تمر مصر بمرحلة عصيبة؛ وبمخاض عسير؛ فأن أرض الكنانة تشهد تحولا جذريا وطفرة من شأنها أن تقلب هذا البلد رأسا على عقب. فبعد ثورة 25 يناير وفوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة واعتلائه سدة الحكم، وانطلاق مسيرة بناء مؤسسات الدولة؛ والتصويت على الدستور الجديد الذي خرجت مسودته الأولى بعد تدارس وتشارك جميع الأحزاب والقوى الحية في المجتمع؛ ظهرت فلول المقاومة ونظام الرئيس المخلوع في عباءة جديدة؛ وخرجت المعارضة العلمانية الممثلة في محمد البرداعي وعمرو موسى وحمدين صباحي لتطالب بإسقاط الرئيس محمد مرسي؛ مستعينة في ذلك بقوة الإعلام والنفوذ والسلطة والمال..؛ ودعم دول عربية وأخرى غربية. ولجأت المعارضة دون أن يرف لها جفن إلى التحالف مع أطراف خارجية؛ وعقدت اتفاقيات مع شخصيات بارزة من قادة الكيان الإرهابي والعالم الغربي وبعض دول الجوار التي لا تحب أن ترى على الإطلاق مصر مستقرة آمنة مطمئنة يحكمها ويسير دواليب الحكم فيها (الإسلاميون). فالتقى البرادعي خلال أسبوع واحد مع السفيرة الأمريكية -مهندسة فوضى باكستان- آن باترسون في مصر مرتين؛ ورحل كل من حمدين صباحي ومحمد أبو حامد للقاء السفاح اللبناني سمير جعجع؛ الذي قتل الآلاف من الفلسطينيين؛ من أجل لوضع خطة للإطاحة بالإسلاميين، كما طار وزير خارجية مبارك والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى تل أبيب للقاء أعضاء في الكنيست الإسرائيلي والملياردير الصهيوني "تسيبي ليفني". وعقد أيضا بدبي لقاء ثلاثيا جمع ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي؛ وأحمد شفيق رئيس وزراء مبارك المخلوع؛ ومحمد دحلان القيادي بحركة فتح؛ لدعم متظاهري التحرير ضد قرارات الدكتور محمد مرسي. وقد كشف الإعلامي إبراهيم الدراوي المتخصص في الشأن الفلسطيني أن خلفان أعطى توجيهاته لكل القنوات الفضائية بدبي -والتي لها مكاتب بالقاهرة- بتركيز الصورة على ميدان التحرير والتصعيد ضد الإعلان الدستوري، وأن شفيق جلس مع مديري قنوات دبي الفضائية وقال "القنوات المصرية تحت أمركم في كل ما تريدونه". وبالموازاة مع ذلك كله حذر السيناتور الجمهوري جون ماكين المرشح الخاسر في الانتخابات الأمريكية من احتمال قيام دولة إسلامية في مصر؛ ووافق التيار العلماني المعارض في مصر على مواقفه. كما صرح البرلمان الأوروبي في بيان له أن: "العديد من الدول الأعضاء في اللجنة أعربت عن شعورها بالقلق إزاء الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري"! وقد توقع العديد من المحللين والمتابعين ردود الأفعال الصادرة عن التيار الليبرالي العلماني وكذا عن العالم الغربي؛ لكون الدولة العميقة لم تسقط بعد في مصر، حيث لا زالت الطغمة الفاسدة تتحكم في دواليب السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة والفن..؛ كما أن العالم الغربي لن يسمح على الإطلاق بخروج مصر عن سيطرته وتحكمه؛ لارتباطها الوثيق بمصالحه واستقرار الوضع في المنطقة؛ وكذا باتفاقيات السلام المبرمة مع الكيان الإرهابي، والأهم من ذلك كله كي لا يصبح المشروع النهضوي المصري مثالا يحتذى لباقي الدول العربية والإسلامية الأخرى. وقد كشفت بعض الصحف الغربية المؤامرة الخبيثة التي تتعرض لها مصر، واعتبرت الجارديان أن: (هدف جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة ليس الدستور ولا الإعلان الدستوري، ولكن الهدف هو مرسي نفسه)، أما صحيفة الناشيونال بوست الكندية فقد: اتهمت التيار العلماني في مصر مباشرة برفض الالتزام بقواعد الديمقراطية، بعد فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، وذكرت وكالة رويترز للأنباء في تحليلها للاستفتاء المصري على الدستور أن الرئيس المصري محمد مرسي حصل على تأييد مبدئي من المصريين لدستور جديد يأمل بأن يُخرج البلاد من أزمة. وبذلك ينكشف لنا أن دفاع التيار العلماني عن الخيار الديمقراطي مجرد تخرص وكذب؛ لأن هدفهم الأعلى ومقصدهم الأسنى هو مصالحهم الشخصية، فمن أجل الحفاظ عليها فهم مستعدون لتخريب البلاد وهدمها على رؤوس أهلها، وتبني أي منظومة سوى المنظومة الشرعية؛ والتحالف مع أي طرف كان. وقد صرح بذلك علانية فريد زهران المتحدث باسم تحالف الكتلة المصرية الذي يضم حزب المصريين الأحرار، وحزب التجمع، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والذي خاض انتخابات البرلمان الأخيرة، حيث قال: أن الأصل في الأزمة القائمة هو ضرورة إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". وقال: "إن الأصل في الموضوع هو إلغاء المادة الثانية من الدستور، لأن الدولة شيء معنوي المفترض ملهاش دين"، بحسب قوله. وأضاف: "كيف تبقى الدولة إسلامية، وما المقصود أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.. لازم تتلغى المادة الثانية"، مطالبا بفصل الدين عن السياسة. أما محمد البرادعي فقد لجأ مباشرة إلى استدعاء الأمريكان على الشعب المصري، وطلب منهم ومن الاتحاد الأوروبي التدخل الفوري في مصر، مبررا عمالته بكون الإسلاميين ينكرون الهلوكوست، ويحرمون الموسيقي! وأن الدستور المصري الجديد لا يتيح للبوذيين بناء معابد لهم! ولله در القائل: لكل داء دواء يستطب به .. إلا الحماقة أعيت من يداويها