بعد انتهاء «أزمة» المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة على خير ودون حدوث الصدام الذي كان يخشاه المصريون جميعا بين حركة الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية، تدخل مصر أزمة دستورية جديدة، قد تغرق البلاد في حالة من الشلل، وتعمق حالة الانقسام بين الليبراليين العلمانيين، من جهة، والتيار الإسلامي، في الجهة المقابلة. الدكتور محمد مرسي، الرئيس المصري المنتخب، فجّر قنبلة من العيار الثقيل يوم الأحد عندما قرر سحب الصلاحيات التشريعية من المجلس العسكري، وإلغاء قرار حلّ البرلمان الذي يسيطر الإخوان والسلفيون على أكثر من ثلاثة أرباع مقاعده. هذه المفاجأة، التي أخذت المجلس العسكري على حين غرّة، وقعت وقوع الصاعقة على جميع القوى السياسية في مصر، باستثناء مجلس شورى الحركة الذي اجتمع قبل يوم وقرر التمسك بشرعية الانتخابات البرلمانية وتفعيل مجلس الشعب مجددا. المجلس العسكري عقد اجتماعا طارئا مساء يوم الأحد، ولكنه لم يتخذ أي خطوة من جانبه لمواجهة هذا التحدي، وقرر ترك الأمر للمحكمة الدستورية العليا التي توكأ على حكمها بعدم شرعية الانتخابات البرلمانية، وقرر حلّ البرلمان والاستيلاء على صلاحياته كسلطة تشريعية. المحكمة الدستورية أصدرت فتواها القانونية بالتأكيد على أن أحكامها ملزمة لجميع الجهات في الدولة وأنها غير قابلة للطعن، في إشارة واضحة إلى أن قرارها بعدم دستورية الانتخابات البرلمانية ملزم للرئيس، مثلما هو ملزم للمجلس العسكري أيضا. هذا يعني أن عودة البرلمان إلى الاجتماع يوم الثلاثاء غير دستورية، وأن أي قرارات تصدر عنه غير ملزمة، علاوة على كونها غير قابلة للتنفيذ، مما يعني أننا أمام معضلة كبرى تتمثل في وجود دولة برأسين، الأول لرئيس جمهورية منتخب يريد استعادة جميع صلاحياته التي استمدها من انتخابات حرة ونزيهة، والثاني لمؤسسة عسكرية ترى أن واجبها حماية الدولة وتطبيق أحكام المحكمة الدستورية. الصدام حتمي، وسيبدأ على شكل جدل قانوني دستوري، وربما يتطور إلى مواجهات بين التيار الإسلامي، من ناحية، والعلماني الليبرالي، من ناحية أخرى. ومن المفارقة أن «حزب الفلول»، الذي تعرض لهزيمة قاسية في انتخابات الرئاسة بسقوط مرشحه أحمد شفيق، يعيش أحلى أيامه، فقد وجد مجموعة من زعماء النخبة السياسية المصرية وقادة التيارات الحزبية في خندقه دون أن يخسر جنيها واحدا أو يبذل أي مجهود. كان لافتا أن قيادات، مثل حمدين صباحي وأيمن نور والدكتور محمد البرادعي وممدوح حمزة، وقفوا بقوة إلى جانب المجلس العسكري، وبعضهم كان من ألدّ أعدائه، والأكثر من ذلك ان الدكتور حمزة استشعر المزاج السائد في أوساط شعبية وطالب بانقلاب عسكري، وهو الذي كان من ألد أعداء المجلس العسكري. لا نعرف ما إذا كان مجلس شورى الإخوان، الذي اتخذ قرار التحدي هذا، قد أجرى حساباته جيدا ووضع كل السيناريوهات المترتبة عنه، وأبرزها حشد قوى لها شأن في الشارع المصري ضد التيار الإسلامي، وكيفية الرد عليها بالتالي بطرق فاعلة ومؤثرة؛ ولكننا نرى، وقد يختلف معنا البعض، أن الخطوة الممثلة في إعادة الشرعية إلى البرلمان وإبطال قرار حلّه جاءت سابقة لأوانها. فإذا كانت البورصة المصرية هي المعيار الذي يمكن استخدامه كقياس للحكم على مدى صوابية بعض القرارات، فإنها انخفضت بأكثر من ستة في المائة يوم الاثنين كمؤشر على الخوف من حالة عدم استقرار قادمة إلى مصر، مع العلم بأنها ارتفعت بالنسبة نفسها، وهي الحد الأعلى، عندما أدى الدكتور مرسي القسم أمام المحكمة الدستورية، و»تصالح» مع المؤسسة العسكرية وتلقى أعلى دروعها. إن أخطاء التيار الإسلامي تسمح لخصومه السياسيين بتخويف الشارع العربي منه ومن نواياه في إقامة دولة إسلامية. ويبدو أن هذه المخططات بدأت تعطي ثمارها في أشهر معدودة، بدليل تقدم الليبراليين في الانتخابات الليبية وتراجع الإسلاميين، مع التذكير بأن الشعب الليبي شعب متدين في معظمه. ولا نبالغ إذا قلنا إن دولا عربية تشارك بقوة في تغذية عملية «الشيطنة» هذه ضد الإسلاميين، وحركة الإخوان على وجه التحديد، فربما لم يكن من قبيل الصدفة أن تنشر صحيفة سعودية صورة من الأرشيف تظهر الإمام حسن البنا، مؤسس الحركة، وهو يقبل يد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، أثناء زيارة الأول للثاني في الرياض، ومتى.. قبل يومين من زيارة الرئيس مرسي للعاصمة السعودية.. وكأنها تقول، أي الصورة، إن ما تريده المملكة هو علاقة تبعية وليس علاقة تقوم على الندية. المجلس العسكري المصري من المفترض أن يكون سلّم السلطة إلى الرئيس المصري الجديد، وبالتالي عليه أن يعود إلى ثكناته وأداء واجباته التي حددها الرئيس المصري في خطابه أثناء تكريمه له، أي الدفاع عن حدود البلاد، ولكن يبدو أن المجلس العسكري لم يسلّم السلطة بعد، وما زال يقوم بالدور نفسه الذي قام به منذ طلبه للرئيس مبارك بالتنحي، وهو ينتظر الآن بذكاء لكي تختمر حالة الغضب في بعض الأوساط على ما تراه مخالفة دستورية من قبل الرئيس، ليعود إلى التدخل بقوة والاستيلاء على السلطة. نقطة ضعف حركة الإخوان التي يركز عليها خصومها، وما أكثرهم، هي قبول الإعلان الدستوري المكمل، وحلف الرئيس مرسي القسم أمام المحكمة الدستورية، وبعد ذلك الطعن في قرارها بحل البرلمان، مما يعدّ حنثا في القسم الرئاسي الذي يشمل احترام الدستور والقانون، مما يجعل البعض يشكك في شرعية مرسي نفسه. مصر تعيش حاليا حالة من الخوف والقلق، وبات ممنوعا عليها أن تلتقط أنفاسها، ويؤلمنا أن نقول إن احتمالات الصدام، والدموي منه على وجه الخصوص، أكبر من احتمالات الخروج السلس والآمن من أزمة البرلمان والشرعية التي يواجهها النظام.