقل، فهذه الإشاعة رحيمة بنا بشكل كبير، لأنها استثنت مكانا واحدا من الفناء، وهو قرية بوغاريش الفرنسية الواقعة على قمة هضبة يبلغ ارتفاعها 1230 متر فوق الأرض، خاصة جبل يتواجد بالقرب منها، وقد تسلق مجموعة من الفرنسيين هذا الجبل في الساعات القليلة الماضية، لكن الشرطة الفرنسية أنزلتهم وأجبرتهم على البقاء على الأرض، وعدم تعزيز حظوظهم بالحياة في عالم لن يشهد غيرهم بحسب ما يعتقدون. ماذا وراء فكرة نهاية العالم؟ فكرة نهاية العالم ليست فكرة عبثية، فالأديان التوحيدية الثلاثة تؤمن بضرورة نهاية العالم ذات يوم، فالإسلام يؤمن بيوم القيامة بعد ظهور مجموعة من علاماتها التي يقول البعض إن العلامات الصغرى منها اتضحت ملامحها في عصرنا، بل يجعل الإسلام من الإيمان بها شرطا يصح به إيمان العبد المسلم، والمسيحية تؤمن كذلك بيوم البعث الذي سيعود فيه المسيح لكنها تحذر بشكل كبير في الإنجيل من ادعاء تحديدها بيوم معين، ونفس الأمر ينطبق على اليهودية التي تؤمن بأن هذا العالم سينتهي يوما ما، أي أن الأديان الثلاثة تؤمن بفناء الأرض، لكن الله هو الوحيد العالم بوقت قيام الساعة. يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وشائعة من هذا القبيل، حتى لو كانت سخيفة وتافهة، دفعت الكثيرين إلى المبادرة إلى فعل الخير والتكفير عن خطاياهم والتصالح مع الآخرين، وهو ما يظهر جليا في مواقع التواصل الاجتماعي ببلدان القارة الأمريكية، حيث كتب عدد من المواطنين عبارات الندم على ما اقترفوه بحق أحبائهم وطلبوا الصفح والسماح، كما أن هناك من تبرع بأمواله إلى الفقراء ولو أنهم لن ينعموا بها سوى لساعات قليلة حسب ما يعتقدون. غير أن سلبيات مثل هذه الإشاعات تظهر أكبر من إيجابياتها، فقد سبق أن انتحر مجموعة من الأشخاص لكي لا يشهدوا نهاية العالم سنة 2003، وهناك من أصيب بأزمات نفسية حادة لدرجة الجنون، وهناك من تخلى عن كل شيء وهرب من منزله قصد البحث عن طريقة ما لإنقاذه من هذا الموت الجماعي.. ومن كل هذا..ربما قد نفنى فعلا هذه الجمعة..وقد نفنى الجمعة القادمة..وقد نفنى سنة 2044، لكن الأكيد أننا سنفنى في أي وقت يريده الله، وفي انتظار ذلك الوقت، فلنعمل على نشر القيم النبيلة بيننا، وعلى بناء الإنسانية في دواخلنا، وعلى التدبر قليلا في هذا العالم وفي كيفية إبداعه، لكي نصل إلى قناعة مفادها أن لكل شيء نهاية مهما طال الزمن..